أضرار الكاكاو الصحية

أضرار شرب الكاكاو: نظرة علمية شاملة وموسعة

يُعد الكاكاو من أكثر المشروبات المحببة لدى فئات واسعة من الناس، لما يتمتع به من طعم لذيذ ورائحة زكية، بالإضافة إلى خصائصه التي توصف بأنها منشّطة ومُحسّنة للمزاج. ومع أن الكاكاو يحتوي على العديد من المركبات النباتية المفيدة مثل مضادات الأكسدة، إلا أن الإفراط في تناوله أو استهلاكه ضمن ظروف معينة قد يؤدي إلى ظهور مجموعة من الأضرار الصحية. يعتمد تأثير الكاكاو على الصحة على عدة عوامل، منها الكمية المتناولة، طريقة التحضير، حساسية الجسم، والحالة الصحية العامة للفرد. في هذا المقال، يتم التطرق تفصيليًا إلى أبرز أضرار شرب الكاكاو، مدعومة بالأدلة العلمية الحديثة، وموضحة عبر محاور دقيقة توضح الجوانب الصحية والفيزيولوجية التي قد تتأثر سلبًا عند استهلاكه بشكل مفرط أو غير متوازن.

1. التحفيز المفرط للجهاز العصبي

الكاكاو يحتوي بشكل طبيعي على مادة الكافيين، وإن كانت بكميات أقل من القهوة أو الشاي، إلا أن الاستهلاك المفرط له قد يؤدي إلى تأثيرات مماثلة. الكافيين هو منبه قوي للجهاز العصبي المركزي، ويؤدي إلى زيادة في إفراز النواقل العصبية مثل الأدرينالين والدوبامين. هذا التنشيط الزائد قد يكون غير مرغوب فيه، خاصة لدى الأشخاص المصابين باضطرابات القلق، فرط النشاط، أو من يعانون من الأرق.

تشمل الأعراض المحتملة نتيجة لهذا التحفيز:

• تسارع في ضربات القلب

• القلق والتوتر

• صعوبات في النوم

• التهيج العصبي

• الصداع الناتج عن فرط الكافيين

2. التأثير السلبي على النوم وجودته

تناول الكاكاو في ساعات المساء أو الليل قد يؤثر بشكل مباشر على نوعية النوم، وذلك بسبب احتوائه على الكافيين والثيوبرومين، وهما مادتان ترفعان مستوى التنبيه الذهني والجسدي. يبطئ الكافيين من إنتاج الميلاتونين، الهرمون المسؤول عن تنظيم النوم، مما قد يؤدي إلى الأرق أو النوم المتقطع.

في دراسات حديثة نُشرت في دوريات النوم الإكلينيكية، وُجد أن الأشخاص الذين يستهلكون الكافيين بعد الساعة السادسة مساءً يعانون من انخفاض كبير في مدة النوم العميق وزيادة ملحوظة في اليقظة أثناء الليل.

3. مشاكل في الجهاز الهضمي

يحتوي الكاكاو على مركبات قد تسبب تهيجاً في بطانة الجهاز الهضمي، خاصة عند استهلاكه بكميات كبيرة أو على معدة فارغة. كما أن بعض الأشخاص يعانون من حساسية أو تحسس خفيف تجاه مركبات مثل الثيوبرومين أو التانينات الموجودة في الكاكاو.

الأعراض الهضمية الشائعة المرتبطة بالإفراط في شرب الكاكاو:

• حرقة في المعدة

• انتفاخ وغازات

• إسهال أو إمساك متناوب

• زيادة في حموضة المعدة

• تحفيز نوبات الارتجاع المريئي لدى الأشخاص المصابين به

4. زيادة معدل ضربات القلب وعدم انتظامها

الثيوبرومين، وهو مركب شبيه بالكافيين، يوجد بتركيز عالٍ نسبيًا في الكاكاو، ويؤثر مباشرة على القلب والأوعية الدموية. يمكن أن يؤدي إلى توسع الأوعية وزيادة في عدد ضربات القلب. هذا التأثير قد يكون خطيرًا على الأشخاص المصابين بأمراض القلب أو ارتفاع ضغط الدم، كما أنه قد يسبب شعورًا بعدم الراحة لدى الأشخاص الأصحاء إذا تم استهلاكه بكثرة.

أظهرت دراسات سريرية أن الثيوبرومين قد يسبب حالات من اضطراب النظم القلبي، خاصة لدى الفئات الحساسة أو لدى من يستهلكون الكاكاو بجرعات مفرطة.

5. التأثير على امتصاص بعض المعادن

يحتوي الكاكاو على كميات مرتفعة من مركبات تسمى “أوكسالات”، وهي مواد طبيعية تعيق امتصاص بعض المعادن في الأمعاء، خصوصًا الكالسيوم والمغنيسيوم والحديد. هذا التداخل يمكن أن يؤثر على التوازن المعدني في الجسم بمرور الوقت، مما يضعف العظام والأسنان ويزيد من خطر الإصابة بفقر الدم الناجم عن نقص الحديد.

يُوصى بعدم تناول الكاكاو مباشرة بعد الوجبات الغنية بالحديد النباتي، لتفادي تثبيط امتصاصه، لا سيما لدى الأطفال والنساء الحوامل الذين يُعدّون أكثر عرضة لنقص الحديد.

6. زيادة فرص تكون حصى الكلى

نسبة الأوكسالات العالية الموجودة في الكاكاو يمكن أن تُساهم في تكوين حصى الكلى، خصوصًا من نوع أوكسالات الكالسيوم، والتي تُعد من أكثر أنواع الحصوات شيوعًا. تزداد احتمالية حدوث هذه المشكلة لدى الأشخاص الذين يعانون من فرط إفراز الأوكسالات أو لديهم تاريخ عائلي في تكوّن الحصوات.

في الجدول التالي، توضح البيانات تركيز الأوكسالات في الكاكاو مقارنةً بأطعمة أخرى:

7. ارتفاع محتوى السعرات والدهون المشبعة

رغم أن الكاكاو الخام منخفض نسبيًا في السعرات الحرارية، إلا أن معظم مشروبات الكاكاو التجارية تحتوي على كميات كبيرة من السكر المضاف والحليب الكامل الدسم، ما يجعلها غنية بالسعرات والدهون المشبعة. الإفراط في تناول هذه المشروبات قد يؤدي إلى زيادة الوزن، تراكم الدهون الحشوية، ورفع مستويات الكوليسترول الضار (LDL).

عند شرب الكاكاو بانتظام وبكميات كبيرة، دون حساب القيم الغذائية المضافة، يزداد خطر الإصابة بالسمنة وأمراض القلب والأوعية.

8. احتمالية التسبب في ردود فعل تحسسية

يعاني بعض الأشخاص من ردود فعل تحسسية تجاه الكاكاو، وقد تظهر الأعراض في شكل طفح جلدي، حكة، تورم في الشفاه أو الوجه، أو حتى صعوبة في التنفس. في حالات نادرة، قد يؤدي تناول الكاكاو إلى تحفيز تفاعلات تأقية حادة تستدعي تدخلاً طبياً فوريًا.

الأشخاص المصابون بحساسية غذائية تجاه النيكل أو الكبريتات قد يكونون أكثر عرضة للتحسس من الكاكاو، نظرًا لاحتوائه على هذه المركبات في حالاته الطبيعية أو المعالجة.

9. التفاعل مع بعض الأدوية

تشير بعض الدراسات إلى أن الكاكاو قد يتفاعل مع أنواع معينة من الأدوية، خصوصًا تلك التي تعمل على الجهاز العصبي أو القلب. فعلى سبيل المثال:

• قد يقلل من فاعلية بعض الأدوية المهدئة بسبب تأثيراته المنبهة.

• قد يزيد من آثار الأدوية الخافضة للضغط، مما قد يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم بشكل غير طبيعي.

• الكافيين الموجود فيه قد يعزز من سمية بعض الأدوية القلبية عند الإفراط في التناول.

10. زيادة خطر الإدمان النفسي

يميل الكاكاو، خاصة عند تحضيره كمشروب غني بالسكر والحليب، إلى تحفيز مراكز المكافأة في الدماغ بشكل مشابه لتأثير بعض المواد المحفزة، ما قد يؤدي إلى نوع من الاعتماد النفسي عليه. يصف البعض أنفسهم بأنهم “مدمنو شوكولاتة”، نتيجة الرغبة القهرية في تناول الكاكاو أو منتجاته.

المكونان الرئيسيان المسببان لذلك هما: الثيوبرومين والكافيين، بالإضافة إلى السكر، وهو أحد أهم العوامل في الإدمان الغذائي.

الخلاصة

بالرغم من الفوائد الغذائية المتنوعة التي قد يحملها الكاكاو، خصوصًا عند استهلاكه بجرعات معتدلة وبصورته الخام أو الداكنة، فإن الإفراط في شربه أو تناوله بطرق غير صحية قد يؤدي إلى مجموعة من الأضرار البدنية والنفسية. تتنوع هذه الأضرار ما بين اضطرابات النوم والهضم، مرورًا بزيادة الوزن واضطراب ضربات القلب، وانتهاءً بتأثيره على امتصاص المعادن وإحداث مشاكل كلوية أو تحسسية.

لذا، يُنصح باستهلاك الكاكاو باعتدال، مع مراعاة الظروف الصحية الخاصة لكل فرد، والحرص على اختيار الأنواع الأقل معالجة والأقل احتواءً على السكريات والدهون. من المهم أيضاً متابعة الأعراض الجسدية التي قد تظهر بعد تناوله لتحديد مدى ملاءمته للفرد بشكل دقيق.

المراجع:

1. Institute of Medicine (2005). Dietary Reference Intakes for Water, Potassium, Sodium, Chloride, and Sulfate. National Academies Press.

2. Nehlig, A. (2013). The neuroprotective effects of cocoa flavanol and its influence on cognitive performance. British Journal of Clinical Pharmacology.