شروط العمرة للأطفال

شروط العمرة للأطفال

تُعد العمرة من الشعائر التعبدية العظيمة التي تتعلق بشرف الزمان والمكان، وقد أجمعت الأمة على مشروعيتها وفضلها، وتُعد من القربات العظيمة التي يُثاب عليها المسلم ثوابًا جزيلًا. وقد يتساءل الكثير من أولياء الأمور عن إمكانية إلحاق أطفالهم بهذه العبادة العظيمة، وما إن كانت هناك شروط خاصة بالأطفال لأداء العمرة، وما الضوابط الشرعية والتنظيمية التي يجب الالتزام بها. في هذا السياق، سنتناول في هذا المقال الموسع جميع ما يتعلق بشروط العمرة للأطفال، مع التركيز على الجوانب الفقهية، الصحية، الإدارية، والتنظيمية، بما يضمن أداء الطفل لهذه الشعيرة وفق ما قررته الشريعة الإسلامية وضوابط الواقع العملي.

أولًا: الحكم الشرعي للعمرة للأطفال

اتفق العلماء على أن العمرة مشروعة للأطفال كالحج، حيث يجوز أن يعتمر الطفل ولو كان رضيعًا إذا توفرت القدرة على أداء المناسك. ودليل ذلك ما ورد عن السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، أنها خرجت بابنها عبد الله بن الزبير إلى مكة وهو صغير، وقالت: «رفعتُه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج، فدعا له بالحج». وقد أجاز العلماء قياس العمرة على الحج في هذه المسألة، ما يعني أنه يصح إيقاع العمرة من الطفل بشرط أن يقوم وليه بالإحرام عنه ويقوم بجميع أركان العمرة أو يُساعده على ذلك.

ثانيًا: الشروط الفقهية لصحة العمرة عند الأطفال

رغم أن الطفل غير مكلف شرعًا، إلا أن للعمرة عند الأطفال شروطًا فقهية تُراعى لضمان صحتها من منظور الشريعة الإسلامية. من أهم هذه الشروط:

1. النية من الولي

يُشترط أن يُحرم الطفل بالنية، سواء نوى هو إن كان مميزًا، أو نوى عنه وليه إن كان غير مميز. وتصح العمرة للطفل حتى لو لم يكن مميزًا، ولكن على الولي أن ينوي العمرة عنه عند الإحرام.

2. الطهارة

مع أن الطهارة ليست شرطًا لصحة العمرة بالنسبة للطفل، إلا أنه من الأفضل أن يكون الطفل على طهارة عند أداء الطواف والسعي، لأن ذلك من تعظيم شعائر الله.

3. القدرة الجسدية

يُراعى في الطفل أن يكون قادرًا جسديًا على تحمل مناسك العمرة، وخاصة الطواف والسعي، حتى لو تم حمله خلال المناسك، فالأصل أن تتم تأدية المناسك بما لا يضر الطفل أو يُجهده.

4. الالتزام بالمواقيت

كما هو الحال مع البالغ، يجب الإحرام من الميقات المحدد شرعًا. فإن كان الطفل يرافق أسرته، فعلى الولي أن يُحرِم عنه من الميقات، مع النية الصريحة أنه يُحرم بالعمرة عن الطفل.

ثالثًا: تصنيف الأطفال في أداء العمرة

يمكن تقسيم الأطفال من حيث قدرتهم واستيعابهم للمناسك إلى ثلاث فئات:

1. الأطفال الرضع (أقل من سنتين)

في هذه الحالة، يكون الطفل غير قادر على فهم أو أداء أي من المناسك، ويقوم وليه بكامل الأفعال، ويُعتبر الإحرام بالنية من الولي كافيًا، ويجوز حمل الطفل في الطواف والسعي.

2. الأطفال غير المميزين (من سنتين حتى سبع سنوات تقريبًا)

يستطيع الطفل في هذه المرحلة المشاركة بشكل محدود في المناسك، لكنه لا يفهم معناها. يُحرِم عنه وليه، ويقوم بمساعدته في الطواف والسعي، وقد يحمله إن لزم الأمر.

3. الأطفال المميزون (من سبع سنوات فما فوق)

هؤلاء الأطفال يمكنهم فهم المقصود من العمرة، ويُستحب تدريبهم على أداء الشعائر بأنفسهم تحت إشراف الولي. في هذه الحالة يجب على الطفل النية بنفسه إن كان يدرك معناها، مع إرشاد وليه له في كيفية الأداء.

رابعًا: شروط لبس الإحرام للأطفال

لباس الإحرام للأطفال يجب أن يُراعى فيه ما يلي:

• للذكور: يُلبس الطفل إزارًا ورداءً كما يُفعل مع البالغ، ولا يُلبس المخيط.

• للإناث: يُسمح للطفلة بارتداء الملابس العادية المحتشمة من دون تبرج، على ألا تلبس النقاب أو القفازين، كما هو الحال للنساء البالغات.

• يجب مراعاة أن تكون الملابس مريحة للطفل ولا تُسبب له الحكة أو الحساسية.

• يُراعى الطقس ودرجة الحرارة عند اختيار قماش الإحرام، لأن بعض الأقمشة قد تكون ثقيلة أو خانقة للأطفال خاصة في الحر الشديد.

خامسًا: أركان وسنن العمرة للطفل

كما هو معلوم، تتكون العمرة من أربعة أركان رئيسية، يجب على ولي الطفل أو من يصحبه التأكد من أدائها بالترتيب:

1. الإحرام

وهو نية الدخول في النسك، ويتم من الميقات المخصص.

2. الطواف

يُطاف بالطفل حول الكعبة سبعة أشواط. يمكن حمل الطفل، لكن يشترط أن يُتم الطواف كاملًا.

3. السعي بين الصفا والمروة

يُسعى بالطفل سبعة أشواط، ويمكن حمله أو أن يُساعد على المشي إن كان قادرًا.

4. الحلق أو التقصير

للذكور يُفضَّل الحلق، أما الإناث فالتقصير بأن يُؤخذ قدر أنملة من شعر الرأس.

سادسًا: الأمور التنظيمية والإدارية

1. إصدار تصريح عمرة للأطفال

تُتيح وزارة الحج والعمرة في المملكة العربية السعودية إمكانية استخراج تصريح عمرة للأطفال، بشرط وجود حساب على تطبيق “توكلنا” أو “نسك” لولي الأمر، وتسجيل الطفل كمُرافق. ويُشترط أن يكون الطفل قد حصل على تأشيرة دخول مناسبة إن لم يكن من مواطني المملكة.

2. المرافق الإلزامي

يُشترط أن يكون مع الطفل مرافق بالغ (ولي أمر أو وصي شرعي) يُشرف عليه طوال مدة النسك، ويتحمل مسؤولية متابعته ورعايته خلال أداء المناسك.

3. التطعيمات والشروط الصحية

تُشدد الجهات الصحية في المملكة على ضرورة تلقي الأطفال جميع اللقاحات الأساسية، بالإضافة إلى اللقاحات الموسمية (مثل لقاح الإنفلونزا) خاصة في مواسم العمرة. ويُنصح بإجراء فحص طبي قبل السفر للتأكد من لياقة الطفل.

4. السلامة العامة

من أهم الجوانب التي يجب مراعاتها عند اصطحاب الأطفال للعمرة هو عنصر السلامة، ويشمل:

• عدم ترك الطفل منفردًا.

• كتابة رقم التواصل على سوار في يد الطفل.

• تجنب التزاحم في الأوقات المزدحمة.

• التأكد من تغطية رأس الطفل وتزويده بكميات كافية من الماء.

سابعًا: هل تُجزئ العمرة عن الفريضة للطفل؟

أجمع العلماء على أن العمرة -كالحج- إذا أداها الطفل لا تُجزئ عن الفريضة بعد البلوغ، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى». وعلى ذلك، فإن عمرة الطفل تُعد تطوعًا له، ويُثاب عليها، لكنها لا تسقط الفريضة عنه بعد البلوغ.

ثامنًا: الثواب المترتب على عمرة الطفل

رغم أن الطفل غير مكلف شرعًا، إلا أن الشرع يُقرر أن من درب أولاده على الطاعات ونشأهم عليها فله الأجر، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث… وولد صالح يدعو له». وأداء العمرة مع الطفل يُعد من أعظم صور التربية الإيمانية والعملية، ويكسب الوالدين أجر التوجيه والتعليم، إضافة إلى ثواب أداء العمرة للطفل.

جدول توضيحي: الفرق بين شروط العمرة للطفل والبالغ

الخلاصة

العمرة للأطفال تمثل صورة مضيئة من صور التربية الروحية، وهي ممكنة شرعًا بشرط الالتزام ببعض الشروط الفقهية والتنظيمية التي تضمن أداء الشعيرة بشكل صحيح وآمن. وعلى الرغم من أن الطفل غير مكلف شرعًا، إلا أن إلحاقه بمناسك العمرة يُعد من صور تعليمه الخير وتربيته على محبة العبادة والتعلق بالشعائر. يجب على أولياء الأمور الحرص على جعل هذه التجربة ممتعة وآمنة ومليئة بالروحانية، دون أن يتحول الأمر إلى مشقة أو إجبار للطفل بما لا يطيق.

المراجع:

1. ابن قدامة، المغني، دار الفكر.

2. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فتاوى الحج والعمرة.