كيف توفي عمر بن الخطاب؟
عمر بن الخطاب، ثاني الخلفاء الراشدين وأحد أعظم القادة العسكريين والسياسيين في تاريخ الإسلام، كان شخصية محورية في تاريخ الأمة الإسلامية، ومن الشخصيات التي تركت بصمة واضحة في تاريخ الخلافة الإسلامية. عرف عمر بن الخطاب بقوته وحزمه في اتخاذ القرارات، وكان يلقب بـ “الفاروق” لأنه كان يميز بين الحق والباطل. لكن، مثلما كان معروفًا بحكمته وشجاعته في ميدان المعركة، كان أيضًا معروفًا بتواضعه واهتمامه بشؤون رعيته. وعلى الرغم من كل هذه الصفات، فإن وفاة عمر بن الخطاب كانت مفاجئة ومدهشة، وأثرت في الأمة الإسلامية بشكل كبير. سنستعرض في هذا المقال الظروف التي أدت إلى وفاة الخليفة الثاني، وتفاصيل الحادثة وأثرها.
بداية الهجوم على عمر بن الخطاب
في عام 23 هـ (644م)، كان الخليفة عمر بن الخطاب في أوج قوته وحكمه. كان قد أتم العديد من الفتوحات الإسلامية الكبرى، وكان تحت قيادته الجيش الإسلامي قد دخل العراق وفارس والشام ومصر. وكان في عهده المسلمون قد وصلوا إلى مستويات عالية من القوة العسكرية والسياسية.
ومع هذا، لم يكن عمر بن الخطاب قد تخلّى عن هموم الأمة الإسلامية اليومية. كان يتنقل بين البلدان ويدير شؤون الدولة بشدة وحكمة. لكن في إحدى الليالي المظلمة، كانت الخلافة الإسلامية على موعد مع حادث مروع. فقد تعرض الخليفة لاعتداءٍ بالغ الأثر على يد رجل مغولي.
تفاصيل حادثة الاغتيال
يوم الثلاثاء 26 ذو الحجة 23 هـ، بينما كان عمر بن الخطاب يترأس الصلاة بالمسلمين في المسجد النبوي في المدينة المنورة، وقع الهجوم الذي أودى بحياته. في بداية الصلاة، كان الخليفة يُصلي بالناس صلاة الفجر. بينما كان يصلّي، كان يقف إلى جانبه أحد الصحابة الذي كان يتوقع، كغيره من المصلين، أن تمر الصلاة بسلام. لكن، قبل أن تنتهي الصلاة، قام شخص مجهول يُدعى “أبو لؤلؤة المجوسي” من خلف الصفوف، وكان يحمل خنجرًا مسمومًا.
استطاع هذا الرجل أن يتسلل من بين المصلين ويهاجم الخليفة من الخلف. أدخل الخنجر في بطن عمر بن الخطاب بطريقة بالغة الخطورة، وركض بعدها ليهرب. أصيب الخليفة إصابة بليغة، حيث تعرض لجروح عميقة في بطنه، وعُرف أن السم كان قد مُدّ إلى الخنجر الذي استُخدم في الهجوم.
ردود فعل الصحابة والجماهير
عقب إصابة عمر بن الخطاب، انهار من شدة الألم. ركض الصحابة نحو الخليفة، وبدأوا في محاولة إنقاذه. ولكن إصابته كانت عميقة جدًا، وبدأ يتدهور حاله بشكل سريع. قام الصحابة بحمل الخليفة إلى منزله، وكان على رأسهم الصحابي عبد الله بن عباس. وكان عمر بن الخطاب في حالة من الوعي التام حتى اللحظة الأخيرة. أثناء إصابته، طلب من الصحابة أن يستمروا في الصلاة على الرغم من حالته الصحية.
تمكن الصحابة من الإمساك بالقاتل الذي كان قد فر هاربًا بعد تنفيذ جريمته، وأدركوا من خلال التحقيق أنه كان شخصًا يحمل حقدًا تجاه المسلمين بشكل عام. وقد تبين لاحقًا أن أبو لؤلؤة كان فارسيًا من أتباع المجوس، وكان لديه دوافع شخصية ضد الخليفة.
اللحظات الأخيرة في حياة عمر بن الخطاب
أثناء تواجده في منزله، بدأ عمر بن الخطاب يدرك حجم إصابته بشكل كامل، فطلب من الصحابة أن يجتمعوا حوله. كان حالته الصحية تزداد سوءًا، حيث بدأ في النزيف الحاد بسبب إصابته العميقة. طلب الخليفة من الصحابة أن يوصوا خليفته الذي سيخلفه في منصب الخلافة، وكأنما كان يودعهم للمرة الأخيرة.
أوصى عمر بن الخطاب في تلك اللحظات بأن يتم انتخاب الخليفة من بين مجموعة مختارة من الصحابة. وعيّن لجنة مكونة من ستة أشخاص ليكونوا مسؤولين عن اختيار الخليفة الذي سيخلفه. وقد كانت تلك الوصية خطوة مهمة في تاريخ الإسلام، حيث تمثل بداية النظام الشوري في اختيار الخليفة.
وخلال تلك الساعات العصيبة، لم يتوقف عمر بن الخطاب عن توجيه النصائح والتوجيهات للمجتمع، وكان يدعو إلى الإيمان بالله والتمسك بالحق.
موت الخليفة عمر بن الخطاب
في اليوم التالي، بدأت حالة عمر بن الخطاب تتدهور أكثر، حيث أصيب بفقدان الوعي تمامًا، ودخل في غيبوبة شديدة. وأصبح الصحابة يجهزون أنفسهم لفقدان خليفتهم المحبوب. وفي 27 من ذو الحجة 23 هـ، توفي الخليفة عمر بن الخطاب عن عمر يناهز 63 عامًا.
كان لوفاته وقع كبير على الأمة الإسلامية. فقد فقد المسلمون قائدًا عظيمًا، وكانوا يعلمون أن خليفة مثله لا يتكرر. لم يكن فقط قائدًا عسكريًا بارعًا، بل كان أيضًا من أعظم القادة الإداريين الذين عرفهم التاريخ الإسلامي، حيث وضع أسسًا عديدة للحكم والإدارة لا تزال تُدرس حتى اليوم. وقد شعر المسلمون بحزن عميق، ولكنهم في الوقت نفسه استوعبوا ضرورة الحفاظ على الوحدة والعمل الجماعي.
آثار وفاة عمر بن الخطاب على الدولة الإسلامية
لم يكن فقدان الخليفة عمر بن الخطاب مجرد خسارة شخصية فقط، بل كانت له تبعات كبيرة على الدولة الإسلامية ككل. فبعد وفاته، انطلقت مشاورات عاجلة لاختيار خليفته، الذي وقع الاختيار عليه بعد مشاورات شورية على الخليفة عثمان بن عفان، ثالث الخلفاء الراشدين.
تعدّ فترة خلافة عمر بن الخطاب من أكثر الفترات ازدهارًا في تاريخ الدولة الإسلامية، وذلك بسبب إدارته الحكيمة التي ساعدت في توسع حدود الدولة الإسلامية بشكل غير مسبوق. كما أسس عمر بن الخطاب العديد من الأسس الإدارية التي ساهمت في استقرار الدولة الإسلامية لفترة طويلة بعد وفاته.
كان عهد عمر بن الخطاب أيضًا عصريًا في تطبيق العدالة بين الناس، وتفوق في تنظيم الأمور المالية للدولة، بالإضافة إلى جهوده في بناء المؤسسات القضائية والاجتماعية.
خاتمة
تُعد وفاة عمر بن الخطاب من الأحداث المفصلية في تاريخ الأمة الإسلامية، فقد فقد المسلمون قائدًا عظيمًا وأبًا حانيًا كان دائمًا في خدمة دينه وشعبه. وعلى الرغم من مرور العديد من القرون على وفاته، إلا أن إرثه ما زال حيًا في ذاكرة الأمة الإسلامية، وما زال يتم دراسته وتقديمه كنموذج للعدالة والإدارة الحكيمة.
