مهرجان جاكس للفنون بالرياض

مهرجان جاكس للفنون في الرياض: منصة للإبداع المعاصر وتجسيد الهوية الثقافية السعودية

شهدت مدينة الرياض في السنوات الأخيرة نهضة ثقافية وفنية غير مسبوقة، تزامنت مع التحولات الكبرى التي تقودها رؤية السعودية 2030. وفي خضم هذه الطفرة الثقافية، برز مهرجان جاكس للفنون كأحد أهم المهرجانات الفنية التي تحتفي بالفن المعاصر وتجمع تحت مظلتها مزيجاً من الإبداع المحلي والعالمي، مما جعل منه وجهة رئيسية لعشاق الفن، ومنصة تحتضن المواهب وتعيد تعريف العلاقة بين الفن والمجتمع السعودي.

يشكل المهرجان انعكاساً مباشراً للتغيرات الثقافية والاجتماعية التي تشهدها المملكة، إذ يُعد من الفعاليات التي تعزز موقع السعودية كمركز إقليمي للفنون المعاصرة، وترسخ حضورها في المشهد الفني العالمي.

الموقع والهوية: جاكس الدرعية… من مستودعات إلى حاضنة للفنون

يقام مهرجان جاكس في حي جاكس بالدرعية، وهو موقع صناعي سابق تم تحويله إلى مساحة ثقافية مبتكرة تضم صالات عرض، ومراسم، واستوديوهات، ومساحات أداء حرة. ويُعد الحي أحد مشاريع وزارة الثقافة السعودية ضمن جهودها لتحويل المساحات الصناعية المهجورة إلى حواضن للإبداع. وقد تم تطوير “جاكس” ليصبح المركز الفني الأكثر تأثيراً في العاصمة، مع الاحتفاظ بملامح طابعه الصناعي، مما يضفي على الأعمال المعروضة فيه طابعاً فريداً يربط بين الحداثة والجذور.

المهرجان في سياقه العام

يُقام مهرجان جاكس للفنون سنوياً ضمن فعاليات موسم الرياض أو ضمن مشاريع وزارة الثقافة، ويجمع بين المعارض الفنية، والعروض الأدائية، والحلقات النقاشية، وورش العمل، مما يجعله حدثاً متعدد الأبعاد يخاطب الجمهور من مختلف الاهتمامات والخلفيات.

ولا يقتصر المهرجان على عرض اللوحات والمنحوتات، بل يتجاوز ذلك ليقدم تجارب تفاعلية، وفنوناً تركيبية، وأعمال فيديو آرت، وتجهيزات سمعية-بصرية، وهو ما يجعله أقرب إلى منصة فكرية بصرية تستنطق التساؤلات حول الهوية، والحداثة، والبيئة، والمجتمع.

الرؤية الثقافية والفنية للمهرجان

تسعى إدارة مهرجان جاكس للفنون إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية تتوافق مع رؤية المملكة في القطاع الثقافي، أبرزها:

• دعم الفنانين السعوديين: من خلال توفير مساحة عرض لأعمالهم ومساعدتهم على الوصول إلى جمهور أوسع محلياً ودولياً.

• الانفتاح على الفنون العالمية: عبر استضافة فنانين من مختلف أنحاء العالم وعرض تجاربهم الفنية داخل المملكة.

• التفاعل مع الجمهور: من خلال تجارب غامرة وورش عمل تعليمية تُشرك الزوار في عملية الإنتاج الفني.

• تطوير الصناعات الإبداعية: من خلال ربط الفن بالاقتصاد، وتحويل الفعاليات الثقافية إلى روافع تنموية.

أبرز فعاليات مهرجان جاكس للفنون

يشهد المهرجان تنوعاً كبيراً في فعالياته، وتشمل:

1. المعارض التشكيلية الكبرى

تُعرض خلال هذه المعارض أعمال لفنانين سعوديين ناشئين ومرموقين، إلى جانب مشاركات من فنانين عالميين. وتتنوع المواضيع بين الحداثة، والتقاليد، والهوية، والتكنولوجيا، والطبيعة.

2. العروض البصرية التفاعلية

تُقدم تجارب رقمية متقدمة تستخدم تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي، بالإضافة إلى فنون الوسائط المتعددة، التي تتيح للمشاهد التفاعل المباشر مع العمل الفني.

3. ورش العمل الإبداعية

تشمل ورشاً في الرسم، النحت، التصميم، صناعة الأفلام، والتصوير الفوتوغرافي، وتستهدف كافة الأعمار، وتديرها شخصيات بارزة في المشهد الفني المحلي والدولي.

4. الندوات والجلسات الحوارية

يناقش خلالها الفنانون والنقاد والباحثون مواضيع مثل تطور الفن المعاصر في المملكة، دور المؤسسات الثقافية، مستقبل الفنون في المنطقة، والتحديات التي تواجه الفنانين.

5. المجسمات التركيبية في الهواء الطلق

تمثل هذه الأعمال جانباً مهماً من المهرجان، حيث تنتشر المجسمات العملاقة في الساحات الخارجية لجاكس، لتكوّن حواراً بصرياً مع المكان، وتعيد تعريف العلاقة بين الفن والفضاء.

جدول نموذجي للفعاليات (كمثال):

الأثر الاجتماعي والثقافي

لم يقتصر تأثير مهرجان جاكس على القطاع الفني فحسب، بل امتد ليشمل عدة جوانب من الحياة الثقافية والاجتماعية، منها:

• رفع الوعي الفني لدى الجمهور العام: أصبح المهرجان أداة فعالة لإدخال الفن إلى الحياة اليومية للجمهور السعودي، وربط الناس بمفاهيم فنية حديثة كانت في السابق محصورة داخل النخب الثقافية.

• تمكين الشباب: أتاح المهرجان فرصاً غير مسبوقة للفنانين الناشئين لعرض أعمالهم في منصة احترافية، مما عزز ثقتهم، وفتح أمامهم آفاقاً أوسع.

• تحفيز القطاع السياحي: جذب المهرجان عدداً كبيراً من الزوار المحليين والدوليين، وأسهم في تنشيط السياحة الثقافية في الرياض.

• دمج الفنون في التعليم: عبر الشراكات مع المدارس والجامعات، أصبح المهرجان مصدر إلهام للطلاب والباحثين في مجالات الفنون والتصميم والثقافة.

التعاونات والشراكات الدولية

يسعى المهرجان لتعزيز موقعه ضمن خريطة المهرجانات الفنية العالمية عبر التعاون مع مؤسسات كبرى مثل معهد جوته الألماني، والمجلس البريطاني، ومتاحف ومراكز فنية أوروبية وآسيوية. كما يتم استضافة فنانين عالميين بالتعاون مع سفاراتهم أو مؤسساتهم الثقافية، مما يجعل من المهرجان نقطة تلاقٍ بين الثقافات.

مستقبل مهرجان جاكس للفنون

من المتوقع أن يشهد مهرجان جاكس في السنوات القادمة توسعاً في مساحاته ومحتواه، ليشمل الفنون الأدائية والموسيقية والأفلام الوثائقية، ويعزز مكانته كمركز إقليمي للفن المعاصر. كما يُخطط لتطوير بنية تحتية رقمية للمهرجان تتيح للزوار من أنحاء العالم التفاعل مع المعروضات عن بُعد، وربط المهرجان بمنصات العرض العالمية.

ويتم العمل على برامج الإقامة الفنية للفنانين المحليين والدوليين في “جاكس”، مما يسمح بإنتاج أعمال فنية جديدة داخل الموقع ذاته، وتقديمها في دورات المهرجان التالية.

خاتمة تحليلية

مهرجان جاكس للفنون هو أكثر من مجرد فعالية فنية، إنه مشروع ثقافي استراتيجي يعكس الوجه الجديد للمملكة العربية السعودية، ويجسد التقاء الطموحات الوطنية بالإبداع الفردي. يجمع المهرجان بين الفن المعاصر والهوية المحلية، بين الصناعة الإبداعية والانفتاح العالمي، وبين الجمهور والفنان، ليشكل بذلك أحد المحاور الأساسية في المشهد الثقافي الجديد الذي ترسمه المملكة بثقة وتوازن.

المراجع:

• وزارة الثقافة السعودية – منصة جاكس للفنون.

• الهيئة العامة للترفيه – دليل الفعاليات.