إدمان الإنترنت وأسبابه

عنوان المقال: إدمان الإنترنت: ظاهرة العصر الرقمية

مقدمة

مع تسارع التقدم التكنولوجي وانتشار الأجهزة الذكية والإنترنت، لم يعد استخدام الشبكة العنكبوتية مقتصراً على الترفيه أو العمل فحسب، بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للكثيرين. ورغم الفوائد الجمة التي يقدمها الإنترنت، إلا أن الإفراط في استخدامه أدى إلى بروز ظاهرة خطيرة تُعرف باسم “إدمان الإنترنت”، وهي حالة نفسية وسلوكية تصيب الفرد عند فقدانه القدرة على السيطرة على استخدامه المتكرر والمفرط للإنترنت، مما يؤثر سلباً على حياته الاجتماعية، النفسية، والصحية.

تعريف الإدمان على الإنترنت

إدمان الإنترنت هو نوع من أنواع الإدمان السلوكي، حيث يشعر الشخص بالحاجة القهرية لاستخدام الإنترنت لساعات طويلة يومياً، ويواجه صعوبة كبيرة في تقليص هذا الوقت أو الامتناع عن استخدامه، حتى مع إدراكه للآثار السلبية المترتبة على ذلك. ويشبه هذا النوع من الإدمان إلى حد كبير إدمان المواد المخدرة من حيث الآليات النفسية، مثل الاعتماد، والانسحاب، وفقدان السيطرة.

مظاهر وأشكال إدمان الإنترنت

لا يقتصر إدمان الإنترنت على شكل واحد، بل يتخذ عدة أشكال بحسب سلوك المستخدم واهتماماته الرقمية، ومن أبرزها:

1. إدمان وسائل التواصل الاجتماعي
   
   الاستخدام المفرط لتطبيقات مثل فيسبوك، إنستغرام، تيك توك، وتويتر، ومراقبة الإعجابات والتعليقات بشكل مرضي.

2. إدمان الألعاب الإلكترونية عبر الإنترنت
   
   قضاء ساعات طويلة في اللعب، خصوصاً الألعاب الجماعية، والتأثر العاطفي بنتائجها، مما يؤدي إلى الانعزال عن العالم الحقيقي.

3. إدمان التسوق الإلكتروني
   
   الإفراط في تصفح المتاجر الإلكترونية وشراء منتجات قد لا تكون ضرورية، كوسيلة للهروب من القلق أو التوتر.

4. إدمان مشاهدة الفيديوهات والبث المباشر
   
   الإغراق في مشاهدة مقاطع الفيديو أو خدمات البث مثل يوتيوب ونتفليكس لساعات دون انقطاع.

5. إدمان المعلومات
   
   البحث المستمر عن المعلومات، حتى بدون وجود هدف واضح، بدافع الفضول القهري.

الأسباب النفسية والاجتماعية لإدمان الإنترنت

تشير الدراسات النفسية إلى أن هناك عوامل متعددة تساهم في حدوث إدمان الإنترنت، منها:

• الانعزال الاجتماعي: يسعى الأفراد الذين يعانون من الوحدة أو الرفض الاجتماعي إلى تعويض النقص من خلال التفاعل الافتراضي.

• القلق والاكتئاب: يستخدم بعض الأشخاص الإنترنت كوسيلة للهروب من ضغوط الحياة والمشاعر السلبية.

• انخفاض تقدير الذات: يلجأ البعض إلى الإنترنت لإثبات الذات من خلال الظهور الرقمي أو الحصول على تأييد افتراضي.

• سهولة الوصول والإتاحة المستمرة: توفر الإنترنت في كل مكان جعل من السهل الدخول في دوامة الاستخدام المفرط دون وعي.

• غياب الرقابة الأسرية أو التربوية: خصوصاً بين الأطفال والمراهقين، ما يؤدي إلى اعتياد أنماط استخدام غير متزنة منذ الصغر.

الأعراض الدالة على إدمان الإنترنت

يُمكن تمييز إدمان الإنترنت من خلال مجموعة من المؤشرات النفسية والسلوكية التي تظهر على الفرد، ومن أبرزها:

• الانشغال المستمر بالإنترنت حتى أثناء أداء المهام الأخرى

• الشعور بالقلق أو التوتر عند الانقطاع عن الإنترنت

• محاولات فاشلة لتقليل وقت الاستخدام

• إهمال العلاقات الاجتماعية والمهام الدراسية أو العملية

• اضطرابات النوم المرتبطة باستخدام الأجهزة قبل النوم

• الشعور بالذنب أو تأنيب الضمير دون القدرة على التوقف

الآثار السلبية لإدمان الإنترنت

يمتد تأثير إدمان الإنترنت إلى العديد من جوانب الحياة، ويمكن تلخيصها في الجدول التالي:

الفرق بين الاستخدام الطبيعي والإدماني للإنترنت

ليس كل استخدام مكثف للإنترنت يُعد إدماناً. الفرق الأساسي يكمن في مدى تأثير الاستخدام على أداء الشخص لحياته اليومية، ومدى قدرته على التحكم بسلوكه. فالاستخدام الإدماني يتسم بفقدان السيطرة، وتكرار السلوك رغم الأضرار، وتفضيل العالم الرقمي على الواقعي.

الفئات الأكثر عرضة للإدمان

تشير الأبحاث إلى أن بعض الفئات السكانية تكون أكثر عرضة للإصابة بإدمان الإنترنت، ومن أبرزها:

• المراهقون: بسبب تغيراتهم النفسية والجسدية وحاجتهم لإثبات الذات والانتماء.

• الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية: كالقلق الاجتماعي والاكتئاب.

• العاملون عن بُعد: بسبب تداخل العمل بالحياة الشخصية من خلال الأجهزة المتصلة بالإنترنت.

• الأطفال الذين لا يحظون برقابة أسرية كافية.

العوامل البيئية والثقافية المؤثرة

تختلف معدلات الإدمان على الإنترنت باختلاف البيئات والثقافات، فالمجتمعات التي تتسم بضعف العلاقات الأسرية والتواصل الواقعي تميل إلى انتشار ظاهرة الإدمان أكثر. كما تؤدي البنية التحتية التكنولوجية المتطورة وسهولة الوصول إلى الإنترنت المجاني إلى ارتفاع نسبة الاستخدام المفرط في الدول ذات التنمية التقنية العالية.

الأساليب الوقائية للحد من إدمان الإنترنت

• التوازن الرقمي: تخصيص أوقات محددة لاستخدام الإنترنت وتجنب استخدامه أثناء الوجبات أو قبل النوم.

• التربية الرقمية للأطفال: تعزيز ثقافة الاستخدام الواعي والمسؤول من الصغر.

• إعادة بناء الروابط الاجتماعية: تشجيع الأنشطة العائلية والتفاعلات الاجتماعية المباشرة.

• التشجيع على ممارسة الرياضة والهوايات: لملء وقت الفراغ بأنشطة صحية.

• الرقابة التقنية: استخدام تطبيقات مراقبة الوقت لتحديد مدد الاستخدام.

• التحفيز على فترات الانفصال الرقمي: مثل تحدي “اليوم بدون إنترنت”.

العلاج والتعامل مع حالات الإدمان

علاج إدمان الإنترنت يتطلب مقاربة متعددة الأبعاد تشمل:

1. العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
   
   ويهدف إلى تعديل الأفكار والسلوكيات السلبية المرتبطة باستخدام الإنترنت.

2. العلاج الأسري
   
   تعزيز دور الأسرة في إعادة التوازن والرقابة وتوفير بيئة داعمة.

3. الجلسات الجماعية
   
   عبر مجموعات الدعم التي تساعد الأشخاص على تبادل التجارب والحلول.

4. العلاج الدوائي
   
   في بعض الحالات الشديدة التي تترافق مع أعراض اكتئاب أو قلق.

5. الاستشارات النفسية والتربوية
   
   خصوصاً في حالات الأطفال والمراهقين.

مستقبل الإدمان الرقمي في ظل التطور التكنولوجي

مع التوجه المتسارع نحو الذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، والعوالم الميتافيرسية، يتوقع الخبراء أن تتوسع دائرة الإدمان الرقمي لتشمل بيئات جديدة أكثر جاذبية. ومن هنا تبرز أهمية التوعية المجتمعية بوضع ضوابط رقمية، وتبني أخلاقيات رقمية على مستوى المدارس، وأماكن العمل، ووسائل الإعلام، للحد من تداعيات هذه الظاهرة.

خاتمة

إدمان الإنترنت ليس مجرد عادة سيئة أو ظاهرة عابرة، بل يمثل تحدياً حقيقياً في العصر الرقمي يتطلب فهماً علمياً دقيقاً وتعاملاً متكاملاً من الأفراد، والأسر، والمؤسسات التعليمية، والحكومات. والتعامل معه لا يكون بالمنع أو القمع، بل بالتوعية، والمرافقة، وإعادة التوازن بين الحياة الرقمية والحياة الواقعية. إن الإنترنت وسيلة قوية إذا أحسن الإنسان استخدامها، لكنها تتحول إلى سلاح ضده إذا فقد السيطرة عليها.

المراجع

• Kimberly S. Young, “Internet Addiction: A Handbook and Guide to Evaluation and Treatment”, Wiley, 2011.

• World Health Organization (WHO), Guidelines on Digital Health and Mental Health, 2020.