الفرق بين دوران الموظفين والاحتفاظ بهم: أهمية الاستراتيجيات المؤسسية في تحسين استدامة القوى العاملة
تعتبر إدارة الموارد البشرية من أبرز التحديات التي تواجهها المؤسسات الحديثة، وتلعب الاستراتيجيات الخاصة بإدارة الموظفين دورًا حاسمًا في استدامة نجاح أي منظمة. بين الأساليب التي تستخدمها المؤسسات لإدارة كوادرها، يبرز مفهومان هامين: دوران الموظفين و الاحتفاظ بالموظفين. ورغم أنهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا إلا أنهما يعكسان استراتيجيات وتوجهات مختلفة قد تؤثر بشكل كبير على نمو ونجاح المؤسسة. في هذا المقال، سنتناول الفرق بين هذين المفهومين وأثرهما على المنظمة، بالإضافة إلى الأسباب التي تؤدي إلى حدوثهما وكيفية تطبيق استراتيجيات فعالة للحد من دوران الموظفين وتعزيز الاحتفاظ بهم.
أولاً: ما هو دوران الموظفين؟
دوران الموظفين أو ما يُسمى بالـ”Turnover” هو مصطلح يشير إلى عملية مغادرة الموظفين للمؤسسة سواءً عبر الاستقالة أو الإقالة أو التقاعد. ويعد دوران الموظفين من أكبر التحديات التي تواجهها العديد من المنظمات حول العالم، حيث أن نسبة كبيرة من الشركات تعاني من فقدان موظفيها الموهوبين والمتمرسين، مما يترتب عليه تكاليف باهظة وتأثير سلبي على الأداء العام للمؤسسة.
يُقاس دوران الموظفين غالبًا باستخدام معدل دوران الموظفين، وهو النسبة المئوية للموظفين الذين غادروا المنظمة خلال فترة زمنية محددة، مثل عام أو ربع سنة. في حال كان معدل الدوران مرتفعًا، قد يدل ذلك على أن المنظمة تواجه مشكلات في بيئة العمل أو ثقافتها المؤسسية، وهو ما يؤدي إلى فقدان المواهب واكتساب سمعة سلبية في السوق.
ثانياً: ما هو الاحتفاظ بالموظفين؟
الاحتفاظ بالموظفين أو ما يُسمى بالـ”Employee Retention” هو الاستراتيجية التي تعتمدها المؤسسات لخلق بيئة وظيفية تشجع الموظفين على الاستمرار في العمل لفترات طويلة. يتضمن هذا المفهوم تحفيز الموظفين من خلال تقديم بيئة عمل مناسبة، ثقافة مؤسسية إيجابية، تطوير مهني مستمر، ومزايا تنافسية.
تسعى المؤسسات التي تركز على الاحتفاظ بالموظفين إلى تعزيز ولاء الموظفين، ما ينعكس في زيادة استقرار العمل والحد من معدل دوران الموظفين. وتعتبر استراتيجيات الاحتفاظ جزءًا أساسيًا من نجاح المؤسسات، حيث أن استقرار القوى العاملة يؤدي إلى تعزيز الخبرات التراكمية وتقليل التكاليف المرتبطة بالتوظيف والتدريب المستمر.
ثالثاً: الفرق بين دوران الموظفين والاحتفاظ بهم
الفرق الجوهري بين هذين المفهومين يكمن في التوجهات الاستراتيجية التي تنتهجها المؤسسة. في حين أن دوران الموظفين يمثل مؤشرًا سلبيًا يمكن أن يعكس قلة كفاءة أو ضعف في استراتيجيات التوظيف والاحتفاظ، فإن الاحتفاظ بالموظفين يمثل مقياسًا لجودة البيئة المؤسسية وقدرتها على دعم الموظفين واحتواء احتياجاتهم.
-
السبب والنتيجة:
-
دوران الموظفين يحدث عادة بسبب عوامل متعددة مثل قلة فرص النمو الوظيفي، بيئة العمل السلبية، انخفاض الرواتب، أو القيم المؤسسية التي لا تتماشى مع احتياجات الموظف.
-
الاحتفاظ بالموظفين يعتمد على قدرة المؤسسة في إنشاء بيئة صحية ومستدامة تجذب الموظفين وتحافظ عليهم، مع تلبية احتياجاتهم المهنية والشخصية.
-
-
التكلفة والتأثير:
-
دوران الموظفين يعد عملية مكلفة من حيث التوظيف والتدريب وإعادة بناء فرق العمل. وفي بعض الحالات، يمكن أن يؤثر سلبًا على الإنتاجية العامة والمعنويات داخل الفريق.
-
الاحتفاظ بالموظفين يوفر على الشركات تكاليف التوظيف والتدريب، كما يعزز من الاستقرار المؤسسي ويشجع على الابتكار والإنتاجية العالية.
-
-
الآثار على الثقافة المؤسسية:
-
دوران الموظفين يمكن أن يؤدي إلى فقدان المهارات الحيوية ويؤثر سلبًا على ثقافة العمل، حيث قد يصبح من الصعب بناء فريق عمل متماسك وفعّال.
-
الاحتفاظ بالموظفين يعزز من قوة الفريق ويعطي الفرصة لبناء ثقافة مؤسسية مرنة وداعمة، حيث يكون الموظفون أكثر انخراطًا وولاءً للمنظمة.
-
رابعاً: أسباب دوران الموظفين
تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى دوران الموظفين، ومن أبرز هذه الأسباب:
-
انعدام الفرص الوظيفية:
الموظفون الذين يشعرون بأنهم لا يملكون فرصة للتطور المهني أو التقدم داخل المنظمة يكونون أكثر عرضة للبحث عن فرص في أماكن أخرى. -
بيئة العمل السلبية:
بيئة العمل التي تفتقر إلى الدعم والتشجيع يمكن أن تؤدي إلى شعور الموظفين بالإحباط وفقدان الحافز، مما يجعلهم يفكرون في مغادرة المنظمة. -
الأجر والمزايا غير المناسبة:
الرواتب والمزايا التنافسية تلعب دورًا كبيرًا في احتفاظ الموظفين. عدم تقديم حوافز مالية جيدة قد يؤدي إلى رحيل الموظفين لصالح الشركات التي تقدم عروضًا مغرية. -
المشاكل في القيادة والإدارة:
القيادة غير الفعالة أو عدم وجود تواصل كافٍ بين الإدارة والموظفين قد يؤدي إلى بيئة عمل متوترة وغير مريحة، مما يدفع الموظفين إلى المغادرة.
خامساً: استراتيجيات الاحتفاظ بالموظفين
من أجل تقليل معدل دوران الموظفين وتعزيز الاحتفاظ بهم، يمكن للمؤسسات اتباع عدة استراتيجيات مبتكرة وفعّالة:
-
توفير فرص النمو والتطور المهني:
يجب على المؤسسات أن تتيح للموظفين فرصًا للتعلم والتطور من خلال برامج تدريبية ودورات متخصصة. كما أن توفير فرص للترقية يعزز من التزام الموظفين. -
تحسين بيئة العمل:
يمكن للمؤسسات خلق بيئة عمل مرنة وداعمة من خلال تحسين ظروف العمل، مثل توفير ساعات عمل مرنة، ومرافق راحة مناسبة، وتعزيز التوازن بين الحياة المهنية والشخصية. -
تقديم حوافز مالية ومزايا تنافسية:
من المهم تقديم حوافز مالية جيدة، بالإضافة إلى مزايا أخرى مثل التأمين الصحي، وبرامج التقاعد، والمكافآت المالية بناءً على الأداء. -
تعزيز الثقافة المؤسسية:
تتطلب ثقافة العمل الجيدة أن تكون المؤسسة شفافة في تواصلها، وتحترم موظفيها، وتعزز روح العمل الجماعي. المؤسسات التي تبني علاقات إيجابية مع موظفيها تتمكن من الاحتفاظ بالكوادر البشرية المتميزة. -
الاستماع لاحتياجات الموظفين:
يجب على المؤسسات أن تضع أنظمة لجمع التغذية الراجعة من الموظفين وتوفير وسائل فعالة للاستماع إلى مطالبهم واحتياجاتهم. مما يعزز من إحساس الموظفين بقيمتهم داخل المنظمة.
سادساً: الأثر طويل المدى لدوران الموظفين على المؤسسة
يؤثر دوران الموظفين بشكل كبير على استدامة نمو المؤسسة على المدى الطويل. عندما يتزايد معدل دوران الموظفين، تصبح المؤسسات أكثر عرضة للخسائر المالية، حيث تتكبد تكاليف التوظيف والتدريب، إضافة إلى ضعف الإنتاجية التي قد تنتج عن التغيرات المستمرة في فرق العمل.
كما أن دوران الموظفين يؤدي إلى تآكل الخبرات والمهارات الخاصة بالشركة، مما يقلل من قدرتها على الابتكار والتكيف مع التغيرات السوقية. ولذلك، تصبح إدارة الاحتفاظ بالموظفين أداة استراتيجية تساهم في تعزيز القدرة التنافسية للمؤسسة.
سابعاً: الاستفادة من البيانات والتحليلات لتحسين استراتيجيات الاحتفاظ
من أجل تحسين استراتيجيات الاحتفاظ بالموظفين، يتعين على المؤسسات استخدام البيانات والتحليلات بفعالية. يمكن استخدام أدوات تحليل البيانات لفهم أسباب دوران الموظفين بشكل أعمق، مثل تحليل الأسباب المحتملة للاستقالات أو ترك الموظفين للمؤسسة. بناءً على هذه البيانات، يمكن تصميم استراتيجيات موجهة بشكل دقيق لمعالجة المشكلات التي قد تواجه الموظفين وتحقيق أقصى استفادة من القوى العاملة.
من خلال التركيز على هذه الاستراتيجيات والجهود المستمرة لتحسين بيئة العمل، يمكن للمؤسسات تقليل دوران الموظفين بشكل كبير وتعزيز الاحتفاظ بالكوادر البشرية الموهوبة والمتميزة.
