كيفية حماية نفسك من ترقق العظام: دليل شامل للحفاظ على صحة العظام

يُعد ترقق العظام (الهشاشة العظمية) من المشكلات الصحية الشائعة التي تؤثر على الملايين حول العالم، خصوصًا مع التقدم في العمر. ويُعرف ترقق العظام بأنه حالة تقل فيها كثافة العظام وتضعف بنيتها، مما يزيد من احتمالية تعرضها للكسور بسهولة، حتى مع الإصابات البسيطة أو السقوط الخفيف. وعلى الرغم من أن هذه الحالة شائعة بين كبار السن، فإن الوقاية منها والعناية بصحة العظام تبدأ في وقت مبكر، ويمكن التحكم فيها أو تأخيرها باتباع أساليب صحيّة مدروسة.

في هذا المقال يتم استعراض عوامل ترقق العظام وأهميته، مع تقديم استراتيجيات عملية وطويلة الأمد للوقاية من هذه الحالة وتأمين صحة العظام.

مفهوم ترقق العظام وأسبابه

ترقق العظام هو حالة مرضية تتميز بفقدان العظام لكثافتها وصلابتها، حيث يصبح العظم أقل كثافة وأكثر هشاشة، مما يجعل خطر الإصابة بالكسور أكبر. العظام الطبيعية تكون مثل هيكل صلب مملوء بشبكة من الثقوب الصغيرة، وفي حالة الترقق تزداد هذه الثقوب وتوسعها، الأمر الذي يضعف العظم.

الأسباب والعوامل المؤدية لترقق العظام:

• التقدم في السن: مع التقدم في العمر تقل قدرة الجسم على بناء عظام جديدة، بينما تستمر عمليات تكسير العظام، مما يؤدي إلى نقص في الكثافة.

• انخفاض مستويات هرمون الإستروجين لدى النساء بعد انقطاع الطمث، وهذا يجعل النساء أكثر عرضة للترقق مقارنة بالرجال.

• نقص الكالسيوم وفيتامين د: هما عنصران أساسيان لبناء وصيانة العظام.

• قلة النشاط البدني: ضعف العضلات والعظام نتيجة عدم ممارسة التمارين الحركية.

• التدخين والكحول: تؤثر سلبًا على عملية بناء العظام وتقلل من امتصاص الكالسيوم.

• الأدوية المزمنة مثل الكورتيكوستيرويدات تؤدي إلى فقدان العظام مع الوقت.

• الأمراض المزمنة مثل اضطرابات الغدة الدرقية أو الروماتويد.

كيف تحمي نفسك من ترقق العظام؟

الوقاية من ترقق العظام تعتمد على مجموعة من العوامل الصحية والنمط الحياتي، ومن المهم البدء في الاهتمام بها منذ سن مبكرة للحفاظ على صحة عظام قوية ومقاومة للكسور.

1. تناول كميات كافية من الكالسيوم

الكالسيوم هو المكون الأساسي للعظام، حيث يشكل 99% من كتلة العظام في الجسم. يحتاج الإنسان إلى كميات مناسبة يوميًا للحفاظ على توازن بناء وهدم العظام.

• المصادر الغذائية الغنية بالكالسيوم: تشمل الحليب ومشتقاته (كالجبن والزبادي)، الخضروات الورقية الداكنة مثل السبانخ والكرنب، الأسماك مثل السردين والسلمون المعلب (مع العظام)، والمكسرات.

• الكمية الموصى بها: تختلف حسب العمر، لكن البالغون يحتاجون عادة إلى 1000-1200 ملغ يوميًا.

2. الحصول على فيتامين د بشكل كافٍ

فيتامين د ضروري لامتصاص الكالسيوم من الأمعاء وضبط توازن الكالسيوم في الجسم، وبالتالي له دور رئيسي في تقوية العظام.

• مصادر فيتامين د: التعرض المعتدل لأشعة الشمس (10-15 دقيقة يوميًا على الوجه واليدين) هو المصدر الطبيعي الأفضل، كما يوجد في الأسماك الدهنية مثل السلمون والتونة وصفار البيض.

• المكملات: في حالات نقص فيتامين د، يمكن تناول مكملات فيتامين د تحت إشراف طبي.

3. ممارسة التمارين الرياضية بانتظام

النشاط البدني، خصوصًا التمارين التي تحمل وزن الجسم مثل المشي، الجري، وتسلق السلالم، يساهم في تعزيز كثافة العظام وتحفيز بنائها.

• تمارين تقوية العضلات: تساعد في دعم الهيكل العظمي والحفاظ على التوازن، ما يقلل من خطر السقوط والكسور.

• تمارين التوازن والمرونة: مثل اليوغا والبيلاتس، تساهم في تقليل فرص السقوط.

4. تجنب التدخين والكحول

التدخين يضر الخلايا التي تبني العظام ويقلل من امتصاص الكالسيوم، كما أنه يعطل توازن الهرمونات التي تحافظ على صحة العظام. كذلك، تناول الكحول بكميات كبيرة يعيق عملية بناء العظام ويزيد من معدلات فقدان الكثافة العظمية.

5. مراقبة الوزن وتناول غذاء متوازن

• الحفاظ على وزن صحي: زيادة الوزن المفرطة تسبب ضغطًا زائدًا على العظام، والنقص الحاد في الوزن يسبب فقدان العظام.

• توازن العناصر الغذائية: بالإضافة إلى الكالسيوم وفيتامين د، يجب تناول كميات كافية من البروتين، المغنيسيوم، الفوسفور، فيتامين ك، والزنك، حيث تلعب هذه العناصر أدوارًا مهمة في صحة العظام.

6. الفحص الطبي الدوري

في حالات الخطر، خصوصًا بعد سن الخمسين، يجب إجراء فحوصات كثافة العظام (DEXA scan) للكشف المبكر عن التغيرات في الكثافة العظمية.

• الفحص المبكر يسمح باتخاذ الإجراءات الوقائية أو العلاجية لتقليل مخاطر الكسور.

• العلاج الدوائي: عند التشخيص المبكر يمكن للطبيب وصف أدوية تساعد في تثبيط تكسير العظام أو تحفيز بنائها مثل البيسفوسفونات أو الهرمونات البديلة.

دور النظام الغذائي في حماية العظام

يتطلب بناء عظام قوية نظامًا غذائيًا متوازنًا غنيًا بالمغذيات الأساسية. يشكل الغذاء السليم ركيزة أساسية للحفاظ على الهيكل العظمي:

تأثير العوامل البيئية والنمط الحياتي على ترقق العظام

هناك العديد من العوامل الخارجية التي تؤثر على صحة العظام بشكل غير مباشر أو مباشر، ومن بينها:

• التعرض المفرط للشمس قد يؤدي إلى أمراض جلدية، بينما التعرض القليل جدًا يسبب نقص فيتامين د.

• قلة النشاط الحركي في الحياة الحديثة، خاصة مع الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية، يؤدي إلى ضعف العظام.

• الإجهاد المزمن والتوتر النفسي يمكن أن يؤثر سلبًا على توازن الهرمونات، بما في ذلك تلك المسؤولة عن صحة العظام.

• نقص النوم: يلعب دورًا مهمًا في عملية تجديد الخلايا بما فيها خلايا العظام.

العلاج الدوائي لترقق العظام

في الحالات التي يكون فيها ترقق العظام متقدمًا أو هناك خطر مرتفع للكسور، يستخدم الأطباء مجموعة من الأدوية التي تهدف إلى:

• تقليل تكسير العظام: مثل البيسفوسفونات (Alendronate, Risedronate).

• تحفيز بناء العظام: مثل التيريباراتيد (Parathyroid hormone analog).

• العلاج الهرموني: خصوصًا لدى النساء بعد انقطاع الطمث لتعويض نقص الإستروجين.

هذه الأدوية عادةً توصف مع توصيات حازمة حول تناول الكالسيوم وفيتامين د، ومتابعة طبية مستمرة لتقييم الفعالية والآثار الجانبية.

أهمية الدعم النفسي والاجتماعي في الحفاظ على صحة العظام

الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية تلعب دورًا غير مباشر في نمط الحياة الذي يؤثر على العظام. الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أو العزلة الاجتماعية يميلون إلى تبني عادات صحية أقل، مما يؤثر على تناولهم الغذائي ومستوى نشاطهم البدني، وبالتالي صحة عظامهم.

خاتمة

الحفاظ على صحة العظام والوقاية من ترققها عملية متكاملة تشمل نمط حياة صحي، نظام غذائي متوازن، ممارسة الرياضة، تجنب العوامل الضارة، والمتابعة الطبية الدورية. الاستثمار في صحة العظام منذ الصغر يقي من مشاكل عديدة في الشيخوخة، ويضمن جودة حياة أفضل مع تقدم العمر. هذه الإجراءات الوقائية تعزز من متانة العظام، وتقلل من مخاطر الكسور، مما يساهم في استمرار القدرة على الحركة والاستقلالية لفترة أطول.