تخلّصي من المغازلات الهاتفية: خطرها، أسبابها، وكيفية التصدي لها

تُعتبر المغازلات الهاتفية واحدة من الظواهر الاجتماعية التي انتشرت بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة، خصوصًا مع انتشار الهواتف المحمولة وسهولة الوصول إلى الآخرين عبر المكالمات والرسائل النصية، ثم عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي لاحقًا. وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة قد تبدو سطحية أو بسيطة للبعض، إلا أنها تنطوي على أبعاد نفسية واجتماعية خطيرة، لا سيما عندما تستهدف الفتيات أو النساء في بيئات محافظة أو أسرية.

المغازلة الهاتفية لا تقتصر فقط على كلمات الإعجاب أو المديح، بل قد تتطور إلى محادثات تحمل طابعًا غير لائق، وتتجاوز الحدود الأخلاقية، وتنتهي أحيانًا بابتزاز عاطفي أو نفسي أو حتى مادي. لهذا فإن محاربتها والتوعية بمخاطرها واجب تربوي وأسري واجتماعي في آن واحد.

أولاً: تعريف المغازلات الهاتفية

المغازلة الهاتفية هي سلوك غير مشروع أو غير مرحّب به يتم عبر الهاتف، ويشمل مكالمات أو رسائل نصية ذات طابع عاطفي أو جنسي أو استفزازي، غالبًا ما يكون الطرف الآخر غير راغب بها أو يشعر بالإحراج والقلق تجاهها. وغالبًا ما تُمارس هذه المغازلات من قبل غرباء أو معارف بشكل غير مباشر، وقد تكون وسيلة للفت الانتباه أو التسلية أو السيطرة النفسية.

ثانياً: الأسباب النفسية والاجتماعية لانتشار المغازلات الهاتفية

1. الفراغ العاطفي

يُعد الفراغ العاطفي أحد الأسباب الرئيسة التي تدفع بعض الشباب أو الرجال إلى اللجوء إلى المغازلات الهاتفية كوسيلة للتنفيس عن مشاعر مكبوتة. وغالبًا ما تكون هذه المغازلات موجهة نحو فتيات لا يعرفن كيف يتعاملن مع هذه السلوكيات أو لا يمتلكن الأدوات الكافية لصدها.

2. ضعف الوازع الديني

قلة الوعي الديني وقلة الخوف من الله يدفعان البعض إلى التطاول على حدود الأدب والاحترام، فيتجاوزون إلى محادثات غير أخلاقية، ويستبيحون أعراض الناس عبر الهاتف دون أدنى وازع أخلاقي أو ديني.

3. تقصير الأسرة في الرقابة والتوجيه

العديد من الأسر تترك أبناءها وبناتها فريسة للتكنولوجيا من دون رقابة أو توجيه تربوي، الأمر الذي يجعل الهاتف وسيلة لارتكاب تصرفات خاطئة دون إدراك للمخاطر المترتبة عليها.

4. الإعلام والثقافة المعولمة

البرامج والمسلسلات والأفلام التي تروج لفكرة الحب السطحي والمغازلات العابرة تساهم بشكل كبير في تطبيع هذه السلوكيات في عقول المراهقين والمراهقات، مما يُفقدهم التمييز بين ما هو مشروع وما هو مرفوض أخلاقيًا واجتماعيًا.

ثالثاً: مخاطر المغازلات الهاتفية

1. التورط في علاقات غير شرعية

كثيرًا ما تبدأ العلاقات المحرمة بمغازلة هاتفية، تليها محادثات طويلة، ثم لقاءات، لتنتهي أحيانًا بانتهاك للخصوصية أو الشرف أو الوقوع في الخطايا.

2. الابتزاز العاطفي والمادي

لا تلبث العلاقة أن تتطور حتى يُستدرج الطرف المستهدف إلى إرسال صور أو معلومات شخصية، ليبدأ مسلسل الابتزاز والتهديد، وغالبًا ما تقع الفتيات ضحايا لهذه الأساليب الخبيثة.

3. تشويه السمعة

الاحتفاظ بالمحادثات أو تسجيل المكالمات من قبل المتحرشين قد يؤدي إلى نشرها لاحقًا على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يسبب دمارًا نفسيًا واجتماعيًا وضياعًا لسمعة الفتاة وكرامتها.

4. التعلق النفسي والصدمة العاطفية

في كثير من الحالات، تعيش الفتاة أو المرأة حالة من التعلق العاطفي الزائف بشخص لا يستحق الثقة، ما يسبب لها صدمة نفسية كبيرة عند انكشاف حقيقته أو تلاشي العلاقة بشكل مفاجئ.

5. تراجع الأداء الدراسي أو العملي

الانشغال الدائم بالمكالمات والرسائل والانتظار القلق لردود الطرف الآخر يؤدي إلى اضطرابات في التركيز والنوم والأداء اليومي، ما ينعكس سلبًا على التحصيل الدراسي أو الكفاءة في العمل.

رابعاً: كيف يمكن التخلص من المغازلات الهاتفية؟

1. غلق الباب منذ البداية

عدم فتح أي مجال للكلام مع الغرباء أو الرد على أرقام غير معروفة هو خط الدفاع الأول. الرد يجب أن يكون رسميًا وقصيرًا دون أي لهجة ودية أو عبارات قد تُفهم على أنها ترحيب بالاستمرار في المكالمة.

2. استخدام تقنيات الحظر والإبلاغ

الهواتف الذكية الحديثة والتطبيقات الاجتماعية تتيح إمكانية حظر الأرقام والإبلاغ عنها، وهو ما يجب استخدامه دون تردد عند أول محاولة مغازلة أو تطفل.

3. تقوية الوازع الديني والروحي

من أهم وسائل الحماية النفسية أن تكون الفتاة ذات إيمان راسخ بأن جسدها وكرامتها ليستا سلعة للنقاش أو الاستغلال، وأن كل كلمة أو تصرف يجب أن يكون وفق ضوابط الدين والخلق.

4. التوعية الأسرية والتربوية

على الأسرة أن تكون خط الدفاع الأول ضد هذه السلوكيات من خلال فتح باب الحوار مع الأبناء والبنات، وتقديم النصيحة بأسلوب غير مباشر دون إشعارهم بالرقابة الأمنية، بل بإحساس المسؤولية الذاتية.

5. شغل الوقت بما هو مفيد

الفراغ من أخطر ما يمكن أن يواجه الشاب أو الفتاة. لذلك فإن الانشغال بالدراسة، أو العمل التطوعي، أو الهوايات المفيدة، يسهم في حماية النفس من الانجراف وراء علاقات سطحية وفارغة.

6. الوعي بمخاطر التكنولوجيا

لا بد من فهم أن الهاتف أداة يمكن استخدامها للخير أو الشر، وأن التعامل معه يجب أن يكون ضمن إطار أخلاقي منضبط. ومن المفيد تثقيف الفتيات حول وسائل الحماية الرقمية، مثل تشفير البيانات وتفعيل التحقق بخطوتين وحماية الحسابات بكلمات مرور قوية.

7. الدعم النفسي

إذا كانت الفتاة قد تعرضت لمضايقات هاتفية أو تهديد أو ابتزاز، فلا بد من أن تجد الدعم من المحيطين بها، سواء من خلال العائلة أو مستشار نفسي متخصص. الكتمان قد يزيد من حدة المشكلة ويعرضها للخطر.

خامساً: دور المؤسسات في مكافحة هذه الظاهرة

1. دور المدرسة

يجب على المدارس أن تدرج في مناهجها أو أنشطتها التوعوية برامج مخصصة لتعليم الطلبة مخاطر العلاقات الهاتفية، وآليات الحفاظ على الخصوصية، وكيفية التصدي للمتحرشين.

2. دور الإعلام

ينبغي أن يكون الإعلام شريكًا في رفع الوعي من خلال حملات تستهدف تسليط الضوء على ضحايا المغازلات الهاتفية، وفضح طرق المبتزين، وتقديم نماذج واقعية للعبرة.

3. دور الجهات الأمنية

ينبغي تمكين الفتيات من التبليغ عن الأرقام المزعجة والمتحرشين عبر منصات إلكترونية سهلة الاستخدام. كما يجب التعامل بجدية مع البلاغات، ومحاسبة من يثبت تورطه في أفعال تمس بالخصوصية أو الكرامة.

سادساً: مقاربة وقائية قائمة على القيم

من المهم جدًا أن يتم بناء الفتاة على قيم الاحترام الذاتي والثقة بالنفس. الفتاة التي تعرف قيمتها لا تسمح لأحد بالتقليل منها أو العبث بمشاعرها. كما أن الثقافة الأسرية القائمة على المصارحة تُجنّب الكثير من الفتيات الوقوع ضحية هذه السلوكيات، لأنهن يدركن أن المنزل مكان للأمان والدعم، وليس للمحاسبة فقط.

جدول: الفرق بين المغازلة البريئة والمغازلة المتحرشة

سابعاً: أثر التخلص من المغازلات الهاتفية على حياة الفتاة

التخلص من هذه السلوكيات المزعجة يمنح الفتاة شعورًا بالتحكم في حياتها، ويزيد من احترامها لذاتها. كما يحميها من الوقوع في مشاكل نفسية أو اجتماعية أو قانونية. الهدوء النفسي الناتج عن تخلصها من هذه المغازلات يعزز من قدرتها على النجاح في دراستها أو عملها أو في بناء علاقات اجتماعية صحية وناضجة.

المصادر

• الدكتور عبدالكريم بكار، بناء الشخصية: قواعد ومفاهيم.

• النيابة العامة السعودية، حملة التوعية الرقمية ضد التحرش الإلكتروني.