الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود: مسيرة العطاء والتطوير في تاريخ المملكة العربية السعودية
يُعتبر الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود واحدًا من أبرز القادة الذين تولوا حكم المملكة العربية السعودية في العصر الحديث، حيث قاد البلاد خلال فترة حساسة من تاريخها، واتسمت فترة حكمه بالعديد من الإنجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أسهمت في تعزيز مكانة المملكة على الساحة الإقليمية والدولية.
وُلد الملك خالد في مدينة الرياض في 13 من شهر ذو الحجة 1331هـ (1913م)، وكان يعد من أفراد العائلة المالكة الذين شاركوا بشكل فعّال في تطور المملكة منذ تأسيسها على يد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود. إلا أن الملك خالد لم يقتصر على إدارة الشؤون الداخلية فقط، بل شهدت فترة حكمه أيضًا تطورات كبيرة في السياسة الخارجية للمملكة، وكان له دور بارز في دعم القضايا العربية والإسلامية.
نشأة الملك خالد ودوره المبكر في الدولة
وُلد الملك خالد في وقت كانت فيه المملكة لا تزال في مراحلها الأولى بعد توحيدها. نشأ في كنف أسرة ملكية تربطها علاقة وثيقة بالشعب السعودي، مما جعله يتعلم مبادئ الحكم والسياسة منذ وقت مبكر. كان له دور مهم في العديد من الأعمال الوطنية التي أسهمت في تعزيز الدولة السعودية.
لقد تلقى الملك خالد تعليمه الأولي في الرياض، وكان من أميز الطلاب في تلك الفترة، وقد أظهر حماسة كبيرة في دراسة العلوم الدينية والشرعية، بالإضافة إلى اهتمامه بالعلوم الحديثة. كان والده، الملك عبد العزيز، يشرف على تعليمه، مما جعله يتعرف على العديد من القضايا المتعلقة بتطوير البلاد وحكمها بشكل دقيق.
الصعود إلى العرش
تولى الملك خالد بن عبد العزيز الحكم في 25 من شهر شوال 1395 هـ (1975م)، بعد وفاة شقيقه، الملك فيصل بن عبد العزيز. وقد كان الملك خالد حينها في منتصف الستينات من عمره، ولكنه كان صاحب خبرة واسعة في شؤون الدولة من خلال المناصب التي شغلها سابقًا، ومنها أمير منطقة الرياض، ووزيرًا للداخلية، حيث اكتسب خلالها خبرات إدارية وفنية ساعدته في تسيير شؤون المملكة بحكمة واهتمام.
ومع تسلمه العرش، واجه الملك خالد تحديات كبرى، أبرزها تسريع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، في وقت كانت فيه البلاد بحاجة إلى التحول إلى اقتصاد يعتمد بشكل أكبر على الموارد النفطية بعد طفرة النفط التي شهدتها المملكة في السبعينات. كما كان عليه أن يتعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية المعقدة، بما في ذلك النزاعات في الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
السياسة الداخلية والاقتصادية في عهد الملك خالد
كان للملك خالد دور أساسي في تطوير المملكة بشكل شامل خلال فترة حكمه. فتمكن من تحقيق نقلة نوعية في مجالات متعددة، على رأسها الاقتصاد والتعليم والصحة. فقد شهدت المملكة في عهد الملك خالد قفزات كبيرة في مختلف القطاعات التي شكلت أساسًا لنهضة الدولة الحديثة.
1. التنمية الاقتصادية
شهدت المملكة في عهد الملك خالد تنفيذ العديد من المشاريع الاقتصادية التي أسهمت في تقوية البنية التحتية وتحسين مستويات المعيشة للمواطنين. كان النفط، بما يملكه من موارد ضخمة، هو الأساس الذي اعتمدت عليه المملكة لتحقيق هذه الطفرة الاقتصادية. وركزت السياسة الاقتصادية في تلك الفترة على تعزيز مشاريع البنية التحتية وإنشاء شبكة من الطرق والمرافق العامة التي خدمت المواطنين.
كما تم إنشاء العديد من المشاريع الاقتصادية التي ساعدت في تنويع الاقتصاد السعودي بعيدًا عن النفط، وكان أبرزها المشاريع الصناعية والزراعية.
2. التعليم
أعطى الملك خالد اهتمامًا خاصًا بالتعليم، فكان يعتقد أن التعليم هو الأساس الذي يمكن أن يرتقي بالأمة إلى مصاف الدول المتقدمة. ومن أبرز إنجازاته في هذا المجال، تطوير المناهج الدراسية وتوسيع شبكة المدارس على مستوى المملكة. كما تم تأسيس العديد من الجامعات مثل جامعة الملك سعود في الرياض، مما أسهم في تحسين مستوى التعليم الجامعي في البلاد.
3. الصحة
حظيت الصحة أيضًا بنصيب وافر من اهتمام الملك خالد. فقد شهدت المملكة توسعًا كبيرًا في إنشاء المستشفيات والمراكز الصحية، مما ساعد في تحسين جودة الخدمات الصحية للمواطنين. وتم تعزيز برامج الرعاية الصحية الأولية، وتوسيع شبكة المستشفيات الحكومية التي أصبحت تقدم خدمات عالية الجودة، مما ساهم في رفع مستوى الصحة العامة في المملكة.
السياسة الخارجية ودور المملكة في القضايا العربية والإسلامية
لم تقتصر اهتمامات الملك خالد على الشؤون الداخلية للمملكة، بل كان له دور بارز في السياسة الخارجية، حيث شهدت فترة حكمه العديد من المتغيرات في الساحة العربية والإسلامية. وكان للملك خالد سياسة متوازنة في التعامل مع القضايا العربية والإقليمية، حيث دافع عن القضايا الفلسطينية، وشارك في دعم الدول العربية التي كانت في حالة صراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
كانت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973م، والمعروفة بحرب أكتوبر، واحدة من أبرز المحطات في عهده، حيث دعم الملك خالد القضية الفلسطينية بشدة، وكان له موقف حاسم في مواجهة محاولات تهميش القضية الفلسطينية على الساحة الدولية. كما لعب دورًا محوريًا في دعم مصر وسوريا في تلك الحرب.
وبالإضافة إلى ذلك، كان للملك خالد دور هام في دعم القضايا الإسلامية العالمية، حيث ساعد في بناء العديد من المشروعات الإسلامية حول العالم، مثل إنشاء وتوسيع الحرمين الشريفين، وتقديم الدعم للدول الإسلامية في مختلف المجالات.
الأسلوب القيادي والإنساني للملك خالد
تجلت القيادة الحكيمة للملك خالد في سعيه المستمر لتحقيق التوازن بين مصالح البلاد والاهتمام بمصالح المواطنين. كان من أبرز سماته الشخصية تواضعه وإنسانيته، فقد كان دائمًا قريبًا من الناس، وكان يتعامل مع القضايا الاجتماعية والسياسية بتفاؤل وروح إيجابية. وكان يحظى باحترام كبير من قبل المواطنين نظرًا لما يتمتع به من صدق وشفافية في التعامل.
أما على الصعيد الإنساني، فقد عرف الملك خالد بمواقفه الإنسانية تجاه الفقراء والمحتاجين، حيث كان يهتم بتوزيع المساعدات للمحتاجين سواء في داخل المملكة أو في الدول الإسلامية والعربية، وقد أسس العديد من الجمعيات الخيرية التي تساهم في تقديم الدعم الاجتماعي.
وفاة الملك خالد وتأثيرها على المملكة
توفي الملك خالد بن عبد العزيز في 21 من شهر شعبان 1402هـ (1982م) بعد أن قضى في الحكم ما يزيد عن السبع سنوات. ورغم قصر فترة حكمه، إلا أن تأثيره كان كبيرًا في المملكة، حيث ترك إرثًا غنيًا من الإنجازات في كافة المجالات. وقد خلفه على العرش شقيقه، الملك فهد بن عبد العزيز، الذي واصل المسيرة التي بدأها الملك خالد.
لقد ترك الملك خالد بن عبد العزيز بصمة كبيرة في تاريخ المملكة العربية السعودية، حيث أسهم في تحقيق العديد من الإنجازات التي أسست لنهضة المملكة الحديثة. تظل ذكراه حيّة في قلوب السعوديين الذين يقدرون إنجازاته التي غيرت وجه المملكة وجعلتها إحدى القوى الإقليمية المؤثرة على الساحة العالمية.
المصادر:
-
الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود: مسيرة حافلة بالإنجازات – مجلة “الشرق الأوسط” 2019.
-
الملك خالد بين الماضي والمستقبل – موقع صحيفة “الوطن”.
