موقع قوم لوط في التاريخ

عنوان المقال: سكن قوم لوط

مقدمة

يرتبط الحديث عن قوم لوط في القرآن الكريم والتوراة والإنجيل بمواضع متعددة تتعلق بعقوبتهم وسلوكهم، لكن البعد الجغرافي لسكنهم يفتح آفاقًا لفهم أعمق للسياق التاريخي والبيئي الذي عاشوا فيه. يُعد تحديد موقع قوم لوط من المواضيع التي شغلت علماء التفسير والتاريخ والآثار على مر العصور، حيث يُعتقد أن هذا القوم سكن منطقة محددة في جنوب الشام، وتحديدًا في حوض البحر الميت. المقال التالي يستعرض بتفصيل علمي وتاريخي واسع موقع سكن قوم لوط، مع الاستناد إلى المصادر الإسلامية واليهودية، والدراسات الجغرافية والأثرية الحديثة.

قوم لوط في النصوص الدينية

جاء ذكر قوم لوط في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وذُكرت قصتهم في سياق التحذير من الشذوذ الجنسي ورفضهم للهداية، وما تبعه من عقوبة إلهية دمرت قراهم وجعلتها عبرة. وقد ورد في القرآن الكريم أن نبي الله لوطًا عليه السلام بُعث إلى قومه في “المؤتفكة”، وهو وصف ورد في سورة التوبة والذاريات والحاقة. والمقصود بالمؤتفكة: المدن التي “ائتفكت” أي انقلبت، في إشارة إلى قلب الأرض بهم. وفي التوراة، ذُكرت مدن سدوم وعمورة كأماكن كانت تعج بالفساد والانحراف الأخلاقي.

الموقع الجغرافي لقوم لوط

يُعتقد أن قوم لوط سكنوا منطقة سدوم وعمورة الواقعتين جنوب البحر الميت، وهو موقعٌ تؤيده معظم التقاليد الدينية والبحوث الجغرافية.

البحر الميت: المعلم الجغرافي الأبرز

يقع البحر الميت بين الأردن وفلسطين، وهو أخفض نقطة على سطح الأرض (حوالي 430 مترًا تحت مستوى سطح البحر). يشتهر هذا البحر بملوحته الشديدة، التي تمنع أي حياة بحرية فيه، ما يجعله بيئة فريدة من نوعها على مستوى العالم. وقد أظهرت الدراسات أن المنطقة كانت فيما مضى مأهولة بالسكان، وكانت تحوي عدداً من المدن القديمة المزدهرة.

جنوب البحر الميت: موضع المؤتفكة

تم تحديد المنطقة الواقعة جنوب شرقي البحر الميت، وخصوصًا السهول المنخفضة هناك، كموقع محتمل للمدن التي كان يسكنها قوم لوط. وتُعرف هذه المنطقة باسم الغور الجنوبي، وهي من أكثر المناطق انخفاضًا على سطح الأرض. وتشير البحوث الأثرية إلى وجود دلائل على دمار شديد حدث في العصور البرونزية المتأخرة، أي في الفترة التي تتقاطع مع عصر نبي الله لوط عليه السلام حسب التأريخ التوراتي.

المدن التي سكنها قوم لوط

وفق الروايات الدينية، كانت هناك عدة مدن تسكنها جماعات قوم لوط. وهذه المدن تُعرف باسم مدن الدائرة، وهي خمسة:

1. سدوم (Sodom): يُعتقد أنها كانت المدينة الرئيسية التي كان يسكنها النبي لوط.

2. عمورة (Gomorrah): ثاني أهم مدينة وكانت مشهورة أيضًا بفسادها.

3. أدمة (Admah): ذكرها التوراة كجزء من مدن الدائرة.

4. صبوييم (Zeboiim): مدينة أخرى ذُكرت في النصوص اليهودية.

5. صوغر (Zoar أو Bela): وهي المدينة الوحيدة التي نجا منها الناس، وقد ورد في النصوص أن لوطًا التجأ إليها بعد دمار المدن الأخرى.

الأدلة الجغرافية والأثرية

بدأ الباحثون في أوائل القرن العشرين التنقيب في مناطق متعددة حول البحر الميت، محاولين ربط المواقع الجغرافية بالأوصاف الدينية. وركّزت الحفريات على منطقتين رئيسيتين:

منطقة باب الذراع (Bab edh-Dhra)

تقع على الضفة الشرقية للبحر الميت، في جنوب الأردن، وقد عُثر فيها على بقايا مدينة محاطة بجدران من العصر البرونزي، إضافة إلى مقابر ضخمة وهياكل محترقة، ما يشير إلى دمار واسع النطاق. يعتقد بعض الباحثين أن هذه المدينة تمثل سدوم التاريخية.

منطقة نوميرا (Numeira)

تبعد حوالي 13 كيلومترًا جنوب باب الذراع، وتشير الحفريات إلى أنها دُمرت بشكل كامل في فترة قريبة من دمار باب الذراع. ويرجح بعض علماء الآثار أن نوميرا قد تكون مدينة عمورة أو إحدى المدن الأخرى المذكورة في النصوص.

الروايات الإسلامية في تحديد الموقع

ذكرت بعض كتب التفسير الإسلامية أن قوم لوط كانوا يسكنون في منطقة تقع بين الشام والحجاز، أو ما يُعرف اليوم بجنوب الأردن. وقد روى الطبري في تفسيره أن قراهم كانت بالقرب من زُغر (Zoar)، وهي المدينة التي لجأ إليها لوط عليه السلام مع ابنتيه بعد هلاك قومه.

أما القرطبي، فقد أكد أن المؤتفكة هي مدن قوم لوط، وأن الله تعالى جعل عاليها سافلها، وهو ما يعزز فكرة أن زلزالًا أو انقلابًا أرضيًا قد تسبب في اندثار المدن. كذلك ورد عن بعض المفسرين أن المدينة الملعونة كانت تقع في سهل منخفض عُرف لاحقًا ببحر لوط (البحر الميت).

الأبحاث الجيولوجية والزلازل

تشير الدراسات الجيولوجية الحديثة إلى أن منطقة البحر الميت واقعة على فالق البحر الميت التحويلي، وهو خط زلزالي نشط جدًا. وقد سجلت العديد من الزلازل في التاريخ القديم أثرت في هذه المنطقة، ما يجعل من الممكن وقوع دمار هائل بفعل زلزال في العصور القديمة، مما يُفسر وصف القرآن بأن الأرض قُلِبَت على القوم، ثم أمطر الله عليهم حجارة من سجيل.

وقد استخدم الباحثون في جامعة كورنيل ونيو مكسيكو وسانت لويس في الولايات المتحدة تقنيات حديثة في تحليل طبقات الأرض في جنوب البحر الميت، ووجدوا أن المنطقة تعرضت لانفجار حراري هائل ناتج عن سقوط نيزك أو انفجار جوي أدى إلى تدمير مدن كاملة، وهو ما يعزز فرضية الدمار السماوي المذكور في القرآن.

الأهمية الرمزية والجغرافية للمنطقة

لم يكن موقع قوم لوط مجرد إشارة إلى مكان معين فحسب، بل أصبح رمزًا للدمار الإلهي الذي يصيب الأمم التي تتجاوز حدود الفطرة وتغرق في الفساد. ويكتسب البحر الميت مكانة رمزية في هذا السياق، ليس فقط بسبب انخفاضه الجغرافي الكبير، بل أيضًا لأنه يمثل جغرافيًا أدنى نقطة على الأرض، مما يعكس الانحطاط الأخلاقي لقوم لوط حسب الروايات الدينية.

جدول يوضح أبرز المواقع المرتبطة بقوم لوط

الخلاصة

يتفق كثير من الباحثين والعلماء من مختلف الديانات على أن قوم لوط سكنوا منطقة الجنوب الشرقي من البحر الميت، وتحديدًا في مدن سدوم وعمورة وصوغر، وهي مدن ورد ذكرها في الكتب السماوية الثلاثة. وتؤكد الأدلة الأثرية والجغرافية أن تلك المدن تعرضت لدمار مفاجئ وكبير في فترات تتوافق مع الحقبة الزمنية التي عاش فيها نبي الله لوط، مما يُعزز الرواية القرآنية والتوراتية حول العقاب الإلهي الذي حل بهم نتيجة انحرافهم ورفضهم للهداية. وتبقى تلك المنطقة حتى يومنا هذا عبرة جغرافية وتاريخية تُذكر الإنسان بعواقب الطغيان ومجاوزة الفطرة.

المراجع:

1. الطبري، تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن.

2. University of New Mexico & Cornell University joint archaeological report on Bab edh-Dhra and Numeira excavation studies.