سيكولوجيا البدانة والآليات النفسية المسببة لها
تُعتبر البدانة مشكلة صحية عالمية متزايدة في السنوات الأخيرة، حيث تتسبب في العديد من المخاطر الصحية والنفسية. إلا أن الجوانب النفسية تلعب دورًا كبيرًا في نشوء هذه الظاهرة. يتناول هذا المقال العوامل النفسية المرتبطة بالبدانة، بما في ذلك التأثيرات الاجتماعية، والعوامل النفسية الداخلية، والآليات السلوكية التي تساهم في هذه الحالة.
1. تعريف البدانة
البدانة تشير إلى تراكم مفرط للدهون في الجسم، ويُحدد عادة باستخدام مؤشر كتلة الجسم (BMI). يشير BMI الذي يزيد عن 30 إلى البدانة. ومع ذلك، فإن البدانة ليست مجرد حالة جسدية، بل تتضمن أيضًا جوانب نفسية وسلوكية معقدة.
2. العوامل النفسية المرتبطة بالبدانة
2.1. الضغوط النفسية
تُعتبر الضغوط النفسية أحد الأسباب الرئيسية للبدانة. يعاني الأفراد من ضغوط حياتية مثل العمل، والعلاقات، والمال، مما يدفعهم إلى تناول الطعام كوسيلة للتكيف. يُعرف هذا السلوك بـ”الأكل العاطفي”، حيث يلجأ الأفراد إلى الطعام لتخفيف مشاعر القلق أو الاكتئاب.
2.2. انخفاض تقدير الذات
يُعتبر تقدير الذات عاملًا نفسيًا حاسمًا في البدانة. قد يشعر الأشخاص البدناء بنقص الثقة في النفس بسبب مظهرهم، مما يؤدي إلى العزلة الاجتماعية وزيادة مشاعر الاكتئاب. هذا الدور السلبي لتقدير الذات يُساهم في استمرار السلوكيات الغذائية غير الصحية.
2.3. التعلم الاجتماعي
تلعب البيئة الاجتماعية دورًا كبيرًا في تشكيل السلوكيات الغذائية. الأطفال الذين يشهدون عادات غذائية غير صحية في أسرهم أو مجتمعاتهم قد يتبنون هذه العادات كجزء من تعلمهم الاجتماعي. وبالتالي، تُصبح العادات الغذائية السيئة مُعززة عبر الأجيال.
2.4. الانفعالات والعواطف
تؤثر العواطف بشكل كبير على سلوكيات الأكل. غالبًا ما يلجأ الأفراد إلى تناول الطعام في أوقات الحزن أو التوتر، مما يؤدي إلى استهلاك كميات كبيرة من السعرات الحرارية. يُظهر البحث أن الأفراد الذين يعانون من البدانة يكونون أكثر عرضة للشعور بالقلق والاكتئاب، مما يُعزز دائرة سلوك الأكل العاطفي.
3. الآليات السلوكية
3.1. العادات الغذائية السيئة
تشير الدراسات إلى أن العادات الغذائية السيئة تُسهم بشكل كبير في البدانة. يتناول العديد من الأفراد الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية، مثل الوجبات السريعة والحلويات، مما يؤدي إلى زيادة الوزن. تتطلب التغييرات في النظام الغذائي وعيًا ذاتيًا ورغبة في التحول.
3.2. قلة النشاط البدني
بالإضافة إلى العادات الغذائية، تُعتبر قلة النشاط البدني عاملاً رئيسيًا في زيادة الوزن. في العصر الحديث، أصبحت أنماط الحياة أقل نشاطًا نتيجة للاعتماد على التكنولوجيا والمركبات. يُظهر البحث أن الأفراد الذين يمارسون نشاطًا بدنيًا منتظمًا يميلون إلى الحفاظ على وزن صحي.
3.3. استخدام الطعام كوسيلة للراحة
في بعض الحالات، يصبح الطعام وسيلة للاسترخاء أو الهروب من التوتر. هذا الاستخدام للطعام كأداة لتخفيف القلق يمكن أن يتحول إلى عادة غير صحية، مما يؤدي إلى دوامة من زيادة الوزن وصعوبات التحكم في الوزن.
4. العوامل الاجتماعية والثقافية
4.1. المعايير الاجتماعية
تلعب المعايير الاجتماعية دورًا كبيرًا في تشكيل أفكار الأفراد حول الوزن والشكل. يُعتبر النحافة في بعض الثقافات رمزًا للجمال، بينما تُعتبر البدانة مقبولة في ثقافات أخرى. تؤثر هذه المعايير بشكل كبير على تقدير الذات والسلوكيات الغذائية.
4.2. التوقعات الاجتماعية
يمكن أن تؤدي التوقعات الاجتماعية إلى ضغوط إضافية على الأفراد، مما قد يؤدي إلى سلوكيات غذائية غير صحية. الأشخاص الذين يشعرون بأنهم يتعرضون لمراقبة أو انتقاد من قبل الآخرين قد يكونون أكثر عرضة لتناول الطعام كمحاولة للتعامل مع هذه الضغوط.
5. استراتيجيات العلاج
تتطلب معالجة البدانة استراتيجيات متعددة تشمل الجوانب النفسية والسلوكية. من بين هذه الاستراتيجيات:
5.1. العلاج النفسي
يمكن أن يكون العلاج النفسي، مثل العلاج السلوكي المعرفي، فعالًا في معالجة القضايا النفسية المرتبطة بالبدانة. يهدف هذا النوع من العلاج إلى مساعدة الأفراد في فهم وتغيير أنماط تفكيرهم وسلوكياتهم المتعلقة بالطعام.
5.2. تحسين نمط الحياة
تشمل التغييرات في نمط الحياة تحسين النظام الغذائي وزيادة النشاط البدني. يتطلب ذلك الالتزام والرغبة في التغيير، مما يمكن أن يتحقق من خلال الدعم الاجتماعي والتوجيه المهني.
5.3. الدعم الاجتماعي
يُعتبر الدعم الاجتماعي عنصرًا مهمًا في رحلة فقدان الوزن. يُمكن أن تُساعد مجموعات الدعم، سواء كانت موجهة من قبل محترفين أو جماعات غير رسمية، الأفراد على التغلب على التحديات النفسية المتعلقة بالبدانة.
6. الخاتمة
تُعتبر البدانة قضية معقدة تتطلب فهمًا عميقًا للعوامل النفسية والاجتماعية والسلوكية المساهمة فيها. من خلال معالجة القضايا النفسية المرتبطة بالبدانة وتوفير الدعم المناسب، يمكن للأفراد تحقيق تحسينات في صحتهم الجسدية والنفسية. إن التعامل مع هذه المشكلة يتطلب نهجًا شاملاً يراعي جميع جوانب حياة الفرد.
المراجع
- Flegal, K. M., et al. (2016). “Prevalence of Obesity and Trends in the Distribution of Body Mass Index Among U.S. Adults, 1999-2010.” JAMA.
- Stunkard, A. J., & Wadden, T. A. (1992). “Psychological aspects of obesity.” The American Journal of Clinical Nutrition.
- Brown, J. E., & Hattie, J. (2012). “The role of psychological factors in obesity.” International Journal of Obesity.
- van Strien, T. (2018). “Causes of emotional eating and matched treatment of obesity.” Current Diabetes Reports.