أقوال كمال جنبلاط: حكمة ونضال

أقوال كمال جنبلاط: فلسفة الحياة والسياسة

يُعدّ كمال جنبلاط من أبرز الشخصيات السياسية والفكرية في تاريخ لبنان الحديث، فهو ليس فقط سياسيًا بارعًا، بل أيضًا مفكرًا وفيلسوفًا قدّم العديد من الأقوال التي لا تزال تردد على ألسنة كثيرين حتى اليوم. كان كمال جنبلاط من مؤسسي الحركة الوطنية اللبنانية، ومن الداعين إلى التغيير السياسي والاجتماعي في لبنان، وهو ما انعكس في أفكاره ومواقفه التي جسدتها أقواله الرائعة والمحفورة في ذاكرة اللبنانيين. تلك الأقوال التي تلامس الإنسان في جوانب عديدة من الحياة، سواء كانت في السياسة، أو في العلاقات الإنسانية، أو في الطموح والنضال.

نشأة كمال جنبلاط وتأثيره الفكري

وُلد كمال جنبلاط في 6 كانون الأول 1917 في بلدة المختارة في لبنان. وكان ينتمي إلى عائلة درزية ذات نفوذ سياسي واجتماعي، وهو ما منح حياته طابعًا مميزًا من الناحية السياسية والعائلية. بعد دراسته في لبنان وفرنسا، قرر العودة إلى لبنان ليخوض غمار السياسة ويكون له دور بارز في تشكيل مستقبل وطنه.

تأثّر كمال جنبلاط بأفكار الفلسفة الإنسانية والعلمانية التي انتشرت في أوروبا في تلك الحقبة، واكتسب تأثرًا خاصًا من المفكرين الفرنسيين الذين تبنّوا أفكارًا إصلاحية واجتماعية. وقد سعى جنبلاط إلى توظيف هذه الأفكار لخدمة قضايا لبنان السياسية والاجتماعية، وكان دائم البحث عن حلول لتغيير الواقع اللبناني، وهو ما يظهر بوضوح في أقواله التي دافع فيها عن العدالة الاجتماعية والحرية السياسية، كما كان دائم التحذير من سيطرة الطائفية والتعصب الديني على الحياة السياسية في لبنان.

فلسفته السياسية والاجتماعية

كان كمال جنبلاط من المدافعين عن مفهوم العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع فئات الشعب اللبناني. وكان يرى أن هذا المبدأ هو الأساس في بناء الدولة اللبنانية الحديثة التي تحترم جميع مكوناتها وتعيش بسلام بعيدًا عن الحروب الأهلية والمشاكل الطائفية. وقد انعكس هذا الفكر في العديد من تصريحاته، التي انتقد فيها بشدة الواقع السياسي اللبناني المبني على المحاصصة الطائفية.

من أشهر أقواله في هذا المجال:

• “الطائفية سرطان يفتك بجسم الوطن، لا بد من استئصالها بكل الطرق.”

كان هذا القول يعكس قناعته العميقة بأن الطائفية تشكّل تهديدًا حقيقيًا للديمقراطية والمساواة في لبنان، وأنه لا بد من إيجاد حلول جذرية لهذه المعضلة.

• “الشعب اللبناني بحاجة إلى أن يرى في السياسة أداة لتحقيق العدالة، لا وسيلة للسلطة والتسلط.”

كان كمال جنبلاط يطمح إلى رؤية لبنان في طليعة الدول التي تبني سياستها على أساس العدالة والمساواة، بعيدًا عن الاستغلال السياسي والطائفي.

فلسفته الروحية والإنسانية

إلى جانب اهتمامه الكبير بالقضايا السياسية والاجتماعية، كان كمال جنبلاط أيضًا مهتمًا بالجوانب الروحية والفلسفية للحياة. كان يؤمن بأن الإنسان يجب أن يسعى لتحقيق السلام الداخلي والتوازن بين العقل والروح. وقد أشار في العديد من تصريحاته إلى ضرورة تبني الإنسان للمبادئ السامية التي تعزز من تطوره الشخصي والروحي.

من أبرز أقواله التي تلامس هذا الجانب:

• “يجب أن نبحث عن نورنا الداخلي، لأن النور الخارجي لا يأتي إلا من الداخل.”

كان يعتقد أن السلام الداخلي هو أساس التغيير الحقيقي في الحياة، وأن كل فرد يجب أن يعمل على اكتشاف ذاته واكتساب الحكمة التي تجعله قادرًا على مواجهة تحديات الحياة.

• “الإنسان الذي لا يعرف كيف يسامح لا يمكنه أن يعيش في سلام مع نفسه.”

كان جنبلاط يولي أهمية كبيرة لمفهوم التسامح والمصالحة، وكان يرى أن الفهم العميق لهذه القيم يساعد الإنسان على بناء علاقات إنسانية سليمة.

العلاقة بالحرية والنضال

تميزت أقوال كمال جنبلاط بنبرة قوية تدعو إلى النضال المستمر من أجل تحقيق الحرية والعدالة. كان يرى أن الحرية هي السبيل الوحيد لتحقيق كرامة الإنسان، وأن النضال من أجلها يجب أن يكون مستمرًا، حتى في مواجهة القوى التي تسعى إلى قمعها.

من أبرز أقواله في هذا المجال:

• “الحرية لا تُعطى، بل تُنتزع انتزاعًا من الجبروت والاستبداد.”

كان هذا القول يؤكد على أن الحرية لا تأتي هدية، بل هي ثمرة كفاح طويل وصراع مستمر ضد الظلم والاستبداد.

• “الذي لا يقاوم الظلم يبقى رهينة له، ويظل ضحية للظلم في كل مكان.”

كان جنبلاط يؤمن بأهمية المقاومة في وجه الظلم، وكان يرى أن السكوت عن الظلم يعني المشاركة في استمراره.

رؤيته حول وحدة لبنان والعلاقات العربية

من خلال العديد من أقواله، كان كمال جنبلاط يعبر عن رؤيته العميقة حول دور لبنان في العالم العربي. كان يعتبر أن لبنان هو جزء من الأمة العربية، وأنه لا يمكن أن ينجح إلا إذا كان جزءًا من النسيج العربي العام.

من أقواله في هذا المجال:

• “لبنان لا يمكن أن يعيش بمعزل عن محيطه العربي، ولا بد أن يظل عربيًا في كل تفاصيله.”

كان هذا القول يعكس إيمانه العميق بأهمية الوحدة العربية، ويعبر عن قلقه من محاولات البعض عزل لبنان عن محيطه العربي.

• “الوحدة العربية هي الأمل الوحيد في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الأمة.”

كان جنبلاط يرى أن التحديات الكبرى التي تواجه الأمة العربية تتطلب وحدة حقيقية بين الدول العربية، وأن لبنان يجب أن يكون جزءًا من هذه الوحدة.

إرثه الفكري والسياسي

لقد ترك كمال جنبلاط إرثًا فكريًا وثقافيًا عميقًا في لبنان والعالم العربي. لم يكن مجرد سياسي أو زعيم حزبي، بل كان أيضًا مفكرًا وفيلسوفًا ترك بصمة واضحة في تاريخ لبنان الحديث. ومن خلال أقواله وأفعاله، تمكن من أن يكون مصدر إلهام للعديد من المفكرين والنشطاء السياسيين.

تظل أقواله تتردد في أذهان اللبنانيين والعرب، وهي تُعتبر بمثابة إشارات تهدي الطريق للذين يسعون لتحقيق العدالة والمساواة والحرية. ورغم مرور عقود على اغتياله في عام 1977، فإن كمال جنبلاط لا يزال حاضرا في الفكر السياسي والاجتماعي للعديد من المفكرين والناشطين.

في النهاية، تبقى أقوال كمال جنبلاط مرشدًا للكثيرين في مسيرتهم نحو التغيير والإصلاح.