آداب قضاء الحاجة في الإسلام

آداب قضاء الحاجة في الإسلام

يُعدّ قضاء الحاجة من الأمور الفطرية التي لا غنى عنها لكل إنسان، وقد أولى الإسلام هذا الموضوع اهتمامًا خاصًا، لما فيه من أثر مباشر على طهارة المسلم ونظافته الشخصية، والتي تشكل بدورها ركنًا أساسيًا في أداء العبادات، خصوصًا الصلاة. فكما اهتم الإسلام بنظافة الظاهر والباطن، فقد وضع آدابًا وقواعد دقيقة لكيفية قضاء الحاجة، ليجمع بذلك بين السلوك الإنساني الطبيعي ومراعاة الجوانب الروحية والصحية والاجتماعية.

في هذا المقال، سيتم تناول آداب قضاء الحاجة في الإسلام بشكل موسع، اعتمادًا على النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، وبيان ما ورد عن العلماء والفقهاء من قواعد وتوجيهات، مع التطرق إلى أبعاده الصحية والاجتماعية، ليتجلى للقارئ عظمة هذا الدين في تنظيم أدق تفاصيل حياة الإنسان.

أولًا: أهمية الطهارة في الإسلام

الطهارة من أبرز سمات المسلم، وقد جعلها الإسلام شرطًا لصحة كثير من العبادات، لا سيما الصلاة. وقد قال النبي ﷺ:

“الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ” (رواه مسلم).

والطهارة تشمل الطهارة من الحدث والطهارة من الخبث، وتدخل فيها كذلك آداب النظافة الشخصية ومن ضمنها آداب قضاء الحاجة. فالمؤمن الحق هو من يلتزم بهذه الآداب بدافع ديني وروحي وليس فقط من باب السلوك الإنساني المجرد.

ثانيًا: الاستعاذة قبل دخول الخلاء

من الآداب التي حث عليها النبي ﷺ أن يقول المسلم عند دخول الخلاء:

“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالخَبَائِثِ” (متفق عليه).

والمقصود بالخبث والخبائث: ذُكور الشياطين وإناثهم. وقد استحب العلماء هذا الدعاء للحماية من وسوسة الشياطين وشرورهم داخل أماكن قضاء الحاجة، التي هي مظنة للنجاسة.

ثالثًا: دخول الخلاء بالرجل اليسرى والخروج باليمنى

اتفق الفقهاء على استحباب دخول الخلاء بالرجل اليسرى والخروج بالرجل اليمنى، اقتداءً برسول الله ﷺ، الذي كان يُحب التيمن في طهوره وتنعله وترجله، ويُقدّم اليسرى عند الدخول إلى الأماكن غير الطاهرة كالخلاء.

رابعًا: عدم استقبال القبلة أو استدبارها

من الآداب الشرعية المهمة التي ورد فيها النهي الصريح، قول النبي ﷺ:

“إذا أتيتُم الغائِطَ فلا تَستَقبِلُوا القِبلةَ ولا تَستَدبِرُوها، ولكن شَرِّقُوا أو غَرِّبُوا” (رواه البخاري ومسلم).

وقد حمل الجمهور هذا النهي على التحريم في الصحراء، أما في البيوت فحصل خلاف بين الفقهاء. إلا أن الأولى والأفضل اجتناب استقبال القبلة أو استدبارها في جميع الأحوال، تعظيمًا لشأنها واحترامًا لها.

خامسًا: ستر العورة عند قضاء الحاجة

من الآداب الأساسية التي يحث عليها الشرع ستر العورة بالكامل عند قضاء الحاجة. وقد ورد عن النبي ﷺ أنه كان إذا ذهب إلى الخلاء ابتعد حتى لا يُرى. وهذا الأدب يتضمن حفظًا للحياء وحمايةً من الأذى ودرءًا للفساد، ويُعد من مظاهر كمال الأدب.

سادسًا: عدم الكلام أثناء قضاء الحاجة

من السنة ألا يتكلم المسلم أثناء قضاء حاجته، إلا لضرورة. فقد ورد عن النبي ﷺ أنه مر برجلين يتحدثان في الخلاء، فقال:

“أما يعلمان أن الله يمقت على ذلك؟” (رواه الطبراني).

وفيه تعليم للمؤمن أن يكون مستشعرًا لحالة الخلوة والانشغال بالطهارة، وألا يُدخل أحاديثه ومجالسه إلى مكان الخلاء.

سابعًا: اجتناب التبول في الطرقات وظلال الناس

ورد في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال:

“اتقوا اللَّاعِنَيْنِ، قالوا: وما اللَّاعِنَانِ؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم” (رواه مسلم).

فهذا الأدب ينبني على قاعدة احترام الآخرين، والحفاظ على البيئة، وصون المجتمع من الأذى الحسي والمعنوي.

ثامنًا: التنزه من البول

قال النبي ﷺ:

“أكثر عذاب القبر من البول” (رواه ابن ماجه).

وفي رواية أخرى:

“إنه لا يستتر من بوله” (رواه البخاري).

وهذا يدل على أهمية التنزه عن البول، بأن لا يصيب الجسد أو الثوب، لما فيه من نجاسة توجب إعادة الطهارة وتبطل الصلاة.

تاسعًا: الاستنجاء والاستجمار

الاستنجاء هو إزالة النجاسة بالماء، والاستجمار هو إزالة النجاسة بالحجارة أو ما يقوم مقامها من مناديل ونحوها.

وقد ثبت في السنة أن النبي ﷺ كان يستنجي بثلاثة أحجار، وهذا أدنى الكمال، وأفضل منه أن يجمع بين الماء والحجر. ويجب أن يكون الاستنجاء أو الاستجمار حتى زوال الأذى وعدم بقاء أي أثر.

عاشرًا: استخدام اليد اليسرى في الاستنجاء

نهى النبي ﷺ عن استخدام اليد اليمنى في الاستنجاء، فقال:

“إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه ولا يستنجي بيمينه” (رواه البخاري ومسلم).

وذلك تكريمًا لليد اليمنى، التي تُستخدم في الأكل والشرب وأعمال الخير.

الحادي عشر: تجنب استقبال الريح

من الفقهاء من نصّ على استحباب قضاء الحاجة في اتجاه يخالف اتجاه الريح، خصوصًا إذا كان الاستنجاء بالماء، لما قد يتسبب به من انتشار النجاسة.

الثاني عشر: عدم البول في الماء الراكد

ورد عن النبي ﷺ أنه نهى عن البول في الماء الراكد، فقال:

“لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ثم يغتسل فيه” (رواه البخاري ومسلم).

وهذا الحديث يدل على وعي بيئي عظيم، وسابقة صحية نبوية راقية، لما في البول في المياه الراكدة من نشر للأمراض وتلوث للمياه.

الثالث عشر: تجنب قضاء الحاجة في الأماكن العامة

جاء في الحديث عن النبي ﷺ:

“اتقوا الملاعِن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل” (رواه أبو داود).

والمقصود هنا أن يتجنب المسلم التبول أو التغوط في أماكن ارتفاق الناس واستراحتهم، لما فيه من أذية لهم، وهو من الكبائر التي تسبب اللعن.

الرابع عشر: قول “غفرانك” بعد الخروج

عند الانتهاء من قضاء الحاجة والخروج من الخلاء، يُستحب أن يقول المسلم:

“غفرانك” (رواه الترمذي).

وقد فسره العلماء بأن فيه طلب المغفرة مما قد يكون حصل من الغفلة أو التقصير في ذكر الله أثناء الدخول إلى مكان النجاسة، أو أنه شكر لله على نعمة تسهيل قضاء الحاجة.

الخامس عشر: الاعتدال في استخدام الماء

حث الإسلام على الاقتصاد في الماء حتى في الطهارة، فقد ورد عن النبي ﷺ أنه كان يتوضأ بالمدّ ويغتسل بالصاع، ولم يكن يُسرف في الماء. وهذا يشمل الاستنجاء كذلك، إذ لا يجوز للمسلم أن يُفرط في الماء حتى في حال الطهارة، لما فيه من إسراف منهيّ عنه.

السادس عشر: عدم رفع الثوب قبل الجلوس

من مظاهر الأدب أن لا يكشف المسلم عورته إلا عند اقترابه من الأرض واستعداده لقضاء الحاجة. وقد نقلت كتب السير أن النبي ﷺ كان لا يكشف عورته حتى يدنو من الأرض، وفيه حفظ للحياء والستر عن أعين الناس وحتى عن الملائكة.

السابع عشر: تجنب البول واقفًا

ثبت أن غالب فعل النبي ﷺ كان التبول قاعدًا، وقال العلماء إن هذا أستر وأحفظ من النجاسة. ومع ذلك ورد أنه ﷺ بال قائمًا في بعض الحالات، مما يدل على الجواز عند الحاجة أو وجود مانع.

جدول آداب قضاء الحاجة في الإسلام

الختام: الطهارة سلوك إيماني ومدني

يتضح من مجمل الآداب أن الإسلام قد نظم حتى أدق تفاصيل حياة المسلم، وارتقى بسلوكياته في خصوصياته وأفعاله الغريزية، فربط قضاء الحاجة بسلوك تعبدي، يعكس مدى ارتباط المسلم بخالقه حتى في أخص خصوصياته. كما أن لهذه الآداب بعدًا صحيًا وبيئيًا واجتماعيًا، يجعل من المسلم قدوة في النظافة والاحترام وحفظ النفس والآخرين.

المراجع:

1. صحيح البخاري

2. صحيح مسلم