صفات الله في الحديث الشريف

صحة حديث (إن الله عز وجل حليم حيي ستير)

يعد الحديث النبوي الشريف “إن الله عز وجل حليم حيي ستير” من الأحاديث التي تتعلق بصفات الله تعالى، وهي تشير إلى بعض من أهم خصائص الله سبحانه وتعالى، التي تظهر في سلوكه في تعامله مع عباده. وقد ورد هذا الحديث في سياقات متعددة لبيان مدى عظمة ورقة صفات الله تعالى تجاه خلقه. سنتناول في هذا المقال صحة الحديث من خلال دراسة سنده ومتن الحديث، وكذلك فهم معاني الألفاظ الواردة فيه، بالإضافة إلى تفسيره وبيان دلالته في الشريعة الإسلامية.

1. سند الحديث ومراجع تخريجه

الحديث “إن الله عز وجل حليم حيي ستير” ورد في مجموعة من كتب الحديث الشهيرة مثل صحيح مسلم و سنن الترمذي. وقد جاء الحديث في إطار وصف الله تعالى في بعض خصائصه، وهو يُعتبر حديثًا صحيحًا في عمومه وفقًا لعلماء الحديث.

أما بالنسبة لسند الحديث، فهو يتكون من سلسلة من الرواة الذين نقلوا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتعتبر سلسلة الرواة في هذا الحديث سليمة وفقًا لأصول علوم الحديث. حيث يتميز السند بالثقة والمصداقية، ويعتمد عليه العلماء في تصنيفه ضمن الأحاديث الصحيحة.

على الرغم من أن الحديث جاء في سياق ديني وثقافي واسع، إلا أن الباحثين في مجال علم الحديث قد أكدوا صحته بعد دراستهم الدقيقة لسلسلة الرواة وتوثيقاتهم، مما يجعله حديثًا قويًا يعتمد عليه.

2. تفسير الكلمات الواردة في الحديث

لنتمكن من فهم أعمق لمعنى الحديث، من الضروري أن نُحلل الألفاظ الواردة فيه، وهي “حليم”، “حيي”، و”ستير”. كل من هذه الكلمات تحمل معاني عميقة تتعلق بصفات الله تعالى.

حليم:

الحلم في اللغة يعني التريث والسكينة، وهو ضد الغضب. أما في سياق الحديث، فالحليم هو الذي لا يعجل بالعقوبة على المخطئ، بل يعفو ويغفر ويعطي الفرصة للعبد للتوبة. هذه الصفة تؤكد على أن الله تعالى لا يعاقب عباده بشكل سريع أو قاسي، بل يظهر صبرًا ورحمة في تعامله معهم. فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: “وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ” (فاطر: 45)، ما يعكس حلم الله عز وجل ورحمته العظيمة.

حيي:

أما الحياء فهو يعني الخجل أو الترفع عن فعل الأشياء التي تسيء للآخرين أو تكون مستنكرة. في وصف الله تعالى بـ “حيي”، فإن المعنى المقصود هو أن الله سبحانه وتعالى يستحيي من أن يعذب عباده بلا مبرر، كما أن الله لا يرضى عن التجاوزات التي قد تضر بالبشر. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “إن الله يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً”، مما يعكس حياء الله تعالى وكرمه.

ستير:

الستارة تعني التغطية أو الإخفاء. وعندما يوصف الله تعالى بالستير، فهذا يعني أنه يستر على عباده عيوبهم وأخطائهم، ويغفر لهم ما يظهر منهم من زلات. في القرآن الكريم، نجد أن الله تعالى قد وصف نفسه بكونه “الستار” كما قال: “إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا” (النساء: 96). كما أن الله تعالى يستر على عباده في الدنيا ويمنحهم الفرصة للتوبة دون أن يعرضهم للفضيحة أو العقاب العاجل.

3. تفسير معنى الحديث

إن الحديث الشريف “إن الله عز وجل حليم حيي ستير” يجسد معاني عظيمة تتعلق بكمال الله سبحانه وتعالى ورحمته، ويوضح كيفية تعامل الله مع عباده الذين قد يقعون في الخطأ. فهو يعلمنا أن الله عز وجل ليس فقط ذو قدرة عظيمة على محاسبة خلقه، بل هو أيضًا شديد الرحمة واللطف بهم.

الحلم الإلهي

الحلم في هذا السياق يُظهر كرم الله تعالى في عدم معاقبة عباده فورًا على أفعالهم السيئة. بدلاً من ذلك، الله سبحانه وتعالى يُمهل عباده ويمنحهم الفرصة للتوبة والتكفير عن ذنوبهم. هذه السمة تبرز بوضوح في القرآن الكريم في العديد من الآيات التي تشجع المؤمنين على الرجوع إلى الله وطلب التوبة.

الحياء الإلهي

أما حياء الله تعالى فيظهر من خلال معاملته للعباد، فقد استحيى من أن يُؤاخذهم بسرعة، وهو لا يحب أن يُفضح عباده على الرغم من الأخطاء التي قد يرتكبونها. وفي هذا، يظهر الله بأعلى درجات الرأفة والرحمة.

الستر الإلهي

الستر هو صفة إلهية عظيمة، حيث أن الله سبحانه وتعالى لا يعرض عباده للفضيحة، بل يسترهم في الدنيا ولا يفضحهم بسبب ما ارتكبوه من معاصي أو أخطاء. إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يغطي عيوبنا وأخطائنا بالستر، مما يعكس رحمته الواسعة وعطفه على خلقه.

4. دلالات الحديث في حياة المسلم

الحديث الشريف “إن الله عز وجل حليم حيي ستير” يُظهر للمسلمين كيف يجب عليهم أن يتعاملوا مع أنفسهم ومع الآخرين. هذا الحديث يحتوي على رسائل عظيمة تتعلق بتربية المسلم وتوجيهه نحو الفضائل.

تعليم المسلم الصبر والتواضع

من خلال وصف الله تعالى بالحليم، يُعلم المسلم كيف أن عليه أن يتحلى بالصبر عند مواجهة الآخرين، خاصةً عندما يخطئون في حقه. الحلم هو من أبرز خصال المسلم الذي ينبغي أن يسعى جاهدًا لتحقيقها في حياته اليومية.

الحث على التوبة والاستغفار

هذا الحديث يذكّر المسلم بأهمية التوبة إلى الله عز وجل. إذ يوضح أن الله تعالى لا يعجل بالعقوبة بل يعطي الفرصة لعباده للتوبة. وعليه، يجب على المسلم أن لا ييأس من رحمة الله تعالى مهما كانت ذنوبه.

الاسترشاد برحمة الله وعفوه

ينبغي على المسلم أن يستشعر رحمة الله الواسعة، ولا ينسى أن الله ستر على عباده وغطى عليهم أخطاءهم وذنوبهم. هذا الاستشعار يدفع المسلم للعمل الصالح والسعي الدائم نحو التوبة والاستغفار.

5. الأثر النفسي للحديث على المسلم

من الناحية النفسية، فإن الحديث يبعث في قلب المؤمن الراحة والطمأنينة. فالتأكيد على صفات الحلم والحياء والستر تدل على أن الله تعالى يرحم عباده ولا يحب أن يظهر خطاياهم. وهذا يعزز شعور المسلم بالأمان والراحة النفسية، حيث يعلم أن الله دائمًا يغفر ويعفو، مما يُسهم في تقوية العلاقة بين العبد وربه.

6. خاتمة

يعد حديث “إن الله عز وجل حليم حيي ستير” من الأحاديث التي تحمل معاني عظيمة تبرز كمال الله سبحانه وتعالى في كل صفاته. من خلال هذا الحديث، يُعلم المسلمون كيف ينبغي أن يتحلوا بصفات الله تعالى من الحلم والحياء والستر في حياتهم اليومية. كما يُشجع هذا الحديث المسلمين على أن يتوبوا ويستغفروا الله في كل الأوقات، فهو سبحانه وتعالى يتسم بالرحمة والكرم العميق تجاه عباده.