حديث الرسول عن الأم: مكانتها في الإسلام ودورها في بناء المجتمع
منذ فجر الإسلام، كان للمرأة عامة وللأم بشكل خاص مكانة عظيمة، وقد أكّد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في العديد من الأحاديث النبوية التي توضح أهمية الأم وفضلها في الإسلام. لا شك أن للأم في حياة كل فرد دورًا محوريًا لا يمكن لأحد أن ينكر تأثيره العميق. ويعتبر الإسلام الأم رمزًا من رموز الرأفة والرحمة، وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهمية برها، وحسن معاملتها، والاعتناء بها، خاصة في المراحل التي تمر بها خلال حياتها.
الحديث النبوي عن الأم:
ورد في العديد من الأحاديث الشريفة التي تبين موقف الإسلام الحنيف تجاه الأم، ومن أبرز هذه الأحاديث قول النبي صلى الله عليه وسلم:
“الجنة تحت أقدام الأمهات”
هذا الحديث، الذي يعكس التقدير العظيم للأم في الإسلام، يدل على مكانتها الرفيعة في ديننا الحنيف. يبين الحديث أن الجنة هي أعظم المكافآت التي يمكن للإنسان أن يسعى إليها، وأن طريقها يمر من خلال بر الأم وطاعتها. تتجلى في هذه العبارة عظمة المسؤولية التي تقع على عاتق الأم في تكوين الإنسان وتوجيهه، فضلاً عن تأثيرها الكبير في حياته الروحية والدنيوية.
بر الأم وأهمية طاعتها:
من خلال الحديث النبوي الشريف، يتضح أن بر الأم وطاعتها لا يتوقف عند مجرد معاملتها الحسنة، بل يمتد ليشمل صبرًا وتضحيات هائلة على مر الزمن. ففي حديث آخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
“لا يُجزي ولدٌ والدَهُ إلا أن يجدهُ مملوكًا فيشتريه فيعتقهُ.”
هذه الجملة تبيّن أن حتى لو بذل الإنسان كل جهده في خدمة والديه، فلن يكون قادرًا على الوفاء بحقهما بالكامل، وهو ما يعكس عظمة تضحيات الأم في الحياة اليومية.
كما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:
“يا نَبِيَّ اللّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا؟ قَالَ: أُمُّك، قُلتُ: وَمَن بَعْدَ أُمِّي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قُلتُ: وَمَن بَعْدَ أُمِّي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قُلتُ: وَمَن بَعْدَ أُمِّي؟ قَالَ: أَبُوكَ.”
هذا الحديث يوضح مدى أهمية الأم في حياة المسلم، حيث قدم النبي صلى الله عليه وسلم الأم على الأب، ليُظهر عظمة مكانتها وضرورة البر بها بشكل يتجاوز التوقعات. يقتضي الأمر أن يحظى الأبناء بمستوى عالٍ من الرعاية والاهتمام من أمهاتهم في مراحل نموهم المختلفة، ولا بد من إعادة الاعتبار للأم على ضوء هذا الفهم النبوي.
مكانة الأم في القرآن الكريم:
لا يقتصر احترام الأم في الإسلام على الأحاديث النبوية فحسب، بل إن القرآن الكريم أيضًا يوليها مكانة عظيمة. في سورة لقمان، جاء ذكر الوصية بالأم في آيات واضحة تشير إلى صعوبة الحمل والولادة التي تعرضت لها الأم. قال الله تعالى:
“وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَاهِنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ”.
توضح هذه الآية أن الأم تتحمل مشاق الحمل والولادة، وهو ما يجعلها محلًا للتقدير والاحترام. هذه التضحيات تؤكد أن دور الأم لا يمكن أن يُستهان به، بل يجب أن يكون موضع تقدير دائم في حياتنا.
المرأة والأم في الحياة الاجتماعية:
تعد الأم عنصرًا أساسيًا في بناء المجتمع الإسلامي. فإلى جانب دورها في تربية الأبناء وتوجيههم نحو السلوكيات الصائبة، تُسهم الأم في بناء الأمة من خلال تعليم الأجيال القادمة قيم الإسلام وأخلاقياته. تربية الأمهات للجيل الجديد مسؤولية عظيمة، تبدأ منذ اللحظات الأولى في حياة الطفل. تبدأ الأم بتشكيل شخصية طفلها، وتغرس فيه المبادئ الأساسية التي تُؤثر في مستقبله.
وفي الحديث النبوي الشريف، نجد تأكيدًا على دور الأم في تعليم وتوجيه أولادها بشكل متواصل. فقد ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته، فالرجلُ راعٍ في أهله، وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجها، وهي مسؤولةٌ عن رعيتِها.”
من خلال هذا الحديث، يتضح أن الأم لها دور كبير في التربية، فهي راعية لبيتها وأبناءها، وتتحمل مسؤولية توجيههم نحو الصواب.
تقدير الإسلام لتضحيات الأم:
يستند الإسلام في تقديره للأم إلى تضحياتها المتواصلة، بدءًا من الحمل والرضاعة وصولًا إلى مرحلة الكبر. فالأم تتحمل مشاقًا كبيرة، تبدأ منذ الحمل، مرورًا بمرحلة الولادة، ثم تبدأ رحلة الرعاية اليومية التي تستمر لسنوات عديدة. مع ذلك، يبقى دور الأم في حياة الفرد أساسيًا طوال حياته.
وفي حديث آخر، يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الأم في مراحل الرضاعة وتوجيه الطفل، فيقول:
“من لا يشكر الناس لا يشكر الله.”
يُفسّر هذا الحديث على أنه دعوة للأبناء لشكر الأم على ما قدمته لهم من تضحيات، ما يعكس تقدير الإسلام البالغ للأم وتضحياتها.
بر الأم في المراحل الأخيرة من حياتها:
لا تقتصر أهمية بر الأم على مراحل الطفولة فقط، بل يجب على الأبناء مواصلة ذلك في مراحل متقدمة من حياتها. ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول:
“إنَّ من أبرِّ البرِّ صلةَ الرجلِ أهلَ وُدِّ أبيه بعد أن يُوَلِّي.”
يحث هذا الحديث على أن يستمر الأبناء في بر والديهم، حتى بعد وفاتهما، وأن يسعى الأبناء إلى الوفاء بديون الوالدين من خلال أعمال البر والإحسان إليهما.
خلاصة:
تتجسد مكانة الأم في الإسلام من خلال ما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة وفي القرآن الكريم، حيث تظل الأم مصدرًا للرعاية والحنان، وتستحق أعلى درجات البر والتقدير. تحمل الأمهات مسؤولية عظيمة في تربية الأجيال الجديدة، ومساعدتهم على النمو في بيئة تتسم بالقيم الإسلامية. تضحيات الأم لا تُعد ولا تُحصى، وهي في جميع مراحل حياتها تستحق أن يُخصص لها مكانة عالية في قلوب الأبناء والمجتمع.
إن بر الأم ليس فقط في إظهار الحب والتقدير، بل في أداء واجب العناية والرعاية، ويشمل ذلك من مساعدتها في صعوبات الحياة اليومية إلى الدعاء لها بالخير وطلب المغفرة لها في الدنيا والآخرة.
