مبطلات المسح على الخفين: الأحكام والتفصيل الشرعي
يعد المسح على الخفين من أهم مسائل الفقه التي تشغل بال المسلمين، خاصة في العبادات اليومية مثل الصلاة، وذلك بسبب ما يترتب عليه من تسهيل في الطهارة، مما يخفف على المسلم مشقة غسل القدمين في كل مرة. وقد وردت أدلة شرعية تؤكد مشروعية المسح على الخفين، وقد تناولها العلماء باختلاف مدارسهم الفقهية بشكل موسع. لكن في الوقت نفسه، حدد العلماء مبطلات للمسح على الخفين، وفي هذا المقال، سنتناول بالتفصيل المبطلات المتعلقة بالمسح على الخفين، والتي قد تُبطل صحة المسح وتعيد المسلم إلى ضرورة غسل قدميه.
المسح على الخفين في الشريعة الإسلامية
قبل الخوض في الحديث عن مبطلات المسح على الخفين، من المهم أن نفهم أولاً المقصود بالمسح على الخفين. المسح على الخفين هو أن يمسح المسلم على الجبيرة أو الخف (أو الجوارب) بدلاً من غسل القدمين في الوضوء.
وقد وردت العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تدل على مشروعية المسح على الخفين، من أبرزها حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال: “أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين”. كذلك، نجد في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين”.
ولكن، هذا الفعل الطيب الذي يخفف على المسلم في مسألة الطهارة ليس مطلقًا بل يتطلب شروطًا معينة لضمان صحته، كما أنه توجد بعض الحالات التي تبطل المسح وتجعله غير صحيح.
شروط صحة المسح على الخفين
قبل أن نتحدث عن المبطلات، يجب أولاً أن نوضح شروط صحة المسح على الخفين التي ذكرتها غالبية المذاهب الفقهية:
-
الطهارة عند لبس الخفين: يجب أن يكون المسلم طاهرًا قبل أن يلبس الخفين أو الجوارب.
-
أن يكون الخف ساترًا للقدم: لا يجوز المسح على الجوارب التي لا تغطي الكعبين، بل لابد من تغطيتهما بالكامل.
-
المدة المحددة للمسح: اختلف الفقهاء في مدة المسح على الخفين. ففي مذهب الإمام الشافعي، يمكن المسح على الخفين لمدة 24 ساعة بالنسبة للمسافر، و 12 ساعة بالنسبة للمقيم. أما في مذهب الإمام مالك، فإن المسح لا يتم إلا لمدة يوم وليلة للمسافر.
-
النقاء من المبطلات: يجب أن يبقى الخف طاهرًا، ولا يجب أن يتعرض لأي ملوثات تبطل الطهارة.
مبطلات المسح على الخفين
1. إزالة الخفين أو الجوارب
أحد أهم المبطلات للمسح على الخفين هو إزالة الخفين أو الجوارب من القدمين بعد المسح. ففي حال خلع المسلم للخفين أو الجوارب بعد مسحه عليهما، فإنه يكون قد أفسد طهارته، مما يتطلب منه إعادة الوضوء. هذا الحكم هو إجماع بين فقهاء المذاهب الأربعة، وقد ورد في الحديث الصحيح عن المغيرة بن شعبة حيث قال: “مسحتُ على الخفين ثم خلعتُهما فقلت: يا رسول الله، أأغسل قدميَّ؟ فقال: نعم”.
2. حدوث حدث ناقض للوضوء
من المعروف أن الوضوء يتأثر بأي من النقضات التي تؤثر فيه، مثل النوم أو قضاء الحاجة. فإذا حدث للإنسان ناقض من نواقض الوضوء بعد مسحه على الخفين، فإن المسح يصبح باطلاً. وبالتالي، لا يجوز للمسلم أن يمسح على خفيه إذا كان قد حدث شيء من تلك النواقض بعد المسح.
3. انقضاء مدة المسح
كما ذكرنا في الشروط، فإن المسح على الخفين ليس عملية مستمرة بلا حدود. إذ يُشترط أن تكون هناك مدة محددة للمسح. فإذا انتهت المدة المقررة للمسح، يصبح المسح باطلاً، ويجب على المسلم غسل قدميه في الوضوء. كما يختلف تحديد المدة بين المذاهب الفقهية؛ فالمذهب الشافعي يحدد مدة المسح للمسافر بـ 24 ساعة وللمقيم بـ 12 ساعة، بينما يحدد المذهب المالكي مدة المسح بيوم وليلة فقط.
4. تبطل الطهارة بنقض الخف أو الجورب
إذا حدث نقض للخف أو الجورب، مثل تمزق أو حدوث أي عيب يسبب خروج القدم منه، فإن ذلك يبطل المسح على الخفين. وفي هذه الحالة يجب على المسلم أن يغسل قدميه عند وضوئه التالي، لأن شرط المسح هو أن يبقى الخف سليمًا وغير متمزق.
5. الحدث الأكبر مثل الجنابة أو الحيض
من المبطلات أيضًا هو حدوث حدث أكبر مثل الجنابة أو الحيض. فإذا حدث جنابة للمسلم بعد مسحه على الخفين، فإنه يبطل مسحه. وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “إن المسلم إذا أصابه حدث أكبر، فإن عليه أن يغسل جسده ويعيد الوضوء”.
6. استخدام الخفين أو الجوارب التي لا تلتزم بالشروط الشرعية
لا يجوز المسح على الخفين أو الجوارب التي لا تستوفي الشروط الشرعية، مثل الجوارب الرقيقة التي لا تغطي القدم بالكامل أو الخفين المصنوعين من مواد غير قابلة للمسح أو الماء. الشرط الأساسي هو أن يكون الخف أو الجورب سميكًا ومتينًا بحيث يمكن المسح عليه، وألا يكون شفافًا أو رقيقًا بحيث يظهر ما تحتها من القدم.
7. الوصول إلى حد الطهارة النهائية
يحدث أحيانًا أن المسلم يعتقد أنه يمكنه الاستمرار في المسح بعد تجاوز المدة المقررة أو حدوث بعض الأمور التي كان يعتقد أنها لا تؤثر في الطهارة، ولكن الواقع أن هذه التصورات قد تؤدي إلى إبطال المسح على الخفين. يجب أن يكون المسلم على علم بأنه إذا تم تجاوز الحد الزمني أو حدث أي من المبطلات المذكورة سابقًا، فعليه إعادة الوضوء كاملاً.
8. المسح على خفين بعد الحدث
من الباطل أيضًا مسح الخفين بعد حدوث حدث، سواء كان من نواقض الوضوء المعتادة مثل الحدث الأصغر أو الأكبر، أو بعد فترة معينة انتهت. وفي هذه الحالة، يجب غسل القدمين وبدء الوضوء من جديد.
الخلاصة
المسح على الخفين يعد من التسهيلات التي أتاحها الشرع الإسلامي للمسلمين في طهارتهم اليومية، ولكنه ليس أمرًا مطلقًا. توجد شروط محددة للمسح على الخفين، بالإضافة إلى مجموعة من المبطلات التي يمكن أن تفسد طهارة المسلم وتجعله مضطراً للوضوء من جديد. من أبرز المبطلات هي خلع الخفين، حدوث نقض للوضوء، انتهاء مدة المسح، أو حدوث حدث أكبر مثل الجنابة أو الحيض.
يجب على المسلم أن يكون على دراية تامة بهذه المبطلات وألا يستمر في المسح على الخفين إذا كانت هناك أي من هذه الأسباب التي تبطل الطهارة.
