كيفية الوقاية من نخر العظام

الحفاظ على صحة العظام والوقاية من النخر: إستراتيجية متكاملة مدى الحياة

تُعد صحة العظام من الركائز الأساسية التي يقوم عليها جسم الإنسان، فالعظام ليست مجرد هياكل صلبة تدعم الجسد، بل هي نسيج حي يتجدد باستمرار، ويقوم بوظائف متعددة مثل تخزين المعادن، إنتاج خلايا الدم، والمساهمة في الحركة. ومع التقدم في العمر أو نتيجة لعوامل مرضية أو بيئية، قد تُصاب العظام بالنخر، وهي حالة خطيرة تؤدي إلى تآكل النسيج العظمي وتدهور بنيته، مما قد ينتج عنه آلام مزمنة، هشاشة، كسور، وفي حالات متقدمة إعاقات حركية.

نخر العظام (أو تنخُر العظم Avascular Necrosis) هو مرض يتميز بموت أنسجة العظام نتيجة لانقطاع التروية الدموية عنها. قد يظهر هذا المرض تدريجياً ويمر بدون أعراض في بدايته، لكنه في مراحل متقدمة يؤدي إلى تلف العظام والمفاصل، وخصوصًا في مناطق مثل الورك، الكتف، الركبة، أو الكاحل.

لإبقاء نخر العظام بعيدًا عن أجسامنا، لا بد من اتباع نهج شامل ومبكر يجمع بين التغذية، النشاط البدني، التحكم بالأمراض المزمنة، والوعي الطبي. سنستعرض في هذا المقال الممتد الإجراءات الوقائية والعوامل المؤثرة في صحة العظام لتفادي الإصابة بهذه الحالة المؤلمة.

أولاً: فهم العوامل المؤدية إلى نخر العظام

قبل الحديث عن الوقاية، من الضروري التعرّف إلى أبرز الأسباب والعوامل التي تمهد الطريق لنخر العظام، وهي كما يلي:

1. انقطاع التروية الدموية للعظم: السبب الأساسي هو توقف تدفق الدم إلى جزء من العظم، إما بسبب جلطة، ضغط مفرط، أو تلف الأوعية.

2. الإفراط في تناول الكورتيزون: استخدام الكورتيكوستيرويدات لفترات طويلة يعد من أبرز المسببات.

3. الإفراط في الكحول: استهلاك الكحول المزمن يؤدي إلى تراكم الدهون في الأوعية العظمية الصغيرة، مما يعوق وصول الدم.

4. الصدمات أو الكسور: الإصابات التي تلحق بالمفاصل والعظام قد تقطع الأوعية وتؤدي لاحقًا للنخر.

5. أمراض الدم: مثل فقر الدم المنجلي، تسبب انسداد الشعيرات الدموية الدقيقة داخل العظم.

6. العوامل الوراثية والبيئية: تلعب بعض الطفرات الجينية دوراً في ضعف بنية العظام.

7. أمراض المناعة الذاتية: مثل الذئبة الحمراء.

8. العلاج الإشعاعي أو الكيميائي: لهما تأثير مدمر مباشر على الأنسجة العظمية.

ثانياً: الوقاية عبر التغذية المتوازنة

الغذاء يمثل اللبنة الأساسية لصحة العظام، فكل عنصر غذائي يُستهلك يوميًا يدخل في توازن الكتلة العظمية:

1. الكالسيوم: حجر الزاوية في بناء العظام

يجب الحرص على استهلاك كمية كافية من الكالسيوم يوميًا، خاصة من المصادر الطبيعية:

ينصح بتناول ما لا يقل عن 1000-1200 ملغ يوميًا للبالغين، ويزداد الاحتياج لدى النساء بعد سن اليأس ولدى كبار السن.

2. فيتامين D: تسهيل امتصاص الكالسيوم

بدون هذا الفيتامين، لا يمكن امتصاص الكالسيوم بشكل فعال من الأمعاء. يمكن الحصول عليه من:

• التعرض لأشعة الشمس (10–15 دقيقة يومياً)

• الأسماك الدهنية (السلمون، التونة)

• صفار البيض

• الحليب المدعم

• المكملات الغذائية عند الحاجة (يُفضل بإشراف طبي)

3. المغنيسيوم، الزنك، والبوتاسيوم

تلعب هذه المعادن دوراً داعماً في تكوين العظم وتقوية بنيته، وهي متوفرة في المكسرات، البقوليات، الخضروات الورقية، والفواكه المجففة.

4. الابتعاد عن العناصر الضارة

• الملح الزائد: يسبب فقدان الكالسيوم عن طريق البول.

• المشروبات الغازية: تحتوي على الفوسفات الضار بتوازن الكالسيوم.

• الكافيين الزائد: يزيد من طرح الكالسيوم في البول.

ثالثاً: الرياضة والنشاط البدني

تُعد التمارين المنتظمة من أفضل الطرق لتحفيز بناء العظام:

• تمارين المقاومة (رفع الأوزان، الأجهزة): ترفع كثافة العظام عبر تحفيز الخلايا البانية للعظم (Osteoblasts).

• المشي السريع، الجري، القفز: تقوي عظام الورك والساقين وتمنع هشاشتها.

• تمارين التوازن والمرونة (اليوغا، البيلاتس): تقلل خطر السقوط والكسور.

• يجب أن يكون النشاط البدني منتظماً (30 دقيقة على الأقل، 5 أيام في الأسبوع).

رابعاً: الوقاية من الكسور والإصابات

الكسور تؤدي أحياناً إلى نخر العظم لاحقًا. لتجنبها:

• تأمين بيئة آمنة في المنزل: إزالة العوائق الأرضية، تثبيت السجاد.

• استخدام الأدوات المساعدة: مثل العكازات أو أجهزة المساعدة على المشي عند الحاجة.

• الحرص في الأنشطة البدنية الخطرة: مثل التسلق أو الرياضات القتالية.

• علاج فقر الدم ونقص التروية: يمنع تكون الجلطات الصغيرة التي قد تسد الأوعية المغذية للعظم.

خامساً: إدارة الحالات المرضية المزمنة

التحكم في الأمراض المزمنة يُعد أساساً في الوقاية من تنخر العظم:

• السكري: يؤدي إلى اعتلال الأوعية الدقيقة، مما يضعف تغذية العظم.

• ارتفاع الكولسترول: يزيد من خطر الجلطات الصغيرة.

• أمراض الكبد والكلى: تؤثر على توازن الكالسيوم والفوسفات.

• الأمراض المناعية: تحتاج إلى رقابة طبية صارمة لتفادي استخدام الستيرويدات لفترات طويلة.

سادساً: المتابعة الطبية والفحوصات الدورية

الفحص المبكر يُمكن أن يُحدث فارقاً كبيرًا في الوقاية والعلاج المبكر:

• قياس كثافة العظام (DEXA Scan): يُنصح به للنساء فوق سن 50 وللرجال فوق 60 سنة أو حسب وجود عوامل خطر.

• تحاليل الدم: لقياس فيتامين D، الكالسيوم، وظائف الكبد والكلى.

• الرنين المغناطيسي MRI: يستخدم لتشخيص نخر العظم في المراحل المبكرة عند وجود ألم مستمر دون تفسير.

سابعاً: التوقف عن العادات الضارة

• التدخين: يضعف من تدفق الدم ويثبط عمل الخلايا البانية للعظم.

• الكحول: يُعد من أخطر مسببات النخر، ويجب الإقلاع عنه نهائيًا.

• الجلوس الطويل والخمول: يُقلل من التروية الدموية للعظام ويضعف كثافتها.

ثامناً: الدعم النفسي والاجتماعي

الوعي المجتمعي بأهمية العناية بصحة العظام يُشكل أساسًا للوقاية طويلة الأمد:

• تعزيز نمط الحياة الصحي بين الأطفال واليافعين: لأن كثافة العظم القصوى تُكتسب قبل سن الثلاثين.

• تقديم الدعم النفسي لمرضى الأمراض المزمنة: لتحفيزهم على اتباع العلاج.

• إدماج الصحة العظمية ضمن برامج الصحة العامة: للحد من انتشار أمراض الجهاز العضلي الهيكلي.

المصادر والمراجع:

1. NIH Osteoporosis and Related Bone Diseases National Resource Center – https://www.niams.nih.gov

2. Mayo Clinic – Avascular Necrosis – https://www.mayoclinic.org

بهذا الأسلوب الشامل الذي يجمع بين التغذية، النشاط البدني، الوقاية من الإصابات، التحكم في الأمراض، والوعي المجتمعي، يمكن بناء حصن منيع يمنع نخر العظام من الاقتراب، ويحافظ على البنية العظمية قوية ومستقرة طوال الحياة.