موقف الإسلام من وأد البنات

تُعد قضية وأد البنات من الظواهر السلبية التي انتشرت في بعض المجتمعات الجاهلية قبل ظهور الإسلام، وهي ممارسة ظالمة تتعلق بالتخلص من الإناث المولودات حديثًا، إما بدفنهنّ أحياءً أو قتلهنّ بطرق أخرى، بدافع الخوف من الفقر أو العار أو غيرها من الأسباب التي كانت تُبررها تلك المجتمعات آنذاك. وقد جاء الإسلام ليضع حدًا صارمًا لهذا السلوك اللاإنساني، ويؤكد على حرمة النفس البشرية وكرامة الإنسان بغض النظر عن جنسه.

الوضع الجاهلي قبل الإسلام

قبل ظهور الإسلام، كانت المجتمعات العربية تعاني من ممارسات اجتماعية وثقافية غير إنسانية، منها عادة وأد البنات. هذه العادة كانت تُمارس بسبب عدد من المبررات:

• الخوف من الفقر والعبء الاقتصادي الذي قد تسببه الإناث على الأسرة.

• الرغبة في الحفاظ على “الشرف” أو تجنب ما يُنظر إليه كعار اجتماعي مرتبط بوجود الإناث.

• النزعة الذكورية التي جعلت الذكور مفضلين بشكل كبير، حيث كانوا يرون في الذكور قوتهم الاقتصادية والعسكرية.

وبناءً على هذه الاعتقادات، كانت بعض الأسر تقتل بناتها فور ولادتهنّ بدفنهنّ في التراب أو غير ذلك من الوسائل.

موقف الإسلام من وأد البنات

مع نزول الإسلام، كان موقفه واضحًا وصريحًا تجاه هذه العادة الجائرة، حيث جاء النص القرآني صريحًا في تحريم وأد البنات. يقول الله تعالى في سورة النساء:

“وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ” (النساء: 8-9)

هذا النص الكريم يُظهر استنكار الله عز وجل الشديد لفعل وأد البنات، ويُعبر عن شدة ذنب هذه الجريمة في حق النفس الإنسانية.

كما ورد في السنة النبوية عدة أحاديث تؤكد على رفض الإسلام لهذه الممارسة. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وأد البنات فقال: “ليس مني ومن فعل ذلك ليس مني” (رواه البخاري ومسلم).

هذا الحديث الشريف يؤكد بوضوح أن من يمارس عادة وأد البنات يكون خارجًا عن رحمة الإسلام، ولا ينتمي إلى الدين القويم.

الحماية القانونية والدينية للأنثى في الإسلام

الإسلام لم يكتفِ بمجرد النصوص الشرعية التي تحرم وأد البنات، بل وضع نظامًا متكاملاً للحماية الاجتماعية والاقتصادية للإناث، وهو ما يكشف عن حرص الإسلام على كرامة الإنسان بغض النظر عن جنسه، إذ فرض عدة قواعد وآليات من أجل ضمان مكانة الأنثى في المجتمع:

• الحقوق المالية: كحق الميراث، حيث حرص الإسلام على إعطاء البنات حصة محددة من الإرث، مخالفًا بذلك العرف الجاهلي الذي كان يحرم البنات من الميراث تمامًا. قال الله تعالى في سورة النساء:

  “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ” (النساء: 11)

• الزواج الشرعي: فالإسلام جعل الزواج مؤسسة شرعية تحفظ للمرأة كرامتها، ورفض تعدد الزوجات في ظل غياب حقوق الزوجة، مؤكداً على حسن المعاملة والعدل.

• الحقوق الاجتماعية: كحق التعليم، وحق العمل، والحق في التعبير عن الرأي ضمن ضوابط الشرع، مما يكسر الاحتكار الذكوري للمجتمع ويدعم دور الأنثى الفعال.

موقف النبي محمد صلى الله عليه وسلم تجاه البنات

النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان نموذجًا عمليًا في احترام وتقدير البنات، وقد ظهر ذلك جليًا في سيرته وأقواله وأفعاله. ومن أبرز المواقف التي تعكس هذا التقدير:

• كانت ابناته رضي الله عنهنّ محل عناية خاصة، وكانت المعاملة الحسنة لهنّ جزءًا من سلوكه اليومي.

• روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات ثم آتى أهلهنَّ وأحسن إليهنَّ كان له جنة” في إشارة إلى الأجر العظيم لمن يعامل البنات بالإحسان.

• في قصة حفصة رضي الله عنها التي عانت من فقدان والدتها، كان النبي يحرص على رعايتها كابنته.

التأثير الاجتماعي للإسلام في تقليل ظاهرة وأد البنات

الإسلام كسر طوق هذه الممارسة اللا إنسانية، وحدث تغيير جذري في نظرة المجتمع للأنثى، فقد أصبحت البنات ذوات حقوق ومكانة، وبدأ المجتمع يتعامل معهنّ باحترام ومساواة نسبية.

مع ذلك، لا يمكن إنكار أن بعض المجتمعات قد استمرت لبعض الوقت في هذه الممارسات، لكنها كانت في تناقص مستمر بسبب التشريعات الإسلامية والوعي الديني الذي رافق الدعوة الإسلامية.

حكم وأد البنات من الناحية الشرعية والقانونية

تعتبر عادة وأد البنات جريمة كبرى في الإسلام، ويُعاقب عليها الشرع بأشد العقوبات، لأن قتل النفس البريئة محرّم قطعًا. وقد أكد العلماء والمفتون أن هذه الجريمة لا تغتفر إلا بالتوبة النصوح، وأنها من الكبائر التي توجب غضب الله وعذابه.

وفي عصرنا الحديث، تعززت هذه الأحكام بقوانين وطنية ودولية تحمي حقوق الإنسان، وخصوصًا حقوق المرأة والطفل، حيث يعد وأد البنات جريمة يعاقب عليها القانون في معظم دول العالم الإسلامي.

التأثير النفسي والاجتماعي لظاهرة وأد البنات

من الناحية النفسية والاجتماعية، كان وأد البنات سببًا في إحداث جروح عميقة في نسيج المجتمعات، حيث أدت إلى:

• فقدان أعداد كبيرة من الفتيات، مما أثر على التوازن السكاني في بعض المجتمعات.

• تدمير البنية الأسرية والمجتمعية، حيث أدى الاستهانة بحياة الفتيات إلى ضعف العلاقات الأسرية.

• عزز مفهوم التمييز ضد المرأة، وأدى إلى ترسيخ أفكار الذكورية والتفوق الجنسي.

الإسلام جاء ليعيد الاعتبار للمرأة كإنسانة كاملة الحقوق، ويعزز مبدأ المساواة والرحمة.

مقارنة بين وأد البنات في الجاهلية والإسلام

الخاتمة

الإسلام وضع حدًا نهائيًا لظاهرة وأد البنات التي كانت سائدة في الجاهلية، وأكد على حرمة النفس الإنسانية وكرامة المرأة. ومن خلال نصوصه التشريعية ومبادئه الأخلاقية، أعاد الإسلام ترتيب العلاقة بين الجنسين، وحقق العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق، مما جعل المرأة تحظى بالاحترام والتقدير الكاملين.

هذه القيم الإسلامية الأصيلة ساهمت في بناء مجتمع متوازن يقوم على الرحمة والعدل، بعيدًا عن الظلم والقسوة التي كانت تمارس بحق الإناث في السابق، مؤكدة أن الحياة حق لكل إنسان بغض النظر عن جنسه، وأن كرامة الإنسان جزء لا يتجزأ من مبادئ الإسلام السامية.

المراجع:

1. القرآن الكريم، سورة النساء، الآيات 8-9.

2. صحيح البخاري، كتاب الأدب، حديث رقم 5792.