إسحاق نيوتن: عالم الفيزياء والرياضيات الذي غيّر مسار العلم
إسحاق نيوتن (1642-1727) هو أحد أعظم العقول التي مرت عبر التاريخ، وواحد من مؤسسي العلوم الحديثة. يعتبر نيوتن حجر الزاوية في تطور العديد من العلوم الأساسية مثل الفيزياء والرياضيات، وكان له تأثير هائل في مجال الفلسفة الطبيعية، وهي فرع من الفلسفة يعنى بدراسة قوانين الطبيعة.
ولُد إسحاق نيوتن في 25 ديسمبر 1642 في وولثروب، كينت، إنجلترا، في عام وفاة الفيلسوف والفلكي الشهير جاليليو جاليلي. رغم أنه نشأ في بيئة صعبة، حيث فقد والده قبل ولادته وتوفيت والدته وهو في سن صغير، إلا أنه أظهر منذ صغره قدرة هائلة على التفكير النقدي والبحث في الطبيعة المحيطة به.
بداياته في التعليم
درس نيوتن في جامعة كامبريدج، حيث تأثر بتعلم الرياضيات والفلسفة الطبيعية. خلال سنواته الأولى في الجامعة، لم يكن معروفًا بعد، إلا أن اهتمامه الكبير في العلوم الرياضية والطبيعية بدأ يظهر تدريجياً. في عام 1665، اضطر نيوتن إلى مغادرة الجامعة بسبب وباء الطاعون، ولكن هذا لم يوقف تقدمه العلمي. خلال تلك الفترة، بدأ في تطوير العديد من الأفكار التي ستغير مجرى التاريخ.
قانون الجاذبية وقوانين الحركة
من أشهر إسهامات نيوتن هي اكتشافه لقانون الجاذبية العام. الأسطورة الشهيرة التي تقول إنه اكتشف الجاذبية حينما سقطت عليه تفاحة من شجرة قد تكون مبالغ فيها، لكن الحقيقة هي أنه بدأ في التفكير في كيفية تأثير القوة على الأجسام، وتوصل إلى أن جميع الأجسام في الكون تتأثر بقوة الجاذبية، وهي قوة تجذبها نحو مركز الأرض، ولكن هذه القوة تمتد أيضًا لتشمل الأجرام السماوية الأخرى مثل الكواكب.
وقد عمل نيوتن على دراسة حركة الأجسام، وابتكر قوانين حركة مشهورة تُعرف اليوم بقوانين نيوتن الثلاثة. القوانين هي:
-
القانون الأول (قانون القصور الذاتي): ينص على أن الجسم سيظل في حالته السكونية أو في حركة منتظمة ما لم تؤثر عليه قوة خارجية.
-
القانون الثاني: ينص على أن تسارع الجسم يتناسب طرديًا مع القوة المؤثرة عليه وعكسيًا مع كتلته.
-
القانون الثالث: ينص على أن كل فعل له رد فعل متساوي ومعاكس.
“المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية” (Principia)
عام 1687، نشر نيوتن عمله الأكثر شهرة “المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية” (المعروفة اختصارًا باسم “Principia”)، وهو الكتاب الذي يعد أحد أعظم الأعمال العلمية في التاريخ. في هذا الكتاب، وضع نيوتن الأسس الرياضية لقوانين الحركة والجاذبية، وقد قدم فيه شرحًا شاملاً لكيفية حركة الكواكب والأجرام السماوية وفقًا للقوانين التي اكتشفها.
إسهامات نيوتن في الرياضيات
بعيدًا عن الفيزياء، قدم نيوتن إسهامات هائلة في الرياضيات أيضًا. في فترة دراسته، اخترع نيوتن علم التفاضل والتكامل، وهو فرع من الرياضيات يدرس التغيرات في الكميات. هذا الاكتشاف كان له تأثير هائل في جميع العلوم الطبيعية والهندسية، حيث يمكن استخدامه لتحليل الحركة، وتحديد المسافات بين الأجرام السماوية، وفهم الظواهر الطبيعية الأخرى.
نيوتن والفلك
عمل نيوتن في مجال الفلك بعد أن أرسى أسس الجاذبية، حيث طبق مبادئه على حركة الكواكب والنجوم. في دراساته حول النظام الشمسي، استطاع نيوتن إثبات أن الكواكب تتحرك في مدارات بيضاوية حول الشمس، وهو ما يتماشى مع قوانين الحركة التي وضعها. كذلك، برهن على أن الجاذبية هي القوة التي تتحكم في حركة هذه الأجرام السماوية.
نيوتن والضوء
على الرغم من أن نيوتن يُعرف أكثر بإنجازاته في مجال الحركة والجاذبية، إلا أنه كان أيضًا من رواد دراسة الضوء. في عام 1704، نشر نيوتن كتابًا بعنوان “البصريات” حيث استعرض فيه تجاربه مع الضوء والألوان. اكتشف نيوتن أن الضوء الأبيض يتكون من مجموعة من الألوان المختلفة، وشرح كيف يمكن فصل هذه الألوان عن طريق المنشور الزجاجي. كما وضع مفهوم الطيف الضوئي، والذي يعد أحد الأسس التي قامت عليها دراسات الضوء لاحقًا.
الخلافات مع ليفنزي
على الرغم من إنجازاته العظيمة، إلا أن نيوتن واجه العديد من التحديات خلال حياته. أشهر خلافاته كانت مع عالم الرياضيات الألماني جوتفريد لايبنتز، الذي كان قد طور أيضًا حساب التفاضل والتكامل بشكل مستقل. كانت هذه المسألة سببًا في صراع طويل بين العلماء في تلك الفترة حول أسبقية الفضل لاختراع التفاضل والتكامل، وهي قضية أثيرت لفترة طويلة وتركزت على من كان أول من اكتشف هذا المجال من الرياضيات.
سنواته الأخيرة
بعد سنوات من العمل المكثف والإسهامات العلمية، تقاعد نيوتن من منصب رئيس الجمعية الملكية في عام 1715، لكنه استمر في العمل في مجالات مختلفة مثل الدراسات الكيميائية. في سنواته الأخيرة، كتب العديد من الرسائل، وعكف على دراسة الألغاز الدينية، حيث كان يؤمن بأن الكون ونظامه ينعكسان في تعاليم الدين. توفي نيوتن في 20 مارس 1727 عن عمر يناهز 84 عامًا.
إرث نيوتن
إرث إسحاق نيوتن لا يزال حيًا إلى اليوم. يعتبره العديد من العلماء والأكاديميين من أعظم المفكرين الذين أضافوا إلى الحضارة البشرية. اكتشافاته في مجال الجاذبية والحركة شكلت الأسس التي قام عليها الكثير من علوم الفيزياء الحديثة، كما أن إسهاماته في الرياضيات ساعدت في تطوير علوم الهندسة والفيزياء الفلكية.
في الختام، لا يمكن لأي حديث عن علم الفيزياء أو الرياضيات أن يكتمل دون ذكر إسحاق نيوتن، الذي كانت أعماله بمثابة ثورة في فهم الكون وقوانينه.
