حجم احتياطي الغاز الطبيعي العالمي: الواقع والآفاق المستقبلية

يُعد الغاز الطبيعي من أهم مصادر الطاقة في العالم، ويحتل مكانة استراتيجية في منظومة الاقتصاد العالمي، حيث يُستخدم على نطاق واسع في توليد الكهرباء، والصناعة، والتدفئة، والنقل، بل ويُنظر إليه باعتباره جسراً انتقالياً نحو مستقبل طاقوي أقل اعتماداً على الوقود الأحفوري. وقد ازدادت أهمية الغاز الطبيعي مع التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم، ما يجعل من الضروري تحليل وفهم حجم احتياطيه العالمي، وتوزيعه الجغرافي، وأبعاده الاقتصادية والسياسية والبيئية.

تعريف الغاز الطبيعي وأهميته الاستراتيجية

الغاز الطبيعي هو مزيج من الهيدروكربونات الخفيفة، يتكوّن بشكل أساسي من الميثان (CH4)، إلى جانب كميات متفاوتة من الإيثان والبروبان والبيوتان، بالإضافة إلى شوائب مثل ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء. يُستخرج الغاز الطبيعي من باطن الأرض، غالبًا في مكامن مشتركة مع النفط الخام، أو في مكامن غازية خالصة.

تكمن أهمية الغاز الطبيعي في كونه مصدرًا نظيفًا نسبيًا للطاقة مقارنة بالفحم والنفط، كما أنه يتمتع بفعالية حرارية عالية، ما يجعله مفضلاً في محطات توليد الكهرباء الحديثة. وقد ساهمت الابتكارات التكنولوجية، مثل التكسير الهيدروليكي ونقل الغاز المسال (LNG)، في جعل استغلاله أكثر جدوى في السنوات الأخيرة.

تقديرات حجم احتياطي الغاز الطبيعي العالمي

وفقًا لآخر التقارير الصادرة عن شركة بريتيش بتروليوم (BP) في تقرير الطاقة الإحصائي العالمي لعام 2024، يُقدر إجمالي احتياطي الغاز الطبيعي المؤكد في العالم بحوالي 200 تريليون متر مكعب (Tcm). وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام تعتمد على البيانات التي تقدمها الحكومات والشركات، ما يجعلها عرضة للتحديث المستمر مع التقدم في تقنيات الاستكشاف والحفر.

ويُعرّف الاحتياطي المؤكد بأنه الكمية من الغاز التي يُتوقع استخراجها اقتصاديًا وبدرجة عالية من اليقين، باستخدام التقنيات الحالية، ضمن الظروف التشغيلية والاقتصادية السائدة.

التوزيع الجغرافي لاحتياطيات الغاز الطبيعي

تُظهر البيانات الجغرافية أن احتياطي الغاز الطبيعي يتركز في عدد قليل من الدول التي تمتلك سيطرة كبيرة على سوق الطاقة العالمي. وفيما يلي جدول يوضح أكبر عشر دول من حيث حجم احتياطيات الغاز المؤكدة وفقًا لتقرير BP لعام 2024:

يتضح من الجدول أن آسيا والشرق الأوسط يمثلان القلب النابض لاحتياطيات الغاز الطبيعي، حيث تهيمن روسيا، وإيران، وقطر على ما يزيد عن 45% من الإجمالي العالمي.

العوامل المؤثرة في تقدير الاحتياطيات

يتأثر تقدير احتياطي الغاز الطبيعي بعوامل متعددة، منها:

1. التقدم التكنولوجي: كلما تطورت تقنيات الاستكشاف والحفر، أمكن اكتشاف احتياطيات جديدة في أعماق الأرض أو في مناطق صعبة الوصول، مثل البحار العميقة.

2. الجدوى الاقتصادية: تعتمد كمية الغاز القابل للاستخراج على السعر العالمي للغاز، حيث يمكن أن يؤدي انخفاض الأسعار إلى اعتبار بعض الحقول غير مجدية اقتصاديًا، والعكس صحيح.

3. السياسات الحكومية: تختلف منهجيات إعلان الاحتياطي بين الدول، وبعض الحكومات قد تميل إلى تضخيم أو تقليص الأرقام لأغراض سياسية أو اقتصادية.

4. البيئة الجيولوجية: تختلف طبيعة الصخور الحاضنة للغاز بين الحقول، ما يؤثر على سهولة الاستخراج وكفاءة الإنتاج.

الإنتاج العالمي للغاز الطبيعي

لا تعني الاحتياطيات الضخمة بالضرورة إنتاجاً مرتفعاً، إذ تعتمد معدلات الإنتاج على الاستثمارات والبنية التحتية والاستقرار السياسي. وتحتل الولايات المتحدة المركز الأول عالميًا في إنتاج الغاز، بفضل ثورة الغاز الصخري، تليها روسيا، ثم إيران وقطر.

وفي عام 2023، بلغ إجمالي الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي حوالي 4.1 تريليون متر مكعب، وفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية (IEA). ومن المتوقع أن يستمر الإنتاج العالمي في الارتفاع على المدى القريب، رغم التحديات البيئية والسياسية.

الغاز الطبيعي المُسال ودوره في إعادة تشكيل الأسواق

شهد العقد الأخير تحولاً جذريًا في سوق الغاز، بفعل التوسع الهائل في إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال (LNG)، الذي يُمكِّن من نقل الغاز إلى مسافات بعيدة باستخدام ناقلات خاصة. وتعد قطر وأستراليا والولايات المتحدة من أبرز مُصدِّري الغاز المسال، في حين تحتل اليابان، وكوريا الجنوبية، والصين، مراكز الصدارة في الاستيراد.

وقد ساهم الغاز المسال في تقليل الاعتماد على خطوط الأنابيب الثابتة، مما أتاح مرونة أكبر في العرض والطلب، كما أسهم في تقليل هيمنة بعض الدول المنتجة على أسواق معينة.

احتياطيات الغاز غير التقليدي

بالإضافة إلى الغاز التقليدي، تُعد احتياطيات الغاز غير التقليدي —مثل الغاز الصخري وغاز الفحم وغاز الميثان البحري— من الموارد الصاعدة في مشهد الطاقة العالمي. وتشير التقديرات إلى أن احتياطيات الغاز الصخري قد تضيف ما يصل إلى 700 تريليون متر مكعب من الموارد المحتملة، على الرغم من أن الجزء المؤكد منها يبقى محدودًا حتى الآن.

الولايات المتحدة وكندا والصين هي الدول الرائدة في تطوير الغاز غير التقليدي، إلا أن هذه العملية تُواجه تحديات بيئية وتنظيمية واسعة، تتعلق باستخدام كميات هائلة من المياه والتأثيرات الزلزالية.

الآثار الجيوسياسية لاحتياطيات الغاز الطبيعي

تمثل احتياطيات الغاز أداة جيوسياسية قوية للدول المالكة لها، حيث يمكن استخدامها للضغط أو لتقوية النفوذ الدولي. على سبيل المثال، تعتمد العديد من دول أوروبا على الغاز الروسي، مما يجعل من الطاقة ورقة ضغط تستخدمها موسكو في النزاعات الدولية.

وفي المقابل، تسعى الدول الغربية إلى تنويع مصادرها، من خلال تطوير البنية التحتية للغاز المسال، وبناء شراكات جديدة مع دول مثل قطر، الجزائر، والولايات المتحدة.

وقد أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تسريع هذه التحولات، عبر فرض العقوبات على الغاز الروسي وارتفاع الطلب على الغاز المسال الأمريكي والقطري.

مستقبل الغاز الطبيعي: بين الاستمرارية والتحول

رغم التوجه العالمي نحو الطاقة المتجددة، يُتوقع أن يظل الغاز الطبيعي جزءًا رئيسيًا من مزيج الطاقة العالمي حتى عام 2050 على الأقل، وذلك لأسباب متعددة:

• انخفاض انبعاثاته الكربونية مقارنة بالفحم والنفط.

• قدرته على دعم الطاقات المتجددة عند انخفاض الإنتاج (كمصدر طاقة احتياطي).

• توفر بنية تحتية متقدمة في العديد من الدول.

إلا أن مستقبل الغاز الطبيعي سيكون مرهونًا بالتطورات التالية:

1. التشريعات البيئية: كلما ازدادت صرامة القوانين المتعلقة بانبعاثات الكربون، ازدادت الضغوط على مشاريع الغاز الجديدة.

2. الاستثمارات الخضراء: تؤثر توجهات المستثمرين نحو المشاريع النظيفة على تمويل البنية التحتية للغاز.

3. الهيدروجين الأزرق: يُنتج من الغاز الطبيعي مع احتجاز الكربون، وقد يمثل نقطة توازن بين الطاقة النظيفة والموارد الحالية.

الخلاصة التقنية والاقتصادية

يبلغ حجم احتياطي الغاز الطبيعي العالمي حوالي 200 تريليون متر مكعب من الغاز المؤكد، موزعة بشكل غير متوازن جغرافيًا، حيث تهيمن روسيا، وإيران، وقطر على النسبة الأكبر من هذه الاحتياطيات. ويُعتبر هذا المورد دعامة أساسية للاقتصاد العالمي في ظل محدودية الموارد المتجددة من حيث الاعتمادية والتكلفة.

كما أن التحولات التكنولوجية، لا سيما في مجالات التسييل، والتنقيب غير التقليدي، قد وسّعت من الآفاق المستقبلية لهذا المورد. وفي المقابل، تقف التحديات البيئية والجيوسياسية حائلًا دون استدامة النمو في هذا القطاع، ما يجعل من الضروري تحقيق توازن دقيق بين الاستغلال الاقتصادي والمسؤولية البيئية.

المصادر:

• BP Statistical Review of World Energy – 2024

• International Energy Agency (IEA) – Gas Market Report 2024