سبب نزول سورة الفرقان

سبب نزول سورة الفرقان

تعد سورة الفرقان من السور المكية، وهي من السور ذات الطابع القوي في خطابها وأسلوبها الجدلي الذي يرد على شبهات الكافرين والمكذبين برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. تتناول السورة بأسلوب محكم قضايا الإيمان والرسالة والوحي والقرآن، كما تدحض افتراءات المشركين وتبين صفات عباد الرحمن، وتؤسس لمنهج قرآني متكامل في الدفاع عن العقيدة وبيان الحقائق الكبرى.

وقد نزلت سورة الفرقان في مكة المكرمة في مرحلة كانت الدعوة الإسلامية فيها تواجه موجة من التكذيب والتشكيك من قبل المشركين، وتحديدًا من زعماء قريش الذين تجرؤوا على الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى القرآن الكريم الذي أنزله الله عليه. وتضمنت هذه السورة الكريمة العديد من الآيات التي وردت استجابةً لاعتراضات المشركين أو ردًا على أقوالهم الباطلة، وهي آيات تكشف عن السياق التاريخي الذي نزلت فيه وتدل على السبب المباشر لنزولها.

1. السياق العام لنزول السورة

كانت قريش في مكة تسعى بكل وسيلة لتكذيب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتشويه دعوته، والطعن في القرآن الكريم. فقد ادعوا أنه ليس من عند الله، بل زعموا أنه من قول البشر، وأن النبي تعلمه من غيره. كما طالبوا مرارًا بآيات مادية محسوسة، وقالوا: “لولا أنزل عليه ملك؟”، و”لولا أنزل عليه كنز؟”، و”لولا كان له جنة يأكل منها؟”. وردّت السورة على هذه المزاعم بأسلوب عقائدي قوي يُثبت ألوهية الرسالة وصدق النبوة.

2. سبب نزول الآية الأولى من سورة الفرقان

قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: 1]

جاءت هذه الآية الكريمة لتقرر حقيقة أساسية وهي أن القرآن الكريم “الفرقان” هو تنزيل من الله، وأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو عبد الله الذي اختاره ليحمل هذه الرسالة العالمية. وقد جاءت هذه الآية ردًا عامًا على المشركين الذين كانوا يطعنون في مصدرية القرآن وفي صدق النبي محمد، فجاءت الكلمة الأولى من السورة “تبارك” لتدل على التعظيم، وكأنها تمهد لسرد الحقائق الكبرى في هذه السورة.

الفرقان هنا ليس مجرد اسم للقرآن، بل هو وصف له، إذ أن القرآن يفرق بين الحق والباطل، بين الإيمان والكفر، وبين طريق الجنة والنار. وقد افتتحت السورة بهذا الإعلان المهيب لتثبيت المسلمين وتفنيد مزاعم المشككين.

3. سبب نزول قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾ [الفرقان: 4]

ورد في كتب التفسير أن هذه الآية نزلت ردًا على مزاعم الكفار الذين اتهموا النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم بأنه اخترع القرآن من عند نفسه، وأن هناك أعوانًا يساعدونه على تأليفه. وقد ذكر بعض المفسرين أن قريشًا أشاعت أن غلامًا نصرانيًا كان يجلس مع النبي هو الذي يعلمه القرآن، وهو من “قوم آخرين” غير العرب.

فجاء الرد الإلهي المفحم ليكشف زيف هذه الادعاءات، مؤكدًا أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من افتراء بشر، بل هو تنزيل من الله. يقول الطبري في تفسيره: “قصدهم في ذلك أن يطعنوا في القرآن، ويشككوا الناس فيه، فقالوا: إن هذا الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام هو اختلاق من عنده، ووراءه قوم من أهل الكتاب أو من العجم يلقنونه ما يقول.”

4. سبب نزول قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان: 7]

من أبرز اعتراضات كفار قريش على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أن سلوكياته لا تختلف عن سلوكيات البشر العاديين، فهو يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. فأنكروا نبوته استنادًا إلى هذه الأمور الظاهرة، متسائلين: كيف يكون نبيًا وهو لا يملك شيئًا من مظاهر التميز الدنيوي أو الغنى أو المعجزات المادية؟

وقد نزلت هذه الآية ردًا على هؤلاء، لتبين أن الأنبياء هم بشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وهذه من سنن الله في خلقه، ولا تنقص من شأن الرسالة شيئًا. وقد تكررت هذه الاعتراضات في سور مكية أخرى، مما يدل على أن هذا كان من الحجج المتكررة لقريش.

5. سبب نزول قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا﴾ [الفرقان: 8]

اتهم المشركون النبي بأنه مسحور، وهو من الأساليب التي استخدموها لتشويه صورته أمام الناس. وجاءت هذه الآية ردًا على هذه التهمة الباطلة، فكون النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتلو آيات من القرآن بهذا المستوى البلاغي والإعجازي لا يمكن أن يكون صادرًا عن رجل “مسحور”، وإنما هو وحي من عند الله. وقد بينت السورة أن هذه التهمة ليست سوى ذريعة للتكذيب والعناد.

6. سبب نزول قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا﴾ [الفرقان: 21]

كان من اعتراضات المشركين أنهم طالبوا برؤية الله أو بنزول الملائكة عليهم مباشرة، ظنًا منهم أن ذلك سيكون دليلاً على صدق النبوة. وقد جاء الرد الإلهي بأن من لا يرجو لقاء الله أصلاً، لا تنفعه آية ولا يؤمن بها، ولو نزلت الملائكة بالفعل. فالإيمان يحتاج إلى استعداد داخلي، لا إلى معجزة مادية فقط.

7. سبب نزول قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30]

هذه الآية تصور شكوى النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه من قومه الذين هجروا القرآن، وهو هجْر متعدد الأوجه، قد يكون هجرًا لقراءته، أو لهجر العمل به، أو التكذيب به، أو الإعراض عنه. وقد ورد في تفسير ابن كثير أن هذه الآية تحمل معنى الحزن الشديد الذي كان يعتري قلب النبي بسبب إعراض قومه عن دعوته، وهي أيضًا تحمل في طياتها تحذيرًا من الوقوع في هذا الهجر.

8. خصائص الأسلوب في سورة الفرقان المرتبطة بأسباب النزول

أسلوب السورة قوي في الطرح، حازم في الرد، مليء بالتفنيد العقلي والبلاغي للمزاعم الباطلة. تظهر فيها الألفاظ الشديدة والمواقف الصارمة التي تناسب طبيعة المعركة الفكرية التي كانت دائرة في مكة بين الإسلام والكفر. وتُظهر أسباب النزول كيف كان الوحي يتنزل بتتابع حسب الأحداث والتحديات.

9. جدول يوضح أبرز الآيات المرتبطة بسبب نزول مباشر في السورة

10. الخاتمة العلمية

إن سورة الفرقان تمثل وثيقة قرآنية مهمة في تفنيد مزاعم المشركين حول النبوة والقرآن، وقد نزلت آياتها في سياق جدلي عقائدي يظهر مدى عناد الكافرين واستكبارهم. وقد كشفت أسباب نزول هذه الآيات جانبًا مهمًا من طبيعة التحدي الذي واجهه النبي محمد صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته، وأظهرت كيف كان القرآن الكريم يتنزل مواكبًا لحركة الواقع، معالجًا كل طعن ورد شبهات بآيات من عند الله.

المراجع:

• الطبري، جامع البيان في تأويل آي القرآن.

• ابن كثير، تفسير القرآن العظيم.