حول المرأة.. جسدك ليس لك
تعد مسألة حقوق المرأة وجسدها من أكثر القضايا المثيرة للجدل في مختلف الثقافات والمجتمعات حول العالم. رغم التقدم الكبير الذي شهدته المرأة على مر العصور في العديد من المجالات، مثل التعليم، والعمل، والسياسة، لا تزال مشكلة تحكم المجتمع على جسد المرأة واعتباره ملكيةً جماعية مستمرة. في هذا المقال، سنتناول كيف أن المرأة في كثير من الأحيان تواجه تهديدًا لحقها في السيطرة على جسدها، وكيف أن هذا الأمر مرتبط بالعديد من القضايا الاجتماعية، الدينية، الثقافية، والسياسية.
الجسد: مسألة تملك لا تخص المرأة
عندما نتحدث عن الجسد في سياق المرأة، فإنه لا يتعلق فقط بالحفاظ على الصحة الجسدية أو الجمال الفردي، بل يتعدى ذلك إلى قضية التملك والسيطرة. ففي كثير من المجتمعات، يتم تحديد شكل وطبيعة الجسد النسائي بناءً على معايير مجتمع محدد، فيصبح الجسد بذلك ملكًا للجماعة أو الأسرة أو المجتمع بشكل عام، وليس للمرأة نفسها.
المرأة في العديد من البلدان تكون عرضة لأشكال متعددة من العنف الجسدي والنفسي، بدءًا من ضغط المجتمع عليها للالتزام بمعايير الجمال المقررة مسبقًا، وصولًا إلى قوانين أو تقاليد تمارس سلطتها على جسدها. يتجلى هذا في العادات مثل ختان الإناث، وهي ممارسات تتم تحت حجة “الحفاظ على الشرف”، أو في قوانين تقييد حرية المرأة في اختيار شريك حياتها، وصولًا إلى منعها من اتخاذ قرارات مصيرية بشأن صحتها.
المرأة والحركة النسائية
تجسد الحركة النسائية أحد أهم الأطر التي تسعى لتحرير جسد المرأة من القيود المفروضة عليه. في المراحل المبكرة من تاريخ الحركة النسائية، كانت الحركات تدافع عن حق المرأة في التعليم والعمل، لكن مع تطور الزمن، بدأت هذه الحركات تتوسع لتشمل قضايا الجسد. كان شعار “جسدك ملكك” أحد المطالب الرئيسية في الحركات النسائية الحديثة، وظهر ذلك بشكل واضح في النضال ضد سياسة الإجهاض والحق في الإنجاب.
النضال من أجل حقوق المرأة في التحكم بجسدها يتجاوز قضية الخصوصية الفردية؛ فهو يخص المجتمع بأسره. لأن الانتصار في هذا المجال يعني تحرير المجتمعات من المفاهيم التقليدية التي تقيّد حرية المرأة، وتفتح المجال أمام جيل جديد من النساء اللاتي يشعرن بالتمكين الكامل.
الجسد في الثقافة والدين
في العديد من الأديان والثقافات، يُنظر إلى جسد المرأة على أنه أداة للإنجاب أو وسيلة للتعبير عن الانتماء الاجتماعي أو الديني، لا أكثر. هذا التفسير يجعل من جسدها محط اهتمام المجتمع، وتصبح قراراتها بشأنه موضوعًا قابلاً للنقاش والاعتراض. على سبيل المثال، يتم فرض القيود على النساء في بعض المجتمعات بناءً على تفسيرات دينية أو ثقافية تحدد ملابسهن أو سلوكهن أو حتى طريقة تفاعلهن مع الرجل.
في هذه الحالات، يتم تصوير الجسد الأنثوي كمصدر للفتنة يجب التحكم فيه حتى لا يُساء تفسيره. يتم بناء هذه المفاهيم في الغالب بناءً على نصوص دينية أو تفسير تاريخي مشوه يمكن أن يسبب معاناة كبيرة للمرأة بسبب مفاهيم السيطرة على الجسد. ففي بعض المجتمعات التي تفرض قوانين صارمة تتعلق بالملابس، تتعرض النساء للتهديدات بالعقوبات في حال عدم الامتثال، مما يعكس نوعًا من الملكية المجتمعية لجسد المرأة.
الجسد وعلاقته بالسلطة
إن الجدل حول جسد المرأة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسلطة والسيطرة. فالرغبة في السيطرة على المرأة تنبع من رغبة في التحكم بمفاتيح القوة الاجتماعية، الثقافية والاقتصادية. ولذا، فإن تحرير الجسد الأنثوي من هذه القيود يتطلب قوة مجتمعية وسياسية.
في الكثير من الأحيان، يعتبر تحرر المرأة من السيطرة على جسدها بمثابة تهديد للأنظمة التي تسعى إلى إدامة نفسها عبر الحد من حرية الأفراد. وتعتبر الأنظمة التي تحتكر السلطة من خلال وضع القيود على النساء تلك القيود جزءًا من استراتيجياتها للحفاظ على التفوق المجتمعي والسياسي.
قوانين التحكم في الجسد
من القوانين التي أثرت بشكل مباشر على الجسد النسائي هي قوانين الإجهاض. ففي بعض الدول، تعتبر مسألة الإجهاض محظورة بشكل صارم، مما يمنع المرأة من اتخاذ قرار بشأن حملها. هذه القيود تجعل جسد المرأة موضوعًا للسيطرة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
بالإضافة إلى ذلك، نجد أن قوانين منع الزواج المبكر أو التعددية الزوجية أو الزواج القسري، على الرغم من أنها قد تكون تهدف إلى حماية حقوق المرأة، إلا أنها في بعض الأحيان تساهم في تقييد حرية اختياراتها الشخصية بشأن جسدها وحياتها.
الإعلام وتشكيل مفاهيم الجسد
يلعب الإعلام دورًا أساسيًا في تشكيل الأفكار حول الجسد النسائي. الصور النمطية التي تروجها وسائل الإعلام تؤثر بشكل كبير على كيفية رؤية المرأة لجسدها وكيفية رؤية المجتمع له. فالإعلانات، الأفلام، البرامج التلفزيونية، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي، كلها تساهم في فرض معايير الجمال التي يُتوقع من النساء اتباعها.
تسعى وسائل الإعلام إلى تسليع الجسد الأنثوي وتحويله إلى أداة جمالية تجذب الأنظار. ويتم تصوير النساء في أغلب الأحيان بصورة موحدة لا تعكس التنوع الطبيعي لأجسادهن. وهذا بدوره يؤدي إلى مشاعر القلق والضغط النفسي لدى العديد من النساء اللواتي لا يطابقن هذه المعايير الجمالية.
إن الإعلام يشكل قوة كبيرة في تأكيد أو تعديل المفاهيم المجتمعية المرتبطة بالجسد. لذلك، فإن العمل على تفكيك هذه الصور النمطية يمكن أن يكون خطوة هامة نحو التحرر من هذه القيود.
النضال من أجل السيطرة على الجسد
إن قضية التحكم في جسد المرأة ليست قضية فردية بل هي جزء من حركة اجتماعية وثقافية كبرى. التحرر من القيود المفروضة على الجسد يتطلب تغييرًا في النظرة المجتمعية للمرأة. وهذا يشمل تغيير المفاهيم الخاطئة حول الجمال، والحقوق الجنسية، والحقوق الصحية، والحقوق الاجتماعية والسياسية.
بداية من الحقوق الأساسية مثل حق النساء في اتخاذ قرارات صحية تتعلق بهن، وصولًا إلى الدعم الكامل للنساء في نضالهن ضد العنف، يجب أن يكون هناك تحول جذري في طريقة نظر المجتمع إلى الجسد الأنثوي.
وفي النهاية، إذا أرادت المجتمعات أن تتقدم وتستفيد من طاقات جميع أفرادها، يجب أن تتيح للمرأة حرية اتخاذ قرارات بشأن جسدها دون خوف أو تردد. جسد المرأة ليس ملكًا للآخرين، بل هو ملكها هي وحدها.
