سبب نزول سورة النجم

سبب نزول سورة النجم

سورة النجم هي واحدة من السور المكية التي نزلت في مرحلة حرجة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وتعد من السور التي أثارت العديد من الأسئلة والتأملات الفقهية والتاريخية، بسبب أحداثها وموضوعاتها التي تناولت قضايا عقائدية عميقة. هذه السورة تحمل في طياتها العديد من المواقف التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وتعتبر أيضًا من السور التي تُعزز عقيدة التوحيد، وتكشف عن معجزات النبي وآياته، فضلاً عن معالجة قضايا الشرك والنفاق والآخرة.

التفسير العام للسورة

سورة النجم تتألف من 62 آية، وهي السورة رقم 53 في ترتيب المصحف الشريف. تتحدث السورة في مجملها عن النبوة، عن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنها تتناول قضايا عقائدية مهمة مثل البعث والنشور، والشرك بالله تعالى، فضلًا عن تأكيد وحدة الله سبحانه وتعالى. السورة تبدأ بتأكيد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للمعجزات التي أيده الله بها، مثل رحلة الإسراء والمعراج، وتشرح كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حالة من الرفعة الدينية، وأنه كان يتلقى الوحي بشكل مباشر من الله.

في الآيات الأولى من السورة، يشير القرآن الكريم إلى النجم الذي يسقط أو يتحرك، وهو رمز للبداية، للضوء والنور الذي يضيء السماء. والسورة تنقل هذه الرمزية إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي يعتبر النجم الهادي للبشرية.

سبب نزول سورة النجم

قد وردت عدة أقوال وموضوعات تتعلق بــ “سبب نزول” سورة النجم، وهذه الأسباب تأتي في إطار الأحداث التي مرت على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة خلال فترة دعوته. هذه الفترة كانت تتسم بالشدّة والتحديات الكثيرة، وتزامنت مع عدد من الأزمات والتحديات الكبرى في حياة النبي وأتباعه، وهو ما جعل السورة تتفاعل مع تلك الأزمات وتمنح رسالة مؤثّرة للمؤمنين.

1. إبطال دعوى المشركين بالنبوة

كان من أبرز الأسباب التي وردت في نزول سورة النجم هو محاربة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم. حيث كانوا ينكرون الوحي والنبوة التي كان يحملها النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يستهزئون به وبما جاء به. فبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى التوحيد وترك عبادة الأوثان، كان المشركون يصفونه بالجنون والتخريف. في هذه الأجواء، نزلت الآيات الأولى من سورة النجم تأكيدًا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتبع إلا وحيًا من الله تعالى، وأنه لا يقول إلا الحق.

2. التأكيد على نزول الوحي والرسالة

تؤكد السورة أن النبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا رسول يتلقى الوحي من الله تعالى، وأنه ليس من عند نفسه، وبالتالي فإن ما يبلغه هو حق لا شك فيه. وتبدأ السورة بقوله تعالى: “وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ”، أي أن هذا الوحي نزل من الله سبحانه وتعالى، ومثل النجم الهاوي هو مصطلح للإشارة إلى النور والهدى الذي يرسله الله للبشرية. هذا التأكيد كان ضروريًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعرض للطعن في صدقه من قِبل المشركين.

3. معجزة الإسراء والمعراج

واحدة من أبرز الأحداث التي ترتبط بنزول سورة النجم هي معجزة الإسراء والمعراج. كانت حادثة الإسراء والمعراج في غاية الأهمية، حيث أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم في رحلة ليلية من مكة إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج به إلى السماوات العلى حيث التقى بالأنبياء ورأى عظمة الله تعالى. هذه الحادثة كانت مصدرًا للإنكار من قِبل المشركين، فقد اعتبروها حديثًا خرافيًا وغير معقول. وقد نزلت السورة لتدحض هذه الاتهامات وتؤكد على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق عن الهوى، بل أن ما يراه من معجزات هو من عند الله.

4. إبطال مزاعم الكهنة والمشعوذين

في مكة، كان هناك أيضًا العديد من الكهنة والمشعوذين الذين كانوا يدّعون معرفة الغيب والتحدث باسم الآلهة. كما كان بعضهم يزعمون قدرتهم على التأثير في حياة الناس. وقد كان هؤلاء الأشخاص يروجون لأفكارهم في مقابل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم. فالسورة جاءت لتؤكد على أن الله وحده هو الذي يعلم الغيب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس إلا عبدًا رسولًا من الله، وما يبلغه من الوحي لا يشوبه أي تلاعب أو تحريف.

5. التأكيد على الحقيقة والصدق في الرسالة

كذلك، ورد في بعض التفاسير أن السورة نزلت في وقت كان بعض الصحابة يواجهون الحيرة من كثرة الإشاعات والهجوم المستمر من قِبل المشركين على الإسلام. لذلك، كانت السورة بمثابة تأكيد على حقيقة الرسالة، ودحضًا لكل محاولة لتشويه معاني التوحيد. وقد ظهرت هذه الحقيقة في قوله تعالى: “مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ”، حيث يؤكد الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضل ولم يخطئ في تبليغ الرسالة، بل هو في أعلى مراتب الهداية.

معاني ومقاصد السورة

تتسم سورة النجم بعمق معانيها وتنوع مقاصدها. وتحتوي على العديد من الدروس والمواعظ التي يمكن أن يستفيد منها المسلمون في كافة الأوقات. بعض المقاصد الرئيسية للسورة يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1. التحذير من الشرك بالله

الآيات التي تتحدث عن عبدة الأوثان والشرك بالله جاءت لتوضّح خطورة الشرك وكيف أنه يبعد الإنسان عن التوحيد ويجعل مصيره الهلاك. فالسورة تذكّر المسلمين بضرورة الحفاظ على نقاء عقيدتهم والإيمان بالله تعالى.

2. التأكيد على العقيدة الإسلامية

السورة توضح بجلاء عقيدة الإسلام القائمة على الإيمان بالله ورسوله. وتحث المسلمين على التمسك بهذه العقيدة وعدم الانحراف عنها بأي حال من الأحوال، خصوصًا في وقت كان يعاني فيه المسلمون من اضطهاد المشركين.

3. التأكيد على البعث والنشور

من أبرز مواضيع السورة هو الحديث عن البعث والنشور في الآخرة، حيث تشير السورة إلى أن حياة الإنسان ليست هي النهاية، بل هناك حساب وجزاء على الأعمال التي قام بها في الدنيا.

4. الرد على دعاوى الكذب والافتراء

السورة ردت على ادعاءات المشركين بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختلق الأحاديث، وبينت أن ما جاء به هو وحي من الله تعالى، وأنه لا ينطق عن الهوى.

5. التأكيد على أهمية الصلاة والطهارة

نزلت السورة في وقت كانت فيه الصلاة والطهارة من الأمور التي ينكرها المشركون، فقد كانت السورة تؤكد على الصلاة كركيزة أساسية في الإسلام وعلى أهمية الطهارة والوضوء.

خاتمة

سورة النجم من السور التي تحمل في ثناياها العديد من المعاني العميقة والمقاصد السامية. سبب نزول السورة يعكس الظروف الصعبة التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، حيث كان يعاني من اضطهاد قريش وتكذيبهم لرسالته. ولذلك، كانت السورة بمثابة توجيه إلهي له، ولأصحابه، وللمؤمنين في كل زمان ومكان.