أكبر الأديان في موريتانيا

أكبر الأديان في موريتانيا، الإسلام، المذهب المالكي، الصوفية، التنوع الديني في موريتانيا

تُعد موريتانيا من الدول التي تتميز بهوية دينية موحدة إلى حد كبير، حيث يحتل الإسلام مكانة مركزية في الحياة اليومية والثقافية والسياسية للمجتمع الموريتاني. وتعد البلاد نموذجًا مميزًا في العالم الإسلامي من حيث التمسك بتعاليم الدين الإسلامي والانخراط العميق في المبادئ والقيم الدينية التي تُرسي دعائم الحياة الاجتماعية والثقافية للمواطنين. ورغم هذا التماسك الديني الظاهري، إلا أن هناك تنوعًا داخليًا يعكس الفروقات المذهبية والتيارات الفكرية الإسلامية الموجودة، إلى جانب وجود أقليات دينية محدودة ولكنها حاضرة في السياق العام.

في هذا المقال، سيتم التطرق بتفصيل إلى الدين الرئيسي في موريتانيا، والملامح المذهبية التي تميّز هذا الانتماء الديني، مع تسليط الضوء على التأثيرات الصوفية، الأبعاد السياسية والاجتماعية للدين، وأيضًا تناول مسألة الأقليات الدينية في البلاد، على الرغم من محدوديتها.

الإسلام: الدين السائد

يمثل الإسلام الدين الرسمي للدولة في موريتانيا، وتبلغ نسبة المسلمين أكثر من 99.9% من إجمالي السكان. هذا التوحد الديني يعدّ من السمات الأساسية للمجتمع الموريتاني، حيث تنص المادة الخامسة من الدستور الموريتاني على أن “الإسلام هو دين الشعب والدولة”. وبذلك، فإن جميع القوانين والتشريعات والسياسات العامة في البلاد تستند بشكل مباشر إلى مبادئ الشريعة الإسلامية.

الإسلام في موريتانيا ليس فقط هوية دينية، بل هو أسلوب حياة متكامل، يتجلى في العادات الاجتماعية، التقاليد الثقافية، النظام القضائي، التعليم، وحتى الاقتصاد. فالدولة تعتمد على منظومة من القوانين المدنية التي تستلهم الشريعة الإسلامية، خاصة في مجالات الأحوال الشخصية، المواريث، الزواج، والطلاق.

المذهب المالكي: العمود الفقهي للمجتمع

يتبع أغلب سكان موريتانيا المذهب المالكي، وهو أحد المذاهب الفقهية الأربعة في الإسلام السني، ويُعرف هذا المذهب بمرونته في الفتوى واعتماده الكبير على المصلحة المرسلة والعرف. وتاريخيًا، دخل المذهب المالكي إلى موريتانيا مع الفتوحات الإسلامية وتوسع نفوذ الدولة الإسلامية في شمال إفريقيا خلال القرن الثامن الميلادي، ليصبح المذهب الرسمي والشائع بين العلماء والمتعلمين.

وقد أسهم هذا المذهب في تكوين البنية الاجتماعية والدينية التقليدية للمجتمع الموريتاني، خاصة من خلال “المحاظر”، وهي مدارس دينية تقليدية منتشرة في جميع أنحاء البلاد وتُدرِّس علوم القرآن والحديث والفقه المالكي والنحو والصرف. تعتبر هذه المؤسسات من الركائز الأساسية في تثبيت المعرفة الدينية ونقل التراث الإسلامي للأجيال.

وتتميز المحاظر الموريتانية بإنتاج علمي غزير، وقد خرّجت العديد من العلماء المشهورين الذين لعبوا دورًا كبيرًا في نشر المذهب المالكي في منطقة غرب إفريقيا، وبذلك أضحت موريتانيا تُعرف بـ”بلد المليون شاعر والفقيه”.

الحضور الصوفي وتأثير الطرق الصوفية

بالإضافة إلى التمذهب المالكي، يُشكل التصوف بعدًا روحيًا عميقًا في الحياة الدينية لموريتانيا. تُعد الطرق الصوفية من أبرز الحركات الإسلامية التي أثرت في تشكيل الوعي الديني للموريتانيين، وخاصة في القرى والأرياف. من أشهر الطرق الصوفية الموجودة في موريتانيا: الطريقة القادرية والطريقة التجانية.

تلعب الزوايا الصوفية دورًا اجتماعيًا وتعليميًا كبيرًا، حيث لا تقتصر وظيفتها على الجانب الروحي، بل تمتد إلى تقديم خدمات اجتماعية، مثل التعليم، حل النزاعات، الإرشاد، وحتى دعم الفقراء والمحتاجين. وقد ساعدت هذه الطرق في تعزيز قيم التسامح والتعايش داخل المجتمع، كما شكّلت صمام أمان للتماسك الاجتماعي في مواجهة التحديات الخارجية والتيارات الفكرية المتشددة.

وفي بعض الأحيان، تتداخل الطرق الصوفية مع الهياكل السياسية التقليدية، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من النظام الثقافي والاجتماعي للبلاد.

البنية المؤسسية والدينية في الدولة

تخضع الشؤون الدينية في موريتانيا لإشراف وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، التي تتولى تنظيم الحج، مراقبة المساجد، تدريب الأئمة والفقهاء، وضبط الخطاب الديني وفق توجيهات الدولة. وتسعى الوزارة إلى المحافظة على وحدة المذهب الديني الرسمي، وتحجيم الخطابات المتطرفة أو الانحرافات الفكرية.

وتتلقى المساجد في موريتانيا دعمًا من الدولة، وهناك رقابة صارمة على مضمون الخطب الدينية، خاصة في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها منطقة الساحل والصحراء. وتؤكد الحكومة بشكل مستمر على التزامها بالإسلام المعتدل والمنفتح، كخط دفاع أساسي في مواجهة التطرف والعنف الديني.

الطوائف والتيارات الإسلامية الأخرى

رغم سيطرة المذهب المالكي، إلا أن هناك وجودًا لبعض التيارات الإسلامية الأخرى، التي تنشط ضمن هامش ضيق ومراقب. من بين هذه التيارات:

• السلفية: وهي تيارات محافظة تسعى للعودة إلى الأصول الأولى للإسلام، وتنتقد أحيانًا التصوف وبعض الممارسات الدينية التقليدية. يُنظر إلى السلفيين في موريتانيا بعين الريبة أحيانًا، نتيجة للربط بين بعض الاتجاهات السلفية والتطرف.

• الإخوان المسلمون: يتواجد هذا التيار بشكل محدود، وله تعبيرات سياسية عبر أحزاب معترف بها رسميًا، مثل حزب “تواصل” الذي يمثل الواجهة السياسية للفكر الإسلامي الإصلاحي.

• الشيعة: هناك تقارير غير رسمية تتحدث عن وجود محدود للطائفة الشيعية في موريتانيا، رغم أن السلطات لا تعترف بأي طائفة شيعية بشكل رسمي، وتقوم أحيانًا بمنع الأنشطة التي يُشتبه في علاقتها بالتشيع.

الأقليات الدينية

على الرغم من سيطرة الإسلام شبه المطلقة، إلا أن هناك وجودًا لبعض الأقليات الدينية الصغيرة، خاصة من المقيمين الأجانب أو بعض المواطنين المنتمين لأديان أخرى مثل المسيحية. تشير التقديرات إلى أن عدد المسيحيين في موريتانيا لا يتجاوز بضع آلاف، ومعظمهم من العمال المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.

تمارس هذه الأقليات شعائرها الدينية ضمن نطاق مغلق وخاص، ولا يُسمح بالتبشير أو إنشاء كنائس علنية موجهة للموريتانيين المسلمين. وتكفل الدولة في دستورها حرية المعتقد، ولكنها تربط ذلك بعدم الإخلال بالنظام العام وبالطابع الإسلامي للدولة.

العلاقة بين الدين والسياسة

يشكل الإسلام عنصرًا رئيسيًا في السياسة الموريتانية، حيث لا يُمكن الترشح لرئاسة الجمهورية دون أن يكون المرشح مسلمًا. كما أن التشريعات والسياسات العامة تخضع لتأثير المرجعية الإسلامية، مما يجعل رجال الدين فاعلين سياسيين وإن بشكل غير مباشر.

وفي السياق السياسي، تُوظّف الهوية الدينية لتعزيز الشرعية وكسب الدعم الشعبي، وغالبًا ما يتجنب السياسيون الدخول في صراعات مع المؤسسات الدينية أو العلماء المؤثرين. ومع ذلك، تبذل الدولة جهدًا للحفاظ على الخطاب الديني الوسطي المعتدل، وتراقب عن كثب أي نشاط ديني يُحتمل أن يهدد الأمن العام أو يروّج للفكر المتطرف.

التعليم الديني

يشكّل التعليم الديني حجر الزاوية في النظام التربوي التقليدي في موريتانيا. المحاظر، كما سبق ذكرها، تُعد من أقدم المؤسسات التعليمية في البلاد، وتُدرّس العلوم الدينية والعربية والشرعية على نطاق واسع. وتُشكّل هذه المؤسسات مخزونًا فكريًا وثقافيًا حافظ على الهوية الدينية عبر القرون.

إلى جانب المحاظر، هناك المدارس الحديثة التي تُدرّس التربية الإسلامية كجزء أساسي من المناهج الدراسية، وتُشرف الدولة على مضامين هذه المواد لضمان اتساقها مع المرجعية الدينية الوطنية.

الدين في الحياة اليومية

تُعتبر الممارسات الدينية في موريتانيا جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي. الصلوات الخمس تُؤدى بانتظام، ويُحتفل بالأعياد الإسلامية مثل عيد الفطر وعيد الأضحى بطريقة جماعية ومهيبة. كما أن المناسبات الدينية مثل المولد النبوي الشريف تُعد من المناسبات ذات الطابع الاحتفالي الكبير في البلاد، وترافقها أنشطة فكرية وثقافية.

كما أن الطقوس الدينية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمناسبات الاجتماعية مثل الزواج والولادة والوفاة، حيث يُنظَّم كل ذلك وفق أعراف مستمدة من الإسلام والمذهب المالكي والتقاليد المحلية.

التحديات المستقبلية

رغم التماسك الديني الظاهري، تواجه موريتانيا عدة تحديات في المجال الديني، أبرزها:

• مكافحة الفكر المتطرف: خصوصًا في ظل تصاعد الحركات المتشددة في منطقة الساحل.

• تحديث التعليم الديني: بما يحقق التوازن بين الأصالة والانفتاح على العصر.

• تنظيم الخطاب الديني: لمنع استغلال الدين لأهداف سياسية أو أيديولوجية.

• ضمان حقوق الأقليات: ضمن الإطار الدستوري والاحترام المتبادل، دون المساس بالهوية الإسلامية للدولة.

خاتمة

تشكل الهو