ما هي سرعة العطس عند الإنسان: نظرة موسعة على الظاهرة البيولوجية المعقدة

العطس هو أحد الظواهر الفسيولوجية الأساسية التي يختبرها الإنسان بشكل متكرر في حياته اليومية. وعلى الرغم من أن العطس يبدو ظاهريًا كفعل بسيط وغير ذي أهمية، إلا أنه في الواقع ينطوي على تعقيدات فيزيولوجية مدهشة، ويشكل نقطة التقاء بين الجهاز التنفسي، الجهاز العصبي، والجهاز العضلي. من بين الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في عملية العطس هي سرعته الفائقة، والتي دفعت العلماء منذ عقود إلى دراسة هذه الظاهرة بدقة لفهم آلياتها وتبعاتها البيئية والصحية.

في هذا المقال، سنخوض في تحليل معمق لسرعة العطس لدى الإنسان، مستعرضين العوامل التي تتحكم فيها، والاختلافات بين الأفراد، ودلالاتها العلمية والطبية، وتأثيراتها على الصحة العامة وانتقال الأمراض التنفسية. كما سنتطرق إلى الجانب الفيزيائي للعطس، والطرق المستخدمة في قياس سرعته، مدعومًا بالأبحاث والدراسات العلمية.

العطس كاستجابة فسيولوجية

العطس هو استجابة دفاعية تلقائية من الجسم، تهدف إلى طرد الجزيئات الغريبة أو المهيجات من الأنف أو الحلق. عندما تدخل جسيمات غير مرغوب فيها مثل الغبار، اللقاح النباتي، الفيروسات أو البكتيريا إلى الممرات التنفسية العلوية، فإن الجسم يرسل إشارات إلى الدماغ، وتحديدًا إلى مركز العطس في النخاع المستطيل، لتفعيل سلسلة من ردود الأفعال التي تؤدي في النهاية إلى طرد هذه الجزيئات بقوة كبيرة.

تتضمن هذه الاستجابة انقباضات متزامنة لعدة عضلات تشمل عضلات الحجاب الحاجز، عضلات الصدر، عضلات البطن، وعضلات الوجه، بالإضافة إلى إغلاق مؤقت للبلعوم والحنجرة مما يؤدي إلى تراكم الضغط الهوائي داخل الرئتين، والذي يُفرج عنه فجأة من خلال الأنف والفم في شكل عطسة عنيفة.

سرعة العطس: الميكانيكا والقياس

تُعتبر سرعة العطس أحد أكثر الجوانب إثارة في هذه الظاهرة. تشير الدراسات إلى أن الهواء المندفع من الرئتين أثناء العطس يمكن أن تصل سرعته إلى مستويات مذهلة. تختلف الأرقام تبعًا للطريقة المستخدمة في القياس والظروف المحيطة، لكن العديد من الدراسات العلمية تُجمع على أن سرعة العطس تتراوح بين 160 إلى 320 كيلومترًا في الساعة (ما يعادل 44 إلى 89 مترًا في الثانية)، وهي سرعة تفوق بكثير سرعة الرياح في العواصف القوية.

في دراسة منشورة في مجلة Journal of Fluid Mechanics، استخدم الباحثون تقنيات تصوير عالية السرعة لتتبع حركة جزيئات العطس، ووجدوا أن سرعة تيار الهواء قد تصل إلى 30-50 مترًا في الثانية في اللحظة الأولى من الطرد، وهو ما يوازي سرعة بعض السيارات الرياضية.

جدول يوضح مقارنة تقريبية بين سرعة العطس وبعض الظواهر الأخرى:

العوامل المؤثرة في سرعة العطس

1. العمر والجنس

أظهرت بعض الأبحاث أن البالغين يميلون إلى إطلاق عطسات أسرع من الأطفال، نتيجة لاكتمال نمو العضلات وتطور الجهاز التنفسي. كما لوحظ أن الذكور غالبًا ما يمتلكون عطسات ذات ضغط أعلى بسبب الكتلة العضلية الأكبر نسبيًا.

2. بنية الجسم

الاختلاف في سعة الرئتين وقوة العضلات التنفسية يمكن أن يؤثر على حجم الضغط المتراكم وبالتالي سرعة العطس. الأشخاص الذين يمتلكون سعة رئوية أكبر أو عضلات صدرية قوية قد ينتجون عطسات أسرع.

3. الوضعية الجسدية

الجلوس أو الوقوف أثناء العطس قد يغير من زاوية الدفع والسرعة. الوقوف يسمح بانقباض عضلي أفضل وإطلاق أسرع للعطسة مقارنة بالجلوس أو الانحناء.

4. السبب المحفز للعطس

عطسة ناتجة عن حساسية حادة أو تهيج قوي قد تكون أكثر عنفًا من عطسة خفيفة ناجمة عن استنشاق كمية صغيرة من الغبار.

الأبعاد الفيزيائية والبيئية للعطس

العطس ليس مجرد فعل داخلي، بل هو حدث بيئي بحد ذاته. فحين يعطس الشخص، تنتشر آلاف الجسيمات الدقيقة، تشمل المخاط، اللعاب، وحتى الكائنات المجهرية مثل الفيروسات والبكتيريا، في الهواء المحيط بسرعة هائلة. ويمكن لهذه الجسيمات أن تنتقل لمسافات تتراوح بين 1.5 إلى 8 أمتار حسب شدة العطسة وطبيعة المكان.

وقد أظهرت دراسة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أن العطسة تطلق سحابة غازية حاملة لجزيئات دقيقة يمكن أن تبقى معلقة في الهواء لفترة أطول مما كان يُعتقد سابقًا، مما يرفع احتمالية انتقال الأمراض في الأماكن المغلقة.

سرعة العطس وانتقال الأمراض

نظرًا للسرعة الهائلة التي تنتقل بها الجسيمات أثناء العطس، فإن هذه الظاهرة تُعد من الوسائل الفعالة في نشر الأمراض التنفسية، خاصة تلك التي تنتقل عن طريق الرذاذ مثل الإنفلونزا، فيروس كورونا المستجد (COVID-19)، ونزلات البرد. ولهذا السبب، تُعتبر تغطية الفم والأنف أثناء العطس من الإجراءات الصحية الضرورية للحد من انتشار العدوى.

تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن القطيرات المتطايرة من عطسة واحدة قد تحتوي على أكثر من 100,000 جسيم فيروسي إذا كان الشخص مصابًا بعدوى نشطة، وهو ما يفسر سبب سرعة انتشار الأوبئة في الأماكن المغلقة والمزدحمة.

التقنيات المستخدمة في قياس سرعة العطس

لقياس سرعة العطس، استخدم العلماء طيفًا من الوسائل التقنية المتقدمة:

1. التصوير عالي السرعة

كاميرات قادرة على التقاط آلاف الإطارات في الثانية تُستخدم لتصوير العطسة، ومن ثم تحليل حركة الرذاذ والغاز المنبعث.

2. تقنيات الليزر وتشتت الجسيمات

تستخدم أشعة الليزر للكشف عن سرعة واتجاه الجسيمات الدقيقة الخارجة أثناء العطس من خلال تحليل نمط تشتت الضوء.

3. مجسات الضغط والسرعة

تُثبت هذه المجسات بالقرب من فم أو أنف الشخص لقياس تدفق الهواء وسرعته مباشرة.

الجوانب الصحية المتعلقة بسرعة العطس

رغم أن العطس هو آلية دفاعية مهمة، إلا أن سرعته الكبيرة قد تتسبب في بعض الأحيان بآثار جانبية. من بين الأعراض المرتبطة بعطسات قوية وسريعة:

• تمزق شعيرات دموية في الأنف، ما يؤدي إلى نزيف بسيط.

• ألم في العضلات الصدرية، خصوصًا لدى من يعانون من مشاكل في العمود الفقري أو الحجاب الحاجز.

• في حالات نادرة جدًا، إصابة في الأذن الداخلية نتيجة ضغط الهواء الشديد المتولد أثناء العطس.

كما حذرت بعض التقارير الطبية من كتم العطس، حيث قد يؤدي ذلك إلى تراكم ضغط شديد داخل الجمجمة أو الرئتين أو الحنجرة، ما قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة.

الطابع الاجتماعي والثقافي للعطس

بالإضافة إلى أبعاده الفيزيائية والطبية، للعطس مكانة خاصة في الثقافات المختلفة. فهناك عادات وتقاليد تتعلق بكيفية التعامل مع العطس، مثل قول “يرحمك الله” في المجتمعات الإسلامية أو “Bless you” في الثقافات الغربية، وذلك لاعتبارات دينية وصحية كانت سائدة عبر العصور.

وفي بعض المجتمعات، يُعتبر العطس في مكان عام دون تغطية الفم سلوكًا غير لائق أو حتى خطرًا عامًا، خصوصًا بعد جائحة كورونا.

خلاصة علمية

إن سرعة العطس عند الإنسان تمثل نتيجة معقدة لتفاعل آني بين أنظمة الجسم المختلفة. السرعة العالية التي يخرج بها الهواء والجسيمات أثناء العطس تؤكد على أن هذه الظاهرة ليست مجرد رد فعل بسيط، بل عملية بيولوجية محسوبة وفعالة. ومع تطور التكنولوجيا، أصبح من الممكن فهم آلياتها بشكل أفضل، مما يساعد في الوقاية من الأمراض المعدية وتحسين استراتيجيات الصحة العامة.

إن المعرفة الدقيقة بسرعة العطس وتفاصيلها الميكانيكية والطبية ليست مجرد فضول علمي، بل هي أداة لفهم أوسع للجسم البشري في حالاته الطبيعية والدفاعية.

المراجع

1. Bourouiba, L. (2014). “Violent expiratory events: on coughing and sneezing.” Journal of Fluid Mechanics, Cambridge University Press.

2. Tang, J. W., et al. (2013). “Observing and quantifying airflows in the infection control of aerosol- and airborne-transmitted diseases: an overview of approaches.” Journal of Hospital Infection.