أنواع التبغ: دراسة موسعة حول أشكاله واستخداماته وتأثيراته الصحية

يُعد التبغ من المواد النباتية التي لعبت دورًا بارزًا في التاريخ الإنساني، إذ استُخدمت أوراقه منذ قرون طويلة في طقوس دينية واجتماعية وثقافية، ثم لاحقًا تحوّل إلى سلعة اقتصادية رئيسية، وواحدة من أكثر المواد الاستهلاكية شيوعًا في العصر الحديث. ينتج التبغ من نبات Nicotiana tabacum بشكل أساسي، وهو نبات يحتوي على مادة النيكوتين، وهي مركب قلوي ذو تأثير منشط على الجهاز العصبي، وتعتبر المكون الفعال الأساسي في التبغ. بالرغم من تطور الوعي الصحي العالمي بمخاطر التدخين، إلا أن التبغ لا يزال يستهلك بأنواعه المختلفة من قبل مئات الملايين من الأشخاص حول العالم، بأشكاله التي تتنوع بين السجائر، والسيجار، والنشوق، والأرجيلة، ومضغ التبغ.

التكوين النباتي والكيميائي للتبغ

تتكون أوراق التبغ من مواد عضوية ومعادن ومركبات كيميائية مختلفة. ومن بين أكثر المركبات الفعالة في التبغ:

• النيكوتين: وهو العنصر الأساسي المسؤول عن التبعية والإدمان، يؤثر على المستقبلات العصبية ويحفز إفراز الدوبامين في الدماغ.

• القطران (Tar): وهو مزيج من المواد الكيميائية الناتجة عن حرق التبغ، وهو عامل رئيسي في تطور الأمراض السرطانية.

• أول أكسيد الكربون (CO): غاز سام ينتج عن احتراق التبغ ويؤثر على قدرة الدم على حمل الأوكسجين.

• مواد أخرى سامة: مثل الفورمالديهايد، الأمونيا، الزرنيخ، البنزوبيرين، التي تدخل في تركيب معظم أنواع منتجات التبغ المصنعة.

التصنيف العام لأنواع التبغ

تتعدد أنواع التبغ تبعًا لطريقة معالجته وتحضيره واستخدامه. يمكن تقسيم الأنواع الرئيسية للتبغ إلى الأقسام التالية:

أولًا: التبغ المُدخَّن (Smoked Tobacco)

يُعد هذا النوع من أكثر أشكال التبغ شيوعًا واستخدامًا، ويشمل:

1. السجائر (Cigarettes)

السجائر هي أكثر أنواع التبغ انتشارًا على مستوى العالم. تُصنع عادة من خليط من أوراق التبغ المقطعة الدقيقة، مع مواد مضافة مثل النكهات ومواد حافظة، وتُلفّ بورق خاص.

أنواع السجائر:

• السجائر التجارية: تُنتجها الشركات الكبرى وتحتوي على نسب متفاوتة من النيكوتين.

• السجائر الملفوفة يدويًا: يتم لفها يدويًا من قبل المستخدمين باستخدام ورق لف خاص وتبغ نقي نسبيًا.

• السجائر المنكهة: تحتوي على إضافات عطرية مثل النعناع أو الفواكه، لجعل طعمها مستساغًا أكثر، خصوصًا للمبتدئين.

2. السيجار (Cigars)

يتكون السيجار من أوراق تبغ كاملة ملفوفة بشكل أسطواني، وغالبًا ما يكون أكبر حجمًا من السيجارة. يتميز بتركيز أعلى من النيكوتين وطعم أقوى، ويُعتبر منتجًا فاخرًا في بعض الثقافات.

أنواع السيجار:

• السيجار الكبير (Premium Cigars): مصنوع يدويًا من أوراق تبغ نقية، ويُستخدم غالبًا في المناسبات الخاصة.

• السيجار الصغير (Cigarillos): أقصر حجمًا وغالبًا ما يُباع مغلفًا ومجهزًا للتدخين اليومي.

3. الغليون (Pipe Tobacco)

يُستخدم التبغ في هذا الشكل عبر أنبوب مخصص يُعرف بالغليون، ويُشعل فيه التبغ ويتم استنشاق دخانه. وغالبًا ما يكون تبغ الغليون منكهًا بنكهات مثل الكرز أو الفانيليا.

4. الأرجيلة (الشيشة)

يُعرف هذا النوع في العديد من الثقافات العربية والهندية، ويُستهلك عبر جهاز الأرجيلة الذي يمرر الدخان من خلال الماء. غالبًا ما يكون التبغ المستخدم منكهًا (تفاحتين، نعناع، عنب، إلخ)، ويُعرف بـ “المعسل”.

ثانيًا: التبغ غير المدخن (Smokeless Tobacco)

يشير هذا النوع إلى التبغ الذي لا يُحرق بل يُستهلك عبر الفم أو الأنف، ويتضمن الأنواع التالية:

1. تبغ المضغ (Chewing Tobacco)

يتكون من أوراق تبغ معالجة يتم مضغها ووضعها في الفم، ما يسمح بامتصاص النيكوتين عبر الأغشية المخاطية. غالبًا ما يُباع على شكل كتل أو شرائط.

2. النشوق (Snuff)

هو تبغ مطحون ناعمًا، يُستخدم إما عبر الاستنشاق من الأنف (النشوق الجاف) أو بوضعه داخل الفم بين اللثة والخد (النشوق الرطب)، ويسبب امتصاصًا سريعًا للنيكوتين.

3. السْنُوس (Snus)

منتج سويدي الأصل، وهو شبيه بالنشوق الرطب، إلا أنه يُباع في أكياس صغيرة تُوضع بين اللثة والشفة العليا. يتميز السْنوس بأنه لا يتطلب البصق مثل بعض أنواع التبغ الأخرى، ما يجعله أكثر قبولًا اجتماعيًا في بعض المجتمعات الأوروبية.

ثالثًا: التبغ المُعالج حراريًا (Heated Tobacco Products)

هي تقنية جديدة تعتمد على تسخين التبغ دون حرقه، باستخدام أجهزة إلكترونية. تُعتبر هذه الطريقة محاولة لتقليل الانبعاثات الضارة الناتجة عن الاحتراق الكامل.

1. منتجات التبغ المُسخن (Heated Tobacco)

تشمل أجهزة مثل IQOS التي تُسخن أعواد تبغ مصممة خصيصًا إلى درجة حرارة تقل عن درجة الاحتراق، بهدف إطلاق النيكوتين.

2. السجائر الإلكترونية (E-Cigarettes)

رغم أنها لا تحتوي غالبًا على تبغ حقيقي، إلا أن العديد من السوائل المستخدمة فيها تحتوي على مستخلصات نيكوتين مستخرجة من التبغ، ما يجعلها ضمن تصنيفات المنتجات ذات الصلة بالتبغ.

جدول يوضح الفروق بين أنواع التبغ المختلفة:

الاستخدامات الثقافية والاجتماعية للتبغ

رغم التحذيرات الطبية المستمرة، يحتفظ التبغ بمكانة في بعض الثقافات، حيث يُستخدم في المناسبات الاجتماعية، أو يُنظر إليه كأداة للاسترخاء، أو حتى كرمز للرجولة والنضج في بعض المجتمعات. إلا أن هذا الاستخدام غالبًا ما يكون ناتجًا عن تأثير الإعلانات التجارية والضغط الاجتماعي أكثر من كونه ضرورة حقيقية.

الأضرار الصحية المرتبطة بجميع أنواع التبغ

تُشير مئات الدراسات إلى العلاقة الوثيقة بين استهلاك التبغ – بجميع أشكاله – وظهور أمراض مزمنة تشمل:

• السرطانات (خاصة الرئة، الفم، المريء، البنكرياس).

• أمراض القلب والأوعية الدموية.

• الأمراض التنفسية المزمنة مثل التهاب الشعب الهوائية والربو.

• مشاكل في الأسنان واللثة.

• التأثيرات العصبية والنفسية الناتجة عن الإدمان على النيكوتين.

• اضطرابات الجهاز التناسلي والحمل والولادة لدى النساء المدخنات.

التأثير البيئي والاقتصادي لصناعة التبغ

يمتد أثر التبغ ليشمل البيئة أيضًا، إذ تستهلك زراعة التبغ كميات كبيرة من المياه والأسمدة وتسبب إزالة الغابات. كما أن أعقاب السجائر تُعد من أكثر مصادر التلوث شيوعًا في الشوارع والأنهار. أما اقتصاديًا، فإن تكلفة علاج الأمراض الناتجة عن التبغ تفوق بكثير الأرباح التي تحققها صناعته، وهو ما دفع العديد من الدول لفرض ضرائب باهظة على منتجاته.

خاتمة

أنواع التبغ عديدة ومتنوعة، إلا أنها تشترك جميعًا في كونها مصدرًا رئيسيًا للأمراض المزمنة والإدمان، وتؤدي إلى تدهور صحة الإنسان والبيئة على حد سواء. رغم الترويج لبدائل مثل السجائر الإلكترونية والتبغ المُسخن على أنها “أقل ضررًا”، إلا أن الإجماع العلمي ما يزال يؤكد أن الابتعاد التام عن استهلاك التبغ بجميع أشكاله هو السبيل الأضمن للوقاية من تبعاته الصحية. ورغم الجاذبية الثقافية والاجتماعية التي يضفيها البعض على بعض منتجاته، تبقى الحقيقة قائمة بأن كل أنواع التبغ تشكّل خطرًا جديًا على الصحة العامة والفردية.

المراجع:

• World Health Organization (WHO). Tobacco Fact Sheet, Updated 2023.

• U.S. Department of Health and Human Services. The Health Consequences of Smoking—50 Years of Progress, 2014.