العنف ضد الرجال: مفهومه وأشكاله وتأثيراته الاجتماعية والنفسية

يُعد العنف ظاهرة اجتماعية مؤسفة تؤثر على جميع فئات المجتمع دون استثناء، إلا أن الحديث عن العنف ضد الرجال يظل أقل وضوحاً وانتشاراً في النقاشات الثقافية والإعلامية مقارنة بالعنف ضد النساء، رغم أن الرجال أيضاً يتعرضون لشتى أنواع العنف بمختلف أشكاله. إن فهم هذا النوع من العنف ومعرفة أشكاله وتأثيراته يساهم في مواجهة الظاهرة وتقليل آثارها السلبية على الأفراد والمجتمعات.

مفهوم العنف ضد الرجال

العنف ضد الرجال هو كل فعل من أفعال الإيذاء الجسدي أو النفسي أو الجنسي أو الاقتصادي الذي يتعرض له الرجال من قبل أفراد أو جماعات، ويُمارس إما في إطار العلاقة الأسرية، أو في المجتمع، أو في بيئة العمل، أو حتى من قبل مؤسسات الدولة. يمكن أن يكون هذا العنف موجهًا ضد الرجال لأسباب متعددة تتعلق بالجندر، المواقف الاجتماعية، أو حتى التحيزات الثقافية والاجتماعية التي قد تتجاهل أو تقلل من معاناة الرجال.

غالبًا ما يُنظر إلى الرجال على أنهم أقل عرضة للعنف بسبب الاعتقادات التقليدية حول قوتهم الجسدية وقدرتهم على الدفاع عن أنفسهم، وهو ما يؤدي إلى تقليل الاهتمام بالظاهرة أو إخفائها، كما أن الرجال قد يواجهون وصمة اجتماعية أو شعورًا بالعار عند الاعتراف بتعرضهم للعنف.

أشكال العنف ضد الرجال

يتجلى العنف ضد الرجال بأشكال متعددة، تختلف في طبيعتها وشدتها وتأثيرها. يمكن تصنيف هذه الأشكال كما يلي:

1. العنف الجسدي

يعتبر العنف الجسدي من أكثر أشكال العنف وضوحًا وانتشارًا، ويشمل الاعتداءات التي تلحق الضرر بالجسد، مثل الضرب، والصفع، والركل، واستخدام الأسلحة، وحتى التعذيب. يتعرض الرجال لهذا النوع من العنف سواء في العلاقات الأسرية، أو في أماكن العمل، أو في السجون، وأحيانًا في الأماكن العامة.

العنف الجسدي ضد الرجال قد يترك آثارًا دائمة مثل الكسور، والإصابات، وحتى الإعاقات الدائمة، ويُسبب ألماً جسدياً ونفسياً عميقاً.

2. العنف النفسي والعاطفي

يعد العنف النفسي من أخطر أنواع العنف وأصعبها كشفًا، ويشمل سلوكيات مثل الإهانة، والتهديد، والإذلال، والتقليل من الذات، والتحكم، والإقصاء الاجتماعي. غالبًا ما يكون هذا العنف مصحوبًا بالعنف الجسدي أو مستقلاً، ويؤثر بشكل كبير على صحة الرجل النفسية، ويؤدي إلى مشاكل نفسية مثل القلق، والاكتئاب، وانخفاض الثقة بالنفس.

في سياق العنف ضد الرجال، قد يتعرض الضحية لسلوكيات تحط من قدره كرجل، وهو ما يؤثر على هويته الجندرية وشعوره بالقيمة الذاتية.

3. العنف الجنسي

رغم أن الحديث عن العنف الجنسي ضد الرجال لا يحظى بنفس القدر من الاهتمام كما هو الحال مع النساء، إلا أنه يعد ظاهرة حقيقية تتطلب مواجهة وفهمًا عميقًا. يشمل هذا النوع من العنف الاعتداء الجنسي، التحرش، والاستغلال الجنسي، وقد يحدث في البيئات الأسرية، أماكن العمل، السجون، أو في النزاعات المسلحة.

تتفاوت الآثار النفسية للعنف الجنسي بين الرجال لكنها غالبًا ما تكون شديدة، وقد تشمل الصدمة النفسية، العزلة الاجتماعية، والخجل، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم الإبلاغ عن هذه الجرائم.

4. العنف الاقتصادي

يتضمن العنف الاقتصادي حرمان الرجل من الموارد المالية، التحكم في أمواله، أو فرض قيود على استقلاليته الاقتصادية. قد يحدث هذا النوع من العنف في الأسرة، خاصة في حالات الطلاق أو النزاعات الزوجية، أو في بيئة العمل عندما يُمنع الرجل من تحقيق دخله أو التقدم المهني بسبب ممارسات غير عادلة.

العنف الاقتصادي يؤثر على قدرة الرجل على تلبية احتياجاته الأساسية ويزيد من الإحساس بالعجز والضعف.

5. العنف الرمزي والاجتماعي

يشمل هذا النوع من العنف السلوكيات والممارسات التي تهدف إلى إذلال الرجل، أو انتقاص مكانته في المجتمع، أو تقويض دوره الاجتماعي. يمكن أن يتمثل في السخرية، التنميط السلبي، التمييز في فرص العمل، أو حتى التهميش في القرارات الاجتماعية والسياسية.

تترافق هذه الممارسات مع زيادة في شعور العزلة وفقدان الهوية الاجتماعية لدى الرجال.

أسباب العنف ضد الرجال

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى انتشار العنف ضد الرجال، ومن أهمها:

• المعتقدات الثقافية والمجتمعية: حيث تفرض بعض المجتمعات أدوارًا جندرية صارمة على الرجال، مما يضغط عليهم للبقاء في صورة “القوي” والخالي من الضعف، مما قد يؤدي إلى تفاقم العنف عند محاولة كسر هذه الأدوار أو مواجهة ضغوط الحياة.

• الفقر والبطالة: تعتبر الظروف الاقتصادية السيئة من عوامل الخطر التي تزيد من احتمالية وقوع العنف سواء كضحية أو كفاعل.

• تعاطي المخدرات والكحول: يُعتبر تعاطي المواد المخدرة والكحول من المحفزات التي تزيد من احتمالية وقوع العنف الجسدي واللفظي.

• الاضطرابات النفسية: بعض الحالات النفسية والعقلية قد تؤدي إلى تصرفات عنيفة تجاه الذات أو الآخرين.

• النزاعات والصراعات المسلحة: يشكل العنف في مناطق الحروب أزمة كبيرة للرجال الذين يكونون عرضة للاعتقالات التعسفية، التعذيب، أو العنف الجنسي.

الآثار المترتبة على العنف ضد الرجال

تترك التجارب العنيفة آثارًا عميقة في حياة الرجال على مستويات متعددة، منها:

1. التأثيرات النفسية

يعاني الرجال الذين يتعرضون للعنف من اضطرابات نفسية متعددة تشمل الاكتئاب، القلق، اضطرابات ما بعد الصدمة، وفقدان الثقة بالنفس. قد يؤدي العنف إلى زيادة معدلات الانتحار بين الرجال، بسبب شعورهم بالعجز وعدم القدرة على طلب المساعدة.

2. التأثيرات الاجتماعية

يؤثر العنف على العلاقات الاجتماعية للرجل، إذ قد يعاني من عزلة اجتماعية، صعوبات في إقامة علاقات عائلية واجتماعية سليمة، وقد يؤدي إلى انقطاع عن العمل أو الانخراط في سلوكيات عدوانية.

3. التأثيرات الصحية

تتفاوت الآثار الصحية بين الإصابات الجسدية المباشرة إلى التأثيرات طويلة الأمد مثل الأمراض المزمنة الناتجة عن التوتر النفسي المستمر.

مواجهة العنف ضد الرجال

تتطلب مواجهة العنف ضد الرجال استراتيجية شاملة تبدأ من الاعتراف بالظاهرة وتوفير الدعم النفسي، الاجتماعي، والقانوني للضحايا. من الضروري العمل على:

• زيادة الوعي المجتمعي: من خلال حملات توعية تهدف إلى تفكيك الصور النمطية حول الرجولة والقوة، وتشجيع الرجال على التعبير عن معاناتهم دون وصمة عار.

• تطوير خدمات الدعم: إنشاء مراكز إيواء، خطوط ساخنة، وخدمات استشارية خاصة بالرجال ضحايا العنف.

• تحديث التشريعات: ضمان وجود قوانين تحمي الرجال من كافة أشكال العنف وتضمن معاقبة المعتدين.

• تشجيع البحث والدراسات: دعم البحوث التي تكشف حجم وأسباب العنف ضد الرجال لتوفير بيانات دقيقة تساعد في وضع السياسات المناسبة.

جدول يوضح أشكال العنف ضد الرجال وتأثيراتها

الخلاصة

العنف ضد الرجال ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه، تتطلب فهمًا عميقًا ومناهج متعددة لمواجهتها بفعالية. إن الاعتراف بهذا العنف وفتح قنوات الدعم والرعاية للرجال المتضررين يسهم في بناء مجتمع أكثر عدالة وصحة نفسية لكل أفراده، بعيدًا عن القوالب النمطية التي تحد من حرية التعبير والكرامة الإنسانية. يتوجب على المؤسسات والمجتمعات العمل بلا كلل لتوفير بيئة آمنة وعادلة لكل الرجال، تتيح لهم العيش بكرامة وأمان.

المراجع:

• منظمة الصحة العالمية، “العنف ضد الرجال: التحديات والاستجابات”، 2021.

• تقرير مركز دراسات العنف الأسري، “العنف ضد الرجال في المجتمعات العربية”، 2023.