تعريف الفاسقين وأثرهم

من هم الفاسقون

يُعد مصطلح “الفاسقون” من المصطلحات القرآنية الدقيقة التي وردت في مواضع عدة من كتاب الله تعالى، ويحمل دلالة شرعية وأخلاقية واجتماعية عميقة في المنظور الإسلامي. ويشير هذا المصطلح إلى فئة من الناس خرجوا عن طاعة الله وأوامره، فوقعوا في المعصية والضلال، وانحرفوا عن منهج الحق. ومما لا شك فيه أن الفسق هو من أكبر المزالق الأخلاقية التي تهدد تماسك المجتمعات المسلمة وتُضعف صلتها بالله، وتُشوّه صورتها القيمية أمام العالم.

هذا المقال يتناول تعريف الفسق والفاسقين من المنظور اللغوي والشرعي، ويستعرض صفاتهم في القرآن الكريم والسنة النبوية، ويبين خطورة الفسق وآثاره في الدنيا والآخرة، إضافة إلى بيان الفرق بين الفاسق والمنافق والكافر، وسُبل العلاج من الفسق والوقاية منه.

تعريف الفسق في اللغة والاصطلاح

في اللغة، الفسق مشتق من مادة “فَسَقَ” التي تدل على الخروج والانفلات، ويُقال: “فسقت الرطبة عن قشرها”، أي خرجت منه. ومن هنا جاءت دلالة الكلمة في الشرع الإسلامي لتدل على الخروج عن طاعة الله تعالى، والانفلات من حدود شرعه.

أما في الاصطلاح الشرعي، فالفسق هو الخروج عن طاعة الله بارتكاب الكبائر أو الإصرار على الصغائر، وهو ضد الاستقامة والعدالة. وقد عرفه بعض العلماء بأنه: “العدول عن طاعة الله إلى معصيته، سواء بالفعل أو بالقول أو بالاعتقاد”.

أنواع الفسق

ينقسم الفسق في الفقه الإسلامي إلى نوعين رئيسيين:

1. الفسق الأكبر (الفسق المخرج من الملة):
   
   وهو الفسق الذي يترتب عليه الخروج من دائرة الإسلام، مثل إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو الاستهزاء بالشريعة، أو الكفر بالله ورسوله. وصاحبه يُعد من الكافرين، ويترتب عليه ما يترتب على الكفر من أحكام في الدنيا والآخرة.

2. الفسق الأصغر (الفسق غير المخرج من الملة):
   
   وهو الفسق الذي لا يخرج صاحبه من دائرة الإسلام، لكنه ينقص من إيمانه، ويعرضه لعقوبة الله. وهو يشمل ارتكاب الكبائر دون توبة، مثل شرب الخمر، وأكل الربا، والزنا، والسرقة، والغيبة، والنميمة، والظلم.

صفات الفاسقين في القرآن الكريم

ورد ذكر الفاسقين في مواضع متعددة من القرآن، وذُكرت لهم صفات متنوعة، توضح سلوكهم ومواقفهم. ومن أبرز هذه الصفات:

الفاسق في السنة النبوية

أوردت السنة النبوية عدة أحاديث توضح خطر الفسق، وتبين بعض ملامح الفاسقين وسلوكهم. من ذلك:

• عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
  
  “سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر” [رواه البخاري ومسلم].
  
  هذا الحديث يُبرز كيف أن إيذاء المسلم بالكلام يُعد من الفسق، وهو سلوك منبوذ.

• وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
  
  “آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان” [رواه البخاري ومسلم].
  
  هذه الصفات الثلاث هي من علامات الفسق وإن اجتمعت في المنافق.

الفرق بين الفاسق والمنافق والكافر

آثار الفسق في الدنيا والآخرة

في الدنيا:

• انعدام الثقة بين الناس: الفاسق لا يُؤتمن على مال أو عرض أو عهد.

• ضياع الحقوق: لأن الفاسق لا يلتزم بالعدل أو بالأمانة.

• تفشي الفتن: الفاسق قد يكون سببًا في إثارة الفتن بين المسلمين.

• الهوان والذل: الأمة التي يكثر فيها الفسق تُصاب بالذل والضعف أمام أعدائها.

في الآخرة:

• الحرمان من رحمة الله: {إن الله لا يهدي القوم الفاسقين}.

• الخلود في العذاب إن مات على الفسق دون توبة: خاصة إذا بلغ فسقه حد الكفر أو النفاق.

• الحشر مع الظالمين والمجرمين: كما في قوله تعالى: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدًا، ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًا}.

الفاسق في المجتمع الإسلامي

في الأحكام الشرعية، لا يُقبل خبر الفاسق في الشهادة، ولا يُؤخذ بقوله في الرواية إلا إن تاب واستقام. قال الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6].

الفقهاء أجمعوا على أن الفاسق لا يُولى القضاء، ولا يُعهد إليه بالإمامة العامة، ولا يكون إمامًا في الصلاة إلا في حالات الضرورة، لأن فسقه يُنافي العدالة والورع.

وسائل الوقاية من الفسق

1. التمسك بالعلم الشرعي: العلم نور، وهو الذي يحفظ المسلم من الانحراف، ويجعله على بصيرة من دينه.

2. الصحبة الصالحة: الصديق الصالح يُعين على طاعة الله ويذكر بالخير.

3. الإكثار من الذكر والاستغفار: لأن القلب إذا صلح صلح الجسد كله.

4. مراقبة النفس ومحاسبتها: وعدم التساهل في الذنوب، خاصة الصغائر، لأنها تُفضي إلى الكبائر.

5. التوبة النصوح: قال تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}.

التوبة من الفسق

الباب مفتوح لكل فاسق تاب وأناب إلى الله. فالتوبة الصادقة تمحو الذنوب جميعها مهما عظمت. وقد قال الله تعالى:

{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعًا} [الزمر:53].

وقد تاب الله على الكثير من الفاسقين فصاروا من الصالحين. ومنهم الصحابي الجليل الفضيل بن عياض، الذي كان قاطع طريق، ثم تاب فصار من كبار العُبّاد.

خلاصة

الفاسقون هم أولئك الذين خرجوا عن طاعة الله تعالى، إما بالكبائر أو بالإصرار على المعاصي، فاستحقوا هذا الوصف الشرعي الذي يدل على الانحراف عن الصراط المستقيم. وقد بيّن القرآن الكريم صفاتهم، وكشف مخاطرهم، وحذّر من الاقتداء بهم أو الانجراف معهم، لما في ذلك من عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع.

والواجب على المسلم أن يكون حذرًا من الوقوع في الفسق، وأن يسعى جاهدًا لتزكية نفسه، والالتزام بأوامر الله تعالى ونواهيه، والتوبة الصادقة عند كل زلة، لعل الله أن يرحمه ويتجاوز عنه.

المراجع:

1. تفسير ابن كثير.

2. كتاب “مدارج السالكين” لابن القيم.