8 وسائل تسهّل التعامل مع الشخص البخيل
في مسيرة الحياة اليومية، يواجه الإنسان أنماطًا متباينة من الشخصيات، وتُعدّ “البخل” إحدى أكثر السمات السلوكية إشكالية على المستوى الاجتماعي والإنساني. فالشخص البخيل لا يقتصر ضرره على ذاته فحسب، بل يمتد ليشمل من حوله، سواء في الأسرة، أو بيئة العمل، أو الدوائر الاجتماعية الأخرى. ولأن هذه السمة كثيرًا ما تكون مترسخة في طبع الإنسان وتعود إلى عوامل نفسية، اجتماعية وتربوية، يصبح التعامل مع الشخص البخيل تحديًا يتطلب قدرًا من الوعي، والحكمة، والمهارة في التواصل. في هذا السياق، يبرز دور الوسائل التي يمكن من خلالها تسهيل التعامل مع الشخص البخيل، وتقليل آثار بخله على العلاقات الإنسانية.
يتناول هذا المقال ثمانية وسائل فعالة وعملية، تساعد في إدارة العلاقة مع الشخص البخيل بطريقة لا تؤدي إلى النزاع أو الإحباط، بل تسعى إلى التكيّف معه وتحقيق توازن مقبول بين احترام الذات والواقع المفروض.
1. الفصل بين العاطفة والمال
أولى الخطوات الأساسية في التعامل مع الشخص البخيل هي إدراك ضرورة الفصل بين المال والعاطفة. فغالبًا ما يُسيء الشخص البخيل استخدام المال كورقة ضغط في العلاقات، خصوصًا في العلاقات الزوجية أو العائلية، فيربط المحبة أو التقدير بتقديمه المال أو العطاء المادي، مما يخلق مناخًا غير صحي ومليئًا بالتوتر. ينبغي لمن يتعامل مع هذا الشخص أن يدرك أن العاطفة لا تُقاس بالإنفاق، وأن التقدير لا يعني بالضرورة الدفع بسخاء. هذه الفكرة تحمي الفرد من التورط في علاقات استنزافية نفسيًا وماليًا، وتفتح المجال لفرض حدود واضحة دون الإحساس بالذنب أو الضغط العاطفي.
2. الاعتماد على النفس ماليًا
من أبرز الاستراتيجيات الفعالة في الحد من تأثير بخل الآخرين، خاصة في محيط الأسرة أو الشراكة، هو تعزيز الاستقلالية المالية. الاعتماد على النفس يقلل من فرص الصدام الناتجة عن التذمّر من نقص العطاء أو القلق من السيطرة المالية، كما يحد من الإحساس بالضعف أمام الشريك البخيل. وقد أثبتت الدراسات النفسية أن البخل غالبًا ما يرتبط برغبة الشخص في السيطرة والتحكم، لذا فإن الاستقلال المادي يقلل من هذه النزعة لدى الشخص البخيل ويدفعه للتعامل بندية أكثر.
3. تفادي الصدامات المباشرة
التصادم المباشر مع الشخص البخيل في أمور المال لا يؤدي عادةً إلى نتائج إيجابية، بل قد يدفعه للتشبث بمواقفه أكثر. فالبخل، بخلاف التقتير المؤقت، هو سلوك متأصل يرتبط بنمط تفكير عميق الجذور، وبالتالي لا يمكن تغييره بمجرد المواجهة أو التوبيخ. لذلك، يُفضل اللجوء إلى أساليب غير مباشرة في التعبير عن الانزعاج، كاستخدام الأسلوب القصصي أو السخرية الخفيفة، أو الإشارة إلى تجارب الآخرين بطريقة غير اتهامية، مما يفتح المجال لتفكيره الذاتي دون إثارة دفاعيته.
4. تشجيعه على العطاء التدريجي
من التقنيات المجدية في تعديل سلوك البخيل، التحفيز على العطاء عبر خطوات بسيطة ومتدرجة. كأن يُطلب منه المشاركة في هدية جماعية بسيطة، أو المساهمة بجزء رمزي في مناسبة اجتماعية، أو الانخراط في مبادرة خيرية غير مكلفة. الهدف هنا ليس إحداث تغيير جذري ومفاجئ، بل كسر حاجز البخل الداخلي لديه بشكل تدريجي، وتعويده على مفهوم العطاء كفعل اجتماعي إيجابي وليس خسارة مالية.
ويفيد الجدول التالي في توضيح بعض الأمثلة على خطوات تدريجية لتشجيع الشخص البخيل على العطاء:
| المرحلة | نوع العطاء | التكلفة التقريبية | الهدف النفسي |
|---|---|---|---|
| الأولى | مشاركة في قهوة جماعية | منخفضة | كسر الجمود النفسي تجاه الإنفاق |
| الثانية | شراء هدية رمزية لأحد الزملاء | منخفضة إلى متوسطة | تعويده على العطاء في الأطر الاجتماعية |
| الثالثة | تبرع بسيط لجمعية خيرية | منخفضة | ربط العطاء بالشعور بالرضا الداخلي |
| الرابعة | المشاركة في تنظيم حدث اجتماعي | متوسطة | تعزيز روح الجماعة والانخراط الاجتماعي |
5. إظهار الأثر الإيجابي للعطاء
غالبًا ما يكون الدافع وراء البخل هو الخوف من المستقبل أو من الفقر، لذا فإن إظهار الأثر النفسي والاجتماعي الإيجابي للعطاء يساعد في طمأنة الشخص البخيل وتخفيف مخاوفه الداخلية. يمكن، على سبيل المثال، مشاركته قصصًا حقيقية لأشخاص أصبحوا أكثر سعادة واستقرارًا بعد أن انخرطوا في أعمال خيرية أو قرروا الإنفاق بسخاء متزن على أنفسهم وأحبّائهم. كذلك، يُستحسن إبراز الأثر الفوري للعطاء من خلال الامتنان الذي يُظهره الآخرون، أو تحسن العلاقات بعد تصرف كريم.
6. تحديد المسؤوليات بوضوح
في العلاقات المشتركة، سواء كانت زوجية، عائلية أو مهنية، من الضروري توزيع المسؤوليات المالية بوضوح. فالغموض في هذا الجانب يُعد أرضًا خصبة للبخل، إذ يتحوّل إلى ذريعة لعدم الإنفاق. لذلك يُستحسن وضع اتفاقات مالية مسبقة، وموثقة عند الحاجة، تحدد من هو المسؤول عن ماذا، وما هي التزامات كل طرف، حتى لا يتحمّل طرف واحد العبء المادي. هذا الأسلوب لا يعكس فقط العدالة، بل يضع البخيل في موقف المسؤولية دون أن يشعر بالإجبار.
7. عدم الاستسلام للابتزاز العاطفي أو المالي
كثيرًا ما يستخدم الشخص البخيل التلاعب النفسي، كإظهار الضعف أو التهديد بالانسحاب من العلاقة، كوسيلة للتهرب من الإنفاق أو العطاء. من المهم هنا عدم الاستسلام لهذا النوع من الابتزاز، ووضع حدود واضحة، تقوم على احترام الذات ومبدأ التوازن في العطاء. إن قبول الاستمرار في علاقة قائمة على الاستنزاف المالي والعاطفي دون مقاومة أو تحفظ، يُعد تعزيزًا لبخله، بل وقد يفتح المجال أمام تكرار هذا السلوك في سياقات مختلفة.
8. فهم الأسباب النفسية والجذور التربوية للبخل
أخيرًا، ولعلها من أكثر الوسائل عمقًا، هي محاولة فهم الدوافع النفسية والتاريخ التربوي الذي أدى إلى تشكل هذا السلوك. فالبخل لا ينشأ في فراغ، بل هو نتاج بيئة معيّنة، وخبرات سابقة من الحرمان، أو الخوف من الفقد، أو التربية القائمة على التقشف المفرط. هذا الفهم يُمكّن من التعامل مع البخيل برؤية أكثر تعاطفًا، ويُساعد في إيجاد خطاب ملائم يلامس خوفه العميق من “اللا أمان المالي” بدلًا من مهاجمته أو الإحساس بالغضب نحوه. هذا لا يعني التبرير لبخله، بل يسهّل التفاوض معه ومساعدته على تجاوز جذور هذا السلوك دون إهانة أو تشهير.
الخاتمة
التعامل مع الشخص البخيل لا يعني بالضرورة القبول بسلوكه، ولا يعني أيضًا نبذه أو مقاطعته، بل يتطلب توازنًا دقيقًا بين الحفاظ على حدود الشخصية واحترام الآخر. باستخدام الوسائل التي تعتمد على الفهم، والتحليل، والاحتواء، والتخطيط المسبق، يمكن تقليل الضرر الناتج عن البخل، وتحقيق علاقات أكثر استقرارًا ووضوحًا. فالسلوكيات المكتسبة يمكن تعديلها مع الوقت، حين تتوفر الظروف المناسبة لذلك، ولكن الأهم هو حماية النفس من التأثر السلبي، والعمل على بناء بيئة تواصل صحية ومبنية على الواقعية والاحترام المتبادل.
المراجع:
-
Leahy, R. L. (2005). The Worry Cure: Seven Steps to Stop Worry from Stopping You. Harmony Books.
-
Furnham, A. (1996). The Psychology of Behaviour at Work. Psychology Press.
