سبب نزول سورة المعارج
تُعدُّ سورة المعارج من السور المكية التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، وتُعتبر من السور التي تتحدث عن موضوعات تتعلق بالمشاهد الأخروية، وتوجهات النفس البشرية تجاه الآخرة والحساب. جاءت هذه السورة لتوضيح مصير المكذبين وتعريف المؤمنين بما ينتظرهم في الحياة الآخرة، بأسلوب بليغ ورؤى فنية، تدمج بين الأسلوب القصصي والاستعارات البيانية المدهشة التي تحمل دلالات عميقة.
أما عن سبب نزول السورة، فقد نزلت في إطار الرد على استهزاء المشركين وتهكمهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وتكذيبهم له، فضلاً عن تهديدهم له بالتعذيب. قد يكون نزول السورة مرتبطًا مباشرة بالواقع الذي كان يعيشه النبي وأتباعه في مكة، حيث كان المشركون يشككون في حقيقة الرسالة ويستهزئون بكل ما يتعلق بها، وكانوا يطالبون النبي بمعجزات مادية واضحة كما طلبوا سابقًا من غيره من الأنبياء.
مشهدية السورة وتأثير الاستهزاء
يعود جزء كبير من سبب نزول سورة المعارج إلى موقف المشركين الذين كانوا يسخرون من الوعد الذي أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم القيامة. وكانوا يستنكرون فكرة الحساب والعذاب في الآخرة، معتقدين أنها مجرد خرافات لا أساس لها من الصحة. السورة تعكس تمامًا حالة الاستهزاء والرفض التي كانوا يلقونها على النبي، فهي تأتي في صيغة خطابية قوية ترد على تلك المزاعم.
في بداية السورة، يتم تصوير المشهد على أنه لحظة من لحظات المحاكمة الكونية الكبرى، حيث يتحرك الكون في مشهدٍ عظيم، ويأتي الملائكة صعودًا إلى السماء ليتلقوا أوامر الله. ومن خلال هذه الصور التصويرية، تتوالى الآيات لتبين أن ما يعد به الله من آيات وآلام ونعيم في الآخرة هو أمر واقع لا محالة، وأن تكذيبهم هو ضرب من الغرور البشري.
تهكم المشركين على النبي
وفقًا لما نقلته كتب التفسير، فإن المشركين كانوا في بعض الأحيان يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يُنزل عليهم عذابًا من السماء إن كانوا يكذبونه، وكانوا يطالبونه أيضًا بمثل المعجزات التي كانت تظهر على أيدي الأنبياء السابقين. وقد ورد عن بعض المفسرين أن هذه السورة نزلت رداً على هؤلاء الذين كانوا يستهزئون ويطلبون معجزات مادية للتيقن من صدق الرسالة، فأجابهم الله سبحانه وتعالى في هذه السورة بأوضح صورة، مؤكدًا لهم أن الوعيد قريب وأن الحساب سيكون شديدًا.
وفي هذا السياق، تأخذ السورة شكلًا تحذيريًا، إذ توضح للمشركين أن المعجزات التي يطالبون بها ليست إلا في متناول القدرة الإلهية، وأن أمر الله إذا جاء، لن ينفعهم استهزاؤهم ولا اعتراضاتهم.
الإشارة إلى العذاب الآتي
كذلك، يمكن القول إن السورة تركز على تصوير العذاب الذي ينتظر المكذبين. فعندما أخبر الله عن سرعة صعود الملائكة إلى السماء لرفع الدعاء، والتقدّم نحو ما يحدده الله لهم من مهام، كان ذلك بمثابة إجابة قاطعة للمكذبين الذين يطالبون بمعجزات مادية ويرفضون الفكرة عن الحياة الآخرة.
إحدى الآيات التي تصف حالة المكذبين هي قوله تعالى في بداية السورة: “سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ”، حيث يطلب السائل العذاب، على الرغم من علمه بأن هذا العذاب واقع لا محالة. هذا الاستهزاء يعكس تجاهل المكذبين للحقائق الواضحة التي تحدثها السورة عن تصاعد الأحداث في يوم القيامة.
تهديد المشركين وتأكيد عقابهم
استمر تهديد الله للمكذبين في السورة عبر تصوير المشاهد القيامة بشكل واضح، حيث ذكر أن الملائكة ترتقي إلى السماء في وقتٍ محدد، وأن الأيام تطوي بعنف كما في قوله تعالى: “تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ”. هذه الصورة توضح للأمة أن العذاب سيكون من طبيعة استثنائية، فاليوم الذي يقترب منه المكذبون ليس كأي يوم عادي، بل هو يومٍ طويل جدًا، مقداره خمسون ألف سنة من الحساب. وفي هذا الفهم الرمزي الذي وضعته السورة، يطلب الله من المكذبين أن يتحلوا بالصبر، لأن الهلاك آتٍ إليهم في نهاية المطاف.
هذه الإشارة إلى هذا التوقيت اللامتناهي توضح حجم العقاب الذي سيلاقيه المكذبون. أما المؤمنون الذين يؤمنون بهذا اليوم، فهم في حالة من الاستعداد النفسي والعقلي لهذا الحساب العظيم.
الصورة التوضيحية في السورة
السورة تُظهر مشهدًا من مشاهد الحياة الدنيا التي تبرز فيها معاناة المؤمنين في تحمل الأذى من المكذبين، والتحديات التي يواجهونها في سبيل الدعوة إلى الله. هذه المعاناة يتم تصويرها في سياق مؤلم، حيث تميز السورة بين حالتي المكذبين والمؤمنين. ففي حين أن المكذبين في ضياع واستحقاق للعذاب، يبقى المؤمنون في حالة انتظار للثواب العظيم الذي وعدهم الله به.
دلالة السورة في القرآن الكريم
تُعدُّ سورة المعارج من السور التي تنبأت بما سيواجهه النبي صلى الله عليه وسلم من معاناة جراء تكذيب المشركين لرسالته. وإنّ التأمل في سبب نزول السورة يكشف عن محورية موضوعات مثل الحساب والعذاب في القرآن الكريم بشكل عام، والتي غالبًا ما تتخذ طابعًا تنبيهًا للأمم التي أغلقت قلوبها عن الحقائق الإلهية.
لذلك، جاءت السورة لكي تكشف للمؤمنين سُبل الصبر والثبات في وجه الأذى، بينما تحذر المكذبين من مغبة جحودهم واستهزائهم. كما أن السورة تضع أمامنا صورًا مستقبيلة من شأنها أن تشعر الإنسان بتواضعه في مواجهة هذا الكون الواسع، وضرورة استعداد الإنسان للآخرة.
في الختام
من خلال التأمل في سبب نزول سورة المعارج، يتبين أن هذه السورة جاءت لترد على مواقف السخرية والإنكار التي تعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم من قبل المشركين في مكة، لتبرز مشهد الحساب والعذاب الذي ينتظرهم في الآخرة. وقد تطرقت السورة أيضًا إلى مسألة ثبات المؤمنين على دينهم، وتوضيح أن الحياة الدنيا وإن كانت مليئة بالصعاب، إلا أن الآخرة هي المحك النهائي للمؤمنين.
