سوجورنر تروث تُعَدُّ واحدة من أكثر النساء الأمريكيَّات الإفريقيَّات تأثيرًا وإعجابًا في تاريخ الولايات المتحدة. وُلِدت سوجورنر تروث في العبودية عام 1797، وقد نَشأت في ظروف قاسية في شمال ولاية نيويورك. وعانت طوال طفولتها وشبابها من الانفصال عن أسرتها ومن استغلالها كعبد. بعد حوالي ثلاثين عامًا، تمكنت من الهروب من قيود العبودية، لتصبح واحدة من أقوى الأصوات في الحركات التقدميَّة التي كانت تُعيد تشكيل المجتمع الأمريكي في ذلك الوقت.
يروي كتاب “سرد سوجورنر تروث” الذي نُشِر لأول مرة عام 1850 قصة حياتها بكلماتها الخاصة، ويُعَدُّ هذا الكتاب من بين المصادر النادرة التي تُقدِّم لمحة عن عالم العبودية في الشمال الأمريكي، وهو العالم الذي غالبًا ما يغيب عن السرد التاريخي المألوف. الكتاب، الذي كُتِب بمساعدة أوليف جيلبرت، يُوثِّق حياة سوجورنر تروث من طفولتها كعبد في ريف نيويورك إلى تحولها الديني الذي غيَّر مسار حياتها، ثم إلى دورها كشاعرة وخطيبة متجولة.
تمثل حياة سوجورنر تروث نموذجًا للقوة والتحمل، حيث استطاعت أن تتغلب على القيود الاجتماعية والنفسية والجسدية التي فرضتها عليها العبودية، لتصبح فيما بعد واحدة من أبرز المدافعين عن حقوق العبيد والنساء. استخدمت تروث شخصيتها القوية وكلماتها البليغة لتسليط الضوء على الفظائع التي كانت ترتكب بحق العبيد، وللدعوة إلى تحقيق المساواة بين الجنسين. وقد كانت خطبها تجمع بين الحماسة الدينية والفكاهة والحكمة العميقة، مما جعل منها شخصية فريدة في عالم الإصلاح الاجتماعي.
في سنواتها الأخيرة، لعبت سوجورنر تروث دورًا مهمًا في حركة التحرير والنقل الجماعي للسود إلى الغرب الأمريكي. وكرست حياتها لمساعدة العبيد السابقين على بدء حياة جديدة بعيدًا عن القهر والاضطهاد. بالإضافة إلى ذلك، عملت كمستشارة وداعية، وساهمت في صياغة توجهات الحركة النسوية المبكرة في الولايات المتحدة.
يُعتبر كتاب “سرد سوجورنر تروث” مصدرًا لا غنى عنه للمهتمين بتاريخ الولايات المتحدة، خصوصًا في فترة ما قبل الحرب الأهلية الأمريكية. إن قراءة هذا الكتاب تمنح القارئ فهمًا أعمق للتحديات التي واجهتها النساء السود في أمريكا، وخاصة في الشمال، وتُبرز الدور الكبير الذي لعبته تروث في النضال من أجل الحرية والعدالة.
من خلال قصة حياتها، تُعلِّمنا سوجورنر تروث أن التغيير الحقيقي يتطلب شجاعة استثنائية وإيمانًا عميقًا بالمساواة والعدل. وقد ألهمت كلماتها وأفعالها أجيالًا من النشطاء، وما زالت تُلهمنا حتى اليوم في سعينا المستمر لتحقيق المساواة في الفرص والحقوق لجميع البشر، بغض النظر عن العرق أو الجنس.
الكتاب الذي نشرته دار “دوفَر بابليكيشنز” في مايو 2016 ضمن سلسلة “دوفر ثريفت إديشنز” يُعد من الأعمال الأدبية الهامة التي تساهم في فهم التاريخ الأمريكي من منظور النساء السود. كما أن هذا الكتاب يُعدُّ دراسة مهمة للطلاب والمُهتمين بالتاريخ الأمريكي، حيث يُسهم في إثراء المعرفة بقصص النساء اللواتي شكلن جزءًا لا يتجزأ من حركة التحرير الاجتماعي والسياسي في أمريكا.
إنّ “سرد سوجورنر تروث” ليس فقط سردًا لحياة امرأة واجهت ظلم العبودية بل هو أيضًا شهادة على قدرة الإنسان على التغيير والمقاومة، ودعوة إلى الوقوف في وجه الظلم أينما وُجد. تظل كلمات سوجورنر تروث مصدر إلهام وتحفيز لأولئك الذين يواصلون الكفاح من أجل العدالة والمساواة في جميع أنحاء العالم.