سحر القهوة والمساء

عنوان المقال: عبق القهوة في سكون المساء

المقدمة: سحر اللحظة بين رشفات القهوة وهدوء المساء

في صمت المساء حين تنخفض الأصوات وتخفت الأضواء، تبقى القهوة وحدها تتوهج في فنجان صغير بين راحتيك، تبثّ الدفء، وتستحضر الذكريات، وتنسج خيوطًا من التأمل والسكون. ليس غريبًا أن تصبح القهوة رمزًا أدبيًا وعاطفيًا يتكرر في الشعر والرواية، ولا أن يرتبط المساء بها وكأنه موعد غرامي أبدي مع الذات والذاكرة.

ارتبطت القهوة في الثقافة العربية والعالمية بعديد من الرموز، وغدت أكثر من مشروب منبه؛ بل صارت حالة وجدانية، وعلامة على لحظة إنصات داخلي، أو بداية حوار هادئ، أو حتى ختام يوم طويل. أما المساء، فهو الإطار الزمني المثالي لتلك الطقوس؛ حيث السكينة تسود، والروح تميل إلى الاسترخاء، فتجد في القهوة ملاذًا من ضجيج النهار.

القهوة والمساء في الأدب والفكر

حين نتتبع مسار الأدب العالمي، العربي والغربي، نجد أن القهوة والمساء تكررا في أعمال العديد من الكُتّاب والروائيين كشخصيتين حاضرتين في المشهد، وليستا مجرد تفصيل هامشي. يقول محمود درويش: “القهوة لا تُشرب على عجل، القهوة أخت الوقت، تُحْتَسى على مهل، القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة، القهوة تأمّل وتغلغل في النفس وفي الذكريات.”.

أما نزار قباني فربط القهوة بالحبيب والحنين، قائلاً: “حين أكون عاشقاً… تصبح القهوة عشيقتي، وتصبح الوردة سريري.”، ما يعكس العلاقة الحميمة التي تنشأ بين الإنسان وفنجان قهوته، خاصة في المساء، حيث يستيقظ الإحساس وتسترخي الحواس.

في الفلسفة كذلك، يرى بعض المفكرين في القهوة تأملاً للحياة، وطريقة لاختبار الزمن، أو حتى مواجهة الذات. فكل فنجان هو مرآة، وكل رشفة هي بداية لحكاية أو نهاية لذكرى.

مشهدية المساء وفن احتساء القهوة

لا يمكن وصف المساء دون الحديث عن الضوء الخافت، النسائم الباردة، والظلال التي تتمدد بهدوء على جدران الغرف. وبين كل هذا، يأتي صوت ارتشاف القهوة كعنصر موسيقي خافت يشكل إيقاعًا روحانيًا.

تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تويتر، باقتباسات تُعبّر عن هذه اللحظة الفريدة التي تجمع القهوة بالمساء، وكأنها طقس يومي لا تكتمل الليلة بدونه. من أشهر هذه الاقتباسات:

• “المساء لا يحلو إلا بفنجان قهوة وحفنة من الذكريات.”

• “قهوة المساء تشبه العناق، دافئة، قصيرة، لكنها كافية لطمأنة القلب.”

• “وفي كل مساء، أُعدّ فنجاني، كأني أُعدّ لأحلامي وسري الصغير.”

• “رائحة البن في المساء تختصر كل الحكايات، وتبدأ كل الصمت.”

القهوة والمساء في الحياة اليومية: أكثر من عادة

كثيرون لا يدركون أن احتساء القهوة في المساء ليس طقسًا عشوائيًا، بل يرتبط في وجدان الشعوب بأنماط من الراحة النفسية وإعادة التوازن بعد ضغوط اليوم. فالقهوة، برائحتها ومذاقها، تثير الهرمونات المرتبطة بالسعادة مثل الدوبامين، في حين يهيئ المساء الجسم والعقل لصفاء ذهني بعيدًا عن التوترات.

أضف إلى ذلك أن لحظة القهوة المسائية تشكل فرصة لمراجعة الذات، أو التلاقي بين الأحبة والأصدقاء، أو حتى العزلة الإيجابية التي تكون فيها النفس أصدق ما تكون. إنها لحظة استراحة فكرية وعاطفية في زمن متسارع.

بين الذائقة والرمز: القهوة كهوية ثقافية

لكل شعب قهوته، لكن الروح التي تتغلغل في القهوة المسائية تتجاوز المذاق إلى البعد الثقافي والوجداني. في العالم العربي، ترتبط القهوة بالكرم والضيافة والترابط، بينما نجد في الأدب الفرنسي مثلاً رمزية للقهوة المسائية مرتبطة بالبوح، كما لدى جان بول سارتر الذي كان يكتب كثيرًا في المقاهي الباريسية. أما الأتراك، فقد منحوا قهوتهم بعدًا تراثيًا حميمًا، حيث تُقدّم دائمًا مع الماء والحلوى، في دلالة على التكامل الروحي والجسدي للّحظة.

في هذا السياق، نجد أن المساء لا يشكل فقط توقيتًا عابرًا، بل مناسبة منتظرة لتحضير القهوة بعناية، واختيار الفنجان المناسب، وربما تشغيل موسيقى هادئة، وتهيئة الجو لطقس أقرب إلى التأمل الصوفي.

اقتباسات عالمية عن القهوة والمساء

في ما يلي جدول يضم بعض أشهر الاقتباسات العالمية التي جمعت بين القهوة والمساء، من ثقافات مختلفة:

القهوة والمساء في وسائل التواصل: طقوس رقمية جديدة

في عصر الرقمنة، باتت صور فنجان القهوة في المساء تُشارك يوميًا بالملايين، مع اقتباسات ومشاعر وأحيانًا موسيقى خلفية. أصبح المساء رقميًا أيضًا، والقهوة فيه ركن أساسي لكتابة المنشورات، وتبادل الحنين، واستعادة الصفاء. هذه الثقافة الرقمية أضافت بُعدًا جديدًا للقهوة المسائية، حيث لم تعد مقتصرة على الذات، بل باتت تُشارك الآخرين، في فعل جماعي من الحنين والرغبة في البوح.

الختام: القهوة والمساء… طقسان للروح والذاكرة

يبدو أن العلاقة بين القهوة والمساء ليست مجرد صدفة زمنية، بل هي اتفاق داخلي بين روح الإنسان وحاجته للسكينة. ففي كل مساء، حين تبدأ القلوب في الانسحاب من ضجيج اليوم، وتهمّ العيون في التلاشي إلى الداخل، تظل القهوة رفيقة هذا العبور، دافئة، صامتة، وصادقة. إنها ذاكرة مُحضّرة بعناية، وجرعة صغيرة من الفلسفة، ومرآة ترى فيها النفس ملامحها دون زيف.

المراجع:

• درويش، محمود. “أثر الفراشة”، دار العودة، بيروت.

• Murakami, Haruki. Kafka on the Shore, Vintage International.