في ظل الظروف الحالية التي يمر بها العالم، أصبح العمل عن بعد أحد الأنماط الأكثر شيوعًا بين العاملين في مختلف المجالات. هذا التحول في نمط العمل الذي بدأ يكتسب شعبية قبل سنوات قليلة، زاد من انتشاره بسبب الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا، حيث فرضت الكثير من الدول على موظفيها العمل من المنزل كإجراء احترازي. لكن بينما يمنح العمل عن بعد مزايا متعددة مثل التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية، إلا أنه يطرح تحديات خاصة للآباء والأمهات الذين يسعون لتحقيق التوازن بين مسؤوليات العمل وتربية الأطفال.
تربية الأطفال أثناء العمل عن بعد قد تكون مهمة صعبة ومعقدة، فالأب أو الأم في هذا الوضع قد يشعران بأنهما مضغوطان بين واجبات العمل ومتطلبات الأطفال الذين يحتاجون إلى اهتمام ورعاية مستمرين. ولكن مع التنظيم السليم واتباع بعض النصائح العملية، يمكن أن يصبح العمل عن بعد وتربية الأطفال معًا تجربة أكثر سلاسة وإنتاجية.
1. تحديد مساحة عمل محددة
أحد أهم الأشياء التي يجب القيام بها عند العمل عن بعد هو تخصيص مساحة عمل خاصة بك داخل المنزل. هذه المساحة لا ينبغي أن تكون مجرد مكان عشوائي داخل المنزل، بل يجب أن تكون مساحة مخصصة فقط للعمل. الهدف من ذلك هو خلق بيئة تميز بين وقت العمل ووقت الراحة أو قضاء الوقت مع العائلة.
يجب أن يكون هذا المكان بعيدًا عن أماكن الضوضاء والتشتت مثل غرفة الأطفال أو منطقة اللعب. وضع حدود واضحة بين العمل والحياة الشخصية أمر بالغ الأهمية حتى لا يشعر الأطفال بأنك متاح لهم طوال الوقت بينما تكون في الواقع مشغولًا بأداء واجباتك المهنية. وجود مساحة مخصصة للعمل يساعد في تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية، ويساهم في تحسين التركيز وزيادة الإنتاجية.
2. تنظيم الوقت بشكل فعال
الوقت هو العامل الأساسي في توازن العمل عن بعد وتربية الأطفال. يعد تنظيم الوقت أمرًا بالغ الأهمية، حيث يجب وضع جدول زمني مرن يتناسب مع احتياجات الأطفال، فضلاً عن المهام المتعلقة بالعمل. يمكن للأمهات والآباء استخدام أدوات تنظيم الوقت مثل التقويمات الرقمية أو التطبيقات الخاصة بإدارة الوقت التي تساعد في تحديد مواعيد الاجتماعات، المواعيد النهائية للمهام، وكذلك الأوقات المخصصة للراحة أو اللعب مع الأطفال.
يجب أيضًا تخصيص فترات زمنية معينة للعمل بتركيز كامل، بحيث لا يتم التشتت أو إضاعة الوقت. بالمقابل، يجب تحديد أوقات مناسبة للتفاعل مع الأطفال، سواء كان ذلك أثناء الفترات التي يمكن للطفل اللعب خلالها أو أوقات الراحة القصيرة بين المهام. يساعد هذا التوازن في ضمان تقديم أفضل ما لديك في كلا المجالين، دون أن تشعر بالإرهاق أو الإهمال تجاه أي من المسؤوليات.
3. التفاوض بشأن مرونة العمل
إحدى المزايا التي يمكن أن يحصل عليها العاملون عن بُعد هي مرونة ساعات العمل. إذا كانت وظيفتك تسمح لك بتعديل ساعات العمل حسب احتياجاتك الشخصية، يمكن أن يساعدك ذلك في تحقيق توازن أفضل بين العمل وتربية الأطفال. قد تحتاج إلى التفاوض مع مديرك بشأن تحديد ساعات مرنة للعمل بحيث تتناسب مع الأوقات التي يكون فيها الأطفال في المدرسة أو يلعبون بأنفسهم.
يمكنك أيضًا استخدام هذا التفاوض لضبط ساعات العمل وفقًا لأوقات النوم أو الراحة للأطفال، بحيث يمكنك العمل بتركيز أكبر خلال تلك الفترات. في بعض الأحيان، يمكن ترتيب مواعيد العمل بحيث يكون لديك وقت أطول مع الأطفال في أوقات معينة من اليوم. هذا التفاوض بشأن التوقيت يمنحك مزيدًا من المرونة ويساهم في تجنب الشعور بالضغط المستمر بين الالتزامات المهنية والشخصية.
4. الاستعانة بمساعدة إضافية عند الحاجة
من المهم أن تكون لديك شبكة من الدعم المحيط بك عند العمل من المنزل وتربية الأطفال في الوقت نفسه. سواء كان ذلك من خلال مساعدة أحد أفراد الأسرة مثل الجدّات أو الأخوات، أو عبر استئجار خدمات مساعدة للأطفال، فإن وجود شخص يمكنه التفاعل مع الأطفال أثناء فترات عملك يساهم في جعل الأمور أكثر سلاسة. قد يكون من المفيد أيضًا أن تخصص بعض الوقت للراحة الشخصية، بحيث يمكن لمساعدتك أن تتولى مسؤولية العناية بالأطفال لبعض الوقت.
كما يمكن استكشاف بعض الأنشطة التعليمية أو الترفيهية التي يمكن للأطفال القيام بها بشكل مستقل أثناء فترات عملك، مثل مشاهدة برامج تعليمية أو التفاعل مع ألعاب تفاعلية عبر الإنترنت، مما يوفر لك بعض الوقت للعمل بتركيز.
5. خلق بيئة تعليمية وترفيهية للأطفال
من أجل تحسين التوازن بين العمل وتربية الأطفال، يمكن خلق بيئة تعليمية وترفيهية في المنزل تساعد الأطفال على التعلم واللعب دون الحاجة إلى إشراف مستمر. يمكن استخدام الأدوات التعليمية عبر الإنترنت أو تنظيم روتين يومي يتضمن فترات تعليمية وأوقات للعب في الهواء الطلق.
على سبيل المثال، يمكن تخصيص وقت معين خلال اليوم للأطفال للقيام بأنشطة فنية أو تعلم مهارات جديدة مثل القراءة أو حل الألغاز. هذا النوع من الأنشطة يمكن أن يساعد الأطفال على التفاعل مع العالم المحيط بهم بشكل إيجابي بينما يوفر لك الوقت لإتمام مهام العمل. يمكن أن تكون الأنشطة أيضًا اجتماعية، مثل التواصل مع الأصدقاء عبر الإنترنت، أو تفاعلية مثل ممارسة الألعاب التعاونية مع الأخوة.
خلاصة
موازنة بين العمل عن بعد وتربية الأطفال تحتاج إلى تخطيط جيد، إدارة للوقت، ومرونة. الأمر يتطلب إنشاء بيئة منزلية مناسبة للعمل وتحديد أوقات مرنة تلبي احتياجات الأطفال مع احترام مواعيد العمل. إذا تم تنظيم هذه النقاط بشكل جيد، يمكن أن يكون العمل من المنزل تجربة ناجحة تتيح لك العمل بتركيز وكفاءة دون التفريط في تربية الأطفال وتلبية احتياجاتهم.
