طريقة صناعة الجبس الطبيعي

كيفية صنع الجبس: مقال موسّع حول مراحل التصنيع والاستخدامات الصناعية

الجبس، أو ما يُعرف علميًا بكبريتات الكالسيوم المائية (CaSO₄·2H₂O)، هو أحد المعادن الطبيعية التي تلعب دورًا محوريًا في العديد من الصناعات الحديثة والتقليدية. يُستخدم الجبس منذ آلاف السنين في العمارة، والزخرفة، والطب، والزراعة، وهو اليوم مكون أساسي في مواد البناء والتشطيبات الداخلية. لا يُعد الجبس مادة صناعية فقط، بل هو نتاج طبيعي يُستخرج من باطن الأرض ويخضع لمعالجات متسلسلة لتحويله إلى منتج صالح للاستعمال.

في هذا المقال، سنتناول بشكل شامل عملية تصنيع الجبس من الاستخراج وحتى المنتج النهائي، مع شرح تفصيلي لكل مرحلة وتوضيح لأهم استخداماته، مع التركيز على الأبعاد التقنية والكيميائية لهذه المادة ذات الأهمية المتزايدة في الاقتصاد الحديث.

أولًا: المفهوم الكيميائي للجبس

الجبس هو معدن كبريتات الكالسيوم المائي، ويظهر في الطبيعة بأشكال متعددة، منها الكتل الصخرية، والرواسب الدقيقة، والألياف البلورية. الصيغة الكيميائية للجبس هي:

CaSO₄·2H₂O

وتعني أنه يحتوي على جزيئين من الماء لكل جزيء من كبريتات الكالسيوم. هذه الخاصية المائية تجعله مادة قابلة لإعادة التصلب عند خلطه بالماء، وهي الأساس الذي يعتمد عليه في استخداماته الصناعية.

ثانيًا: مصادر الجبس وأنواعه

يوجد الجبس في الطبيعة بكثرة، ويُستخرج من رواسب معدنية سطحية أو باطنية في مناطق تتسم بتركيزات عالية من الكبريتات والكالسيوم. وتنقسم أنواع الجبس إلى:

• الجبس الطبيعي: يُستخرج من المناجم المفتوحة أو مناجم الأنفاق.

• الجبس الاصطناعي (أو الصناعي): يُنتج كمُخلف ثانوي في الصناعات الكيميائية، وخاصة في صناعة الأسمدة الفوسفاتية. من أشهر أنواعه “الجبس الفوسفوجيبس”.

ثالثًا: خطوات تصنيع الجبس

عملية تصنيع الجبس تمر بعدة مراحل رئيسية، تبدأ من استخراج المادة الخام وتنتهي بإنتاج ألواح الجبس أو الجبس البودرة المستخدم في مختلف التطبيقات.

1. مرحلة الاستخراج

يُستخرج الجبس من المناجم السطحية أو العميقة باستخدام آلات القطع الثقيلة، أو من خلال التفجير المُتحكم فيه. ويُفرز الجبس الخام ميكانيكيًا للتخلص من الشوائب المعدنية مثل الطين، الرمل، أو المواد العضوية.

2. مرحلة السحق والتجفيف

يُسحق الجبس الخام إلى قطع صغيرة لا يتجاوز حجمها عدة سنتيمترات، ثم يُجفف لإزالة الرطوبة الطبيعية الزائدة. تُستخدم مجففات صناعية تعمل بالغاز أو الفحم لإجراء هذه العملية.

3. مرحلة التكليس (Calcination)

تُعد مرحلة التكليس من أهم مراحل تصنيع الجبس، حيث تُسخن المادة الخام عند درجات حرارة تتراوح ما بين 130 إلى 180 درجة مئوية لفصل جزء من الماء البلوري:

CaSO₄·2H₂O → CaSO₄·0.5H₂O + 1.5H₂O (بخار)

ينتج عن هذه المرحلة ما يُعرف بـ “الجبس المُكلس” أو “الجبس الجزئي التميؤ”، وهو الشكل المستخدم تجاريًا لصناعة الجبس البودرة.

4. الطحن النهائي

يُطحن الجبس المُكلّس بواسطة مطاحن دوّارة أو كروية إلى بودرة ناعمة جدًا، ويمكن إضافة مواد إضافية إليه مثل المواد المقاومة للرطوبة، أو مثبطات التصلب، أو ألياف الزجاج حسب الغرض الصناعي النهائي.

5. التعبئة والتخزين

تُعبأ بودرة الجبس في أكياس مخصصة تُراعي عوامل الحفظ من الرطوبة والضغط. كما يمكن صبه في قوالب خاصة لتشكيل ألواح الجبس المستخدمة في الأسقف والجدران.

رابعًا: تصنيع ألواح الجبس

إلى جانب الجبس البودرة المستخدم في التلبيس والمعجون والزخرفة، تُعد ألواح الجبس من المنتجات الأساسية التي تُستخدم في قطاع البناء والتشييد. وتتطلب عمليات تصنيع الألواح مراحل إضافية تشمل:

1. خلط الجبس المُكلّس مع الماء والمواد المضافة.

2. صب الخليط في قوالب مُسطحة بين ورقتين مقويتين.

3. مرور الألواح بسير تجفيف طويل عند حرارة تقارب 150-160 درجة مئوية.

4. تقطيع الألواح حسب الأبعاد القياسية.

5. تجميع الألواح وتغليفها وشحنها إلى مراكز التوزيع.

خامسًا: الخصائص الفيزيائية والكيميائية للجبس

الجبس مادة تتميز بخواص فريدة جعلت منه منتجًا مثاليًا للعديد من التطبيقات:

سادسًا: استخدامات الجبس

تتنوع استخدامات الجبس بحسب شكله الفيزيائي وطريقة تصنيعه، ويمكن تلخيص أهم استخداماته فيما يلي:

1. البناء والإنشاءات

• ألواح الجبس: تُستخدم لتقسيم المساحات الداخلية وعزل الصوت والحرارة.

• التلبيس الداخلي: بودرة الجبس تُستخدم لتنعيم الجدران والسقوف.

• قوالب الزخرفة: تُصنع باستخدام الجبس لصنع الكرانيش، الأعمدة، والزخارف المعمارية.

2. الزراعة

• يُضاف الجبس إلى التربة لتحسين خواصها الفيزيائية، وتعديل درجة الحموضة، وزيادة توافر الكالسيوم والكبريت للنباتات.

3. الطب

• يُستخدم في صناعة الجبائر الطبية التي تُستخدم لتثبيت العظام.

• يدخل في صناعة قوالب الأسنان والأعضاء الاصطناعية.

4. الصناعة

• يدخل في صناعة الأسمنت كعامل تثبيت.

• يُستخدم كمادة حشو في صناعة الدهانات والبلاستيك والورق.

• يدخل في تصنيع قوالب السيراميك والزجاج.

سابعًا: الاعتبارات البيئية والسلامة

رغم أن الجبس مادة طبيعية وغير سامة، إلا أن عملية تصنيعه تتطلب الانتباه لبعض العوامل البيئية والصحية:

• انبعاثات الغبار: يجب استخدام فلاتر صناعية لمنع انتشار غبار الجبس في الجو، حيث يؤثر سلبًا على الجهاز التنفسي.

• استهلاك الطاقة: عملية التكليس تستهلك كميات كبيرة من الطاقة الحرارية.

• تدوير الجبس: يُمكن إعادة تدوير الجبس المستخدم في ألواح البناء إلى مادة خام قابلة لإعادة التصنيع.

ثامنًا: المعايير الدولية في صناعة الجبس

صناعة الجبس تخضع لمجموعة من المعايير العالمية التي تحدد نقاء المادة وخصائصها الفيزيائية:

• معيار ASTM C472: لتحديد زمن التصلب.

• معيار EN 13279-1: لمواصفات الجبس المستخدم في البناء.

• معيار ISO 9001: لنظم إدارة الجودة في المصانع المنتجة.

الالتزام بهذه المعايير يضمن جودة المنتج النهائي ويعزز من قابليته للاستخدام في المشاريع الضخمة سواء السكنية أو التجارية.

تاسعًا: مستقبل صناعة الجبس

مع التطور الكبير في تقنيات البناء والتوجه نحو المواد المستدامة، يُتوقع أن يشهد قطاع الجبس نموًا كبيرًا في المستقبل، خصوصًا مع انتشار أنظمة البناء الجافة (Drywall Systems) التي تعتمد على ألواح الجبس كعنصر أساسي في التشطيبات الداخلية.

وتُظهر الابتكارات الحديثة إمكانية استخدام الجبس في:

• الألواح المقاومة للحريق والرطوبة.

• ألواح الجبس المعزولة حراريًا وصوتيًا.

• الجبس الأخضر الصديق للبيئة المُعاد تدويره.

المصادر

1. Gypsum Association – The Gypsum Construction Handbook (United States Gypsum Company, 7th Edition, 2014).

2. Industrial Minerals Association – Gypsum Facts and Figures, 2020.