كيف يتم سحب الدم من الوريد: إجراء طبي حيوي ودقيق

تُعد عملية سحب الدم من الوريد من الإجراءات الطبية الأساسية التي تُجرى يوميًا في جميع المستشفيات والمراكز الصحية حول العالم، وتُعتبر من الوسائل التشخيصية الأكثر شيوعًا في الطب الحديث. هذه العملية، رغم بساطتها الظاهرية، تتطلب دقة ومهارة ومعرفة تفصيلية بالتشريح الوريدي وبروتوكولات السلامة والتعقيم، لما لها من دور حاسم في تشخيص الأمراض، تقييم وظائف الأعضاء، وتحليل المؤشرات الحيوية الأساسية لصحة الإنسان. لا تقتصر أهمية سحب الدم على تشخيص الحالات المرضية، بل تشمل أيضًا مراقبة تقدم العلاج، تحديد فصيلة الدم، وتحضير المرضى للإجراءات الجراحية أو العلاجية.

في هذا المقال الموسع، سيتم تناول جميع الجوانب المتعلقة بسحب الدم من الوريد، بدءًا من الأسباب التي تستدعي هذا الإجراء، مرورًا بالتقنيات والأدوات المستخدمة، وانتهاءً بالمضاعفات المحتملة وطرق الوقاية منها. كما سيتم التطرق إلى المعايير الصحية والاحترازات الواجب اتباعها لضمان سلامة المريض والممارس الصحي على حد سواء.

المفهوم العام لسحب الدم من الوريد

سحب الدم الوريدي (Venipuncture) هو إجراء طبي يتم فيه إدخال إبرة معقمة في أحد أوردة الجسم — عادةً في الذراع — لسحب كمية محددة من الدم لاستخدامها في التحاليل المختبرية. يعتمد هذا الإجراء على مبادئ فيسيولوجية وتشريحية دقيقة لضمان استخلاص عينة نقية تمثل حالة الجسم الصحية الفعلية.

دواعي سحب الدم من الوريد

هناك عدة أسباب ودواعي طبية تستدعي سحب الدم الوريدي، من أبرزها:

• التحاليل المخبرية الروتينية: مثل تعداد الدم الكامل (CBC)، تحليل السكر، تحليل الدهون، اختبارات وظائف الكبد والكلى.

• اختبارات الأمراض المعدية: مثل فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، التهاب الكبد B وC.

• مراقبة فعالية الأدوية: خاصةً مضادات التجلط مثل الوارفارين، حيث يتم قياس مؤشرات مثل INR.

• تحليل الهرمونات: كهرمونات الغدة الدرقية، الهرمونات الجنسية، وهرمونات النمو.

• التبرع بالدم: لأغراض نقل الدم أو استخدام مشتقاته في علاج المرضى.

التشريح الوريدي وأماكن السحب الشائعة

لفهم كيفية إجراء سحب الدم بنجاح، لا بد من الإلمام ببنية الجهاز الوريدي في الطرف العلوي. الأوردة المستخدمة عادةً تشمل:

• الوريد البازيلي (Basilic vein): يقع على الجانب الإنسي للذراع.

• الوريد الرأسي (Cephalic vein): يقع على الجانب الوحشي للذراع.

• الوريد المتوسط للكوع (Median cubital vein): يقع في المنطقة الأمامية للكوع، وهو الوريد الأكثر شيوعًا للسحب.

الوريد المتوسط للكوع يُفضل استخدامه لأنه عادةً يكون أكبر وأسهل في التثبيت وأقل حساسية مقارنةً بباقي الأوردة.

التحضيرات اللازمة قبل سحب الدم

1. تجهيز البيئة والأدوات

يجب أن تكون البيئة نظيفة ومعقمة لضمان الحد الأدنى من خطر العدوى. تشمل الأدوات الأساسية المستخدمة:

2. تقييم المريض

يجب التأكد من أن المريض:

• في وضعية مريحة.

• لا يعاني من فوبيا الإبر أو الإغماء الوعائي.

• قد صام إذا كان التحليل يتطلب ذلك (مثل تحليل السكر أو الدهون).

• لا يعاني من أمراض نزفية أو يأخذ أدوية مسيلة للدم إلا مع الحذر.

خطوات إجراء سحب الدم من الوريد

الخطوة 1: التعقيم

يُعقم الجلد بمسحة كحولية بقطر لا يقل عن 5 سم بطريقة دائرية من الداخل إلى الخارج، مع ترك الجلد ليجف تلقائيًا دون النفخ أو النفاذ بسرعة.

الخطوة 2: تركيب الشريط الضاغط

يوضع شريط التورنيكيه على الذراع فوق منطقة السحب بنحو 7-10 سم ليتمدد الوريد.

الخطوة 3: إدخال الإبرة

بعد تحديد الوريد، يتم إدخال الإبرة بزاوية 15-30 درجة تجاه الوريد. يجب أن تكون اليد ثابتة لتقليل الألم وفرص الانزلاق أو التلف الوريدي.

الخطوة 4: سحب العينة

يتم سحب الدم في أنابيب مناسبة حسب نوع التحليل. بعض الأنابيب تحتوي على مضادات تخثر (EDTA أو Heparin) والبعض الآخر لا يحتوي.

الخطوة 5: إزالة الإبرة

بمجرد الانتهاء من سحب الكمية المطلوبة، تُزال الإبرة برفق، ويُضغط على موضع السحب بقطعة شاش معقمة لمدة دقيقتين على الأقل لمنع الكدمة.

الخطوة 6: التسمية والتوثيق

يتم وضع ملصق على الأنابيب يحتوي على بيانات المريض ووقت السحب، ثم تُرسل العينة للمختبر في الوقت المناسب وبدرجة حرارة مناسبة حسب نوع التحليل.

تقنيات متقدمة في سحب الدم

مع تطور التكنولوجيا الطبية، ظهرت تقنيات حديثة تقلل الألم وتزيد من دقة وسلامة السحب، مثل:

• أجهزة السحب بالفراغ (Vacuum Extraction Systems): تُسهل سحب الدم وتقلل من خطر العدوى.

• المحولات ذات الأمان (Safety Needles): تحتوي على آلية لحماية الإبرة بعد السحب.

• الأجهزة المحمولة لتحديد الوريد (Vein Finders): تستخدم الأشعة تحت الحمراء لتحديد الوريد بدقة في الحالات الصعبة.

معايير السلامة والوقاية

اتباع الإجراءات الوقائية الصارمة أمر لا غنى عنه:

• تغيير القفازات لكل مريض.

• التخلص من الإبر في حاويات مخصصة مقاومة للثقب.

• غسل اليدين قبل وبعد كل عملية.

• عدم إعادة تغطية الإبرة بعد استخدامها (No Recapping).

• التبليغ عن أي حادث وخز بالإبرة فورًا.

المضاعفات المحتملة وكيفية التعامل معها

رغم أن سحب الدم إجراء آمن، إلا أنه قد يترافق مع بعض المضاعفات مثل:

• كدمات دموية (Hematoma): بسبب تلف الأوعية الدموية أو عدم الضغط الجيد بعد السحب.

• دوخة أو إغماء: خاصةً عند الأشخاص الذين يعانون من فوبيا الإبر.

• عدوى موضعية: في حال عدم تعقيم الجلد جيدًا.

• ألم أو وخز: نتيجة إصابة عصب مجاور.

الوقاية تعتمد على المهارة والدقة في الأداء، وكذلك على توعية المريض وتطمينه أثناء الإجراء.

أخطاء شائعة يجب تجنبها

• استخدام إبرة غير مناسبة لحجم الوريد.

• سحب العينة من الذراع التي تُركب بها محاليل وريدية.

• عدم وضع التسمية الصحيحة على العينة.

• هز أنبوب التحليل بقوة بعد السحب (يجب تقليبه بلطف).

• تجاهل ظروف حفظ ونقل العينة.

متى يُمنع سحب الدم من الوريد؟

قد يُمنع إجراء السحب من بعض المناطق أو في بعض الحالات، مثل:

• الذراع التي تم فيها استئصال الغدد الليمفاوية (مثلاً بعد عمليات سرطان الثدي).

• وجود وذمة شديدة أو التهاب جلدي في مكان السحب.

• الأطراف التي تحتوي على شانت للغسيل الكلوي.

الاعتبارات الخاصة بسحب الدم للأطفال وكبار السن

يُعتبر سحب الدم في الفئات العمرية الحساسة كالأطفال وكبار السن أكثر دقة وحذرًا نظرًا لطبيعة الأوردة الرقيقة أو العوامل النفسية، ومن أبرز النقاط في هذه الحالات:

• استخدام إبر دقيقة جدًا (Butterfly Needles).

• إشراك الأهل أو المرافق لتقليل التوتر.

• تقليل وقت السحب لتفادي الإزعاج.

دور الممارس الصحي في نجاح عملية سحب الدم

لا تقتصر الكفاءة في هذا الإجراء على الجوانب الفنية فقط، بل تشمل أيضًا المهارات التواصلية والنفسية، حيث يجب على الممارس أن يُشعر المريض بالطمأنينة، يشرح له الخطوات بإيجاز دون تخويف، ويستجيب بسرعة لأي طارئ أو عرض غير طبيعي قد يحدث أثناء السحب.

المصادر والمراجع

• World Health Organization. WHO guidelines on drawing blood: best practices in phlebotomy. Geneva: WHO Press; 2010.

• McCall, R. E., & Tankersley, C. M. (2011). Phlebotomy Essentials. Lippincott Williams & Wilkins.