سبب نزول سورة الشمس

سبب نزول سورة الشمس

تعتبر سورة الشمس من السور المكية التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، وتحتل هذه السورة ترتيب رقم 91 في المصحف الشريف. رغم قصر السورة، إلا أن معانيها عميقة ودلالاتها كبيرة، حيث أنها تمثل دعوة للإنسان للتفكر في نفسه وفي النعم التي أنعم الله بها عليه. وقد تحدث المفسرون عن سبب نزول هذه السورة في ضوء الأحداث التي كانت تقع في فترة نزول الوحي.

الآيات التي تضمنتها سورة الشمس تجمع بين الوصف الكوني والتوجيه الإلهي للإنسان. تتحدث السورة عن الشمس، والقمر، والليل، والنهار، وأثر هذه الظواهر الكونية في حياة الإنسان، ثم تتوجه بتوجيهات أخلاقية وروحية. وفي هذا المقال، سوف نتناول سبب نزول سورة الشمس وكيفية ارتباط أحداث السورة بحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

السورة في سياقها التاريخي

قبل الخوض في سبب نزول السورة، من الضروري فهم سياقها التاريخي. كانت مكة في ذلك الوقت بيئة مليئة بالتحديات، حيث واجه النبي محمد صلى الله عليه وسلم معارضة شديدة من قريش بعد أن بدأ يدعو الناس إلى توحيد الله وترك عبادة الأصنام. في تلك الفترة، كان كفار قريش يتخذون مواقف عدائية من دعوة النبي، ويقفون في وجه الإسلام.

في هذا السياق، نزلت العديد من السور المكية التي تركز على تحذير الكفار وتوضيح الحقائق الإيمانية والكونية التي تساعد في تصحيح مفاهيمهم. وتعتبر سورة الشمس واحدة من السور التي تضمنت رسائل قوية للمكذبين، وعبرت عن حقائق قد يراها البعض غير واضحة إلا أن الله تعالى بين فيها الأسباب التي تفضح أفعالهم وتدعوهم إلى التوبة والرجوع إلى الحق.

تفسير الآيات: ماذا تقول السورة؟

تبدأ سورة الشمس في الآية الأولى بذكر الشمس:

“وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا”

هذه الآية تذكر الشمس وتبين وضوحها في النهار، وهي دعوة للتأمل في عظمة خلق الله، وكيف أن الشمس تضيء الكون وتبعث الحياة فيه. الشمس تُمثل النور، وهي رمز للحقيقة التي لا يمكن أن تخفى على أحد. هذه الرمزية تحمل رسالة للكفار، إذ أن الحقيقة واضحة مثل ضوء الشمس في النهار، ولكنهم يتجاهلونها بظلمهم وتكذيبهم.

بعد ذلك، تأتي الآية الثانية التي تذكر القمر:

“وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا”

هذه الآية تذكر القمر الذي يتبع الشمس. في القرآن، يشير القمر في الغالب إلى التدرج والتغير، فهو يظهر ويختفي وفقاً لمراحله. وقد يُراد بهذا أن هناك فترات مختلفة من الهداية والضلال في حياة الإنسان، كما أن القمر له مراحله التي تَظهر وتختفي.

ثم تأتي الآية الثالثة:

“وَالْنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا”

وهنا يشير إلى النهار عندما يبرز ويتجلى، ليعكس الوضوح والنقاء. فالنهار ليس فقط وقتاً للرؤية، بل هو أيضاً وقت للعمل، والتوجيه، ووضوح الحقائق.

ثم تأتي الآية الرابعة:

“وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا”

الليل هنا يمثل الظلام، ولكنه أيضاً وقت للراحة والتفكر. هذه الآية تدعو الإنسان للتفكير في الفترات المظلمة في حياته، وكيف يمكنه أن يتغلب عليها ليعود إلى النور، كما أن الليل يعقب النهار.

ثم تنتقل السورة إلى التركيز على النفس البشرية، حيث تأتي الآية الخامسة:

“وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا”

هذه الآية تذكر السماء، وكيف أن الله هو الذي خلقها وزينها. السماء تُرمز في كثير من الأحيان في القرآن إلى العلو والرفعة. قد يكون هذا أيضاً دعوة للإنسان للرفع من نفسه وأخلاقه، والانتصار على عيوبه.

تليها الآية السادسة:

“وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا”

وذكر الأرض هنا هو تذكير للإنسان بأن الأرض مهد له، وأنه يعيش عليها مستفيداً من جميع النعم التي أنعم الله بها. وهذه النعم يجب أن يدرك الإنسان حجمها ويشكر الله عليها.

ثم تأتي الآية السابعة:

“وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا”

الحديث عن النفس البشرية هنا يحمل في طياته دعوة للتأمل في النفس الإنسانية وكيف أن الله خلقها بتوازن، بل وساواها وفقاً لما هو أنسب لها. هذه الآية تشير إلى أن الإنسان له القدرة على التغيير والتحسين، ولكن يجب أن يستفيد من هذه الفطرة السوية.

في الآية الثامنة، تقدم السورة حقيقة هامة:

“فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا”

الله تعالى ألهم النفس البشرية التمييز بين الفجور والتقوى. إن الإنسان لديه القدرة على التفريق بين الخير والشر، لكن عليه أن يستغل هذه القدرة لتحقيق التقوى وترك الفجور.

سبب النزول

رغم أن السورة في ظاهرها تتحدث عن الظواهر الكونية وتستعرض بعض الحقائق الطبيعية، فإن سبب نزول السورة يرتبط بشكل وثيق بتوجيهات الله للمكذبين من قريش، وذلك بعد أن كانوا يواصلون طعنهم في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.

رواية سبب النزول:

من خلال ما ورد في بعض كتب التفسير، يذكر أن السورة نزلت في سياق اتهام قريش للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالكذب والسحر. حيث كان من بين المكذبين “أمية بن خلف” و”أبو جهل” الذين اتهموا النبي محمد صلى الله عليه وسلم بتدبير مؤامرات وادعاء النبوة. لذا، كان المقصود من السورة رد هذا الادعاء وتحقيق كشف الحقيقة التي تعود للناس، مثل الشمس التي لا يمكن إخفاء ضوءها.

إن الله سبحانه وتعالى هنا يلفت الأنظار إلى الشمس والسماء والأرض كرموز للحقائق الثابتة، التي لا يمكن لأي أحد أن ينكرها أو يتلاعب بها. بذلك، كان الله يُدرك أن هؤلاء المكذبين كانوا يتغاضون عن الحقائق الواضحة مثل الشمس، فوجه لهم توجيهًا مهمًا بأن الحقيقة لا يمكن إنكارها مهما كانت مواقفهم.

الختام

إن سورة الشمس تحمل بين آياتها دعوة عظيمة للتفكر في الكون، وفي النفس البشرية، وفي الحقائق التي قد يتجاهلها البعض. من خلال آياتها، تتجلى قدرة الله عز وجل في خلقه الذي لا يقدر على إنكاره أحد. كما أن السورة تأخذنا إلى عمق النفس البشرية، وتحثنا على التوبة والإصلاح، وعلى الاستفادة من الفطرة السوية التي وهبها الله لنا.