سبب نزول المعوذتين

سبب نزول سورتي الفلق والناس:

تعد سورتي الفلق والناس من السور القصيرة التي تقع في آخر جزء من القرآن الكريم، وهما من السور التي تُسمى “المعوذات”، وذلك لأنهما يعدان من الأدعية التي يُستعاذ بها من الشياطين والأذى. ولكن ما سبب نزول هاتين السورتين؟ هذا ما سنتناوله في هذا المقال بشكل تفصيلي، مُبرزين السياق التاريخي والديني، وكذلك التفاسير المختلفة المتعلقة بهذه السور.

سورة الفلق:

الآيات:

سورة الفلق هي السورة رقم 113 في ترتيب المصحف، وهي تتكون من خمس آيات قصيرة. تبدأ السورة بآية “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ”، وهي دعاء من النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه، مستعينًا به من كل شر قد يصيبه من عدة أمور، من بينها الشرور الناتجة عن الحسد والسحر والشرور الطبيعية.

سبب النزول:

أجمع العلماء على أن سبب نزول سورة الفلق كان في واقعة معينة حدثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أشار العديد من المفسرين إلى أنها نزلت في إطار حماية النبي من أذى حسد وكيد المشركين. وأكثر التفاسير التي تتداول في هذا الصدد تذكر أن هناك رجلاً من المشركين كان يُسمى “لبيد بن الأعصم”، وهو يهودي من بني زُرَيْبَة، قد سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع النبي في نوع من الألم والضعف الشديدين، فأمره الله عز وجل بأن يستعيذ به من شر الحسد والعين والسحر.

يتحدث القرآن الكريم في هذه السورة عن مجموعة من المخاطر التي قد يتعرض لها الإنسان، مثل الشر الذي يصيب الإنسان من الحاسدين، ومن تأثير السحر، ومن ضيق الليل أو الظلام. ففي قوله تعالى: “مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ”، يُفهم أن هذا يشمل جميع المخلوقات التي قد تتسبب في الأذى للإنسان. وقد جاء الدعاء في السورة بعد أن عرف المسلمون أن الشر قد يأتيهم من جهات غير مرئية، كالعين والحسد.

تفسير الآيات:

• قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ: هنا يتوجه النبي صلى الله عليه وسلم لله سبحانه وتعالى، طالبًا الحماية منه من شرور الخلق جميعًا، حيث يعتبر الله هو “رب الفلق”، أي مسبب الفجر والتفريج، والذي ينقض الظلام.

• مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ: طلب استعاذة من شرور كل شيء خلقه الله، سواء كانت من جني أو إنس أو أي مخلوق آخر.

• مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ: في هذه الآية، يُستعاذ بالله من شر الظلام حين يبدأ في الانتشار، وهي إشارة إلى خطر الليل، وما فيه من مخاطر، مثل المخلوقات الليلية أو الأنشطة الضارة التي تتخذ من الليل ستارًا.

• وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ: يشير إلى أولئك الذين يقومون بالسحر، ويطلق عليهم “النفاثات” لأنهم ينفخون أو ينفثون على عقد معينة في السحر.

• وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ: وفي هذه الآية يتم طلب الحماية من الحسد، الذي يعتبر من أشد الأذى الذي يمكن أن يلحق بالإنسان.

سورة الناس:

الآيات:

سورة الناس هي السورة رقم 114 في ترتيب المصحف، وهي تتكون أيضًا من ست آيات. هذه السورة تُعد أكثر السور وضوحًا في طلب الاستعاذة بالله من شرور المخلوقات غير المرئية، وتختتم القرآن الكريم في باب الاستعاذة والملاذ الآمن من كل شر.

سبب النزول:

أما عن سبب نزول سورة الناس، فقد ورد في العديد من التفاسير أنها نزلت أيضًا بسبب السحر الذي تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم على يد لبيد بن الأعصم. وقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى من مرضٍ طويلٍ، فظهرت علامات تشير إلى وجود سحر قد وقع عليه، وعندما سئل عن السبب، أخبره جبريل عليه السلام بأن سحرًا قد تم عمله له، مما جعل هذا الأمر سببًا في نزول سورة الناس.

لكن بالرغم من أن السورة تشير إلى استعاذة بالله من الشرور، إلا أن ذلك لا يعني أن السحر قد وقع على النبي صلى الله عليه وسلم بشكل دائم أو أن ذلك كان واقعًا مستمرًا، وإنما كان ذلك محنة مؤقتة من أجل أن يُعلم الأمة بضرورة الاعتماد على الله في الوقاية من أي شر.

تفسير الآيات:

• قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ: كما في سورة الفلق، يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم استعاذته، ولكنه هنا يستعيذ بالله بوصفه “رب الناس”، وهو الذي يتولى أمر الناس ويرعاهم.

• مَلِكِ النَّاسِ: تأكيد على أن الله هو المالك والمتصرف في كل شؤون خلقه، وكل شيء في الكون يعود إلى مشيئته.

• إِلَٰهِ النَّاسِ: تذكير بأن الله هو الإله الذي يجب أن يعبد ويستعاذ به من جميع المخاطر.

• مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ: في هذه الآية، يُستعاذ بالله من الشيطان الذي يُوسوس في صدور الناس، فيخنُس عنهم ويبتعد عنهم عندما يذكرون الله ويستعيذون به.

• الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ: الوسوسة في القلب تُعد من أخطر أساليب الشيطان لإبعاد المؤمنين عن الطاعة والإيمان.

• مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ: هذه الآية تدل على أن الشيطان قد يكون من الجن أو من البشر، وأحيانًا يتعاون الشيطان مع الجن في إيذاء الناس.

الدروس والعبر من نزول السورتين:

سورتي الفلق والناس تأتيان في سياق من السور التي تستهدف الحماية من جميع أشكال الشر التي قد تتهدد الإنسان، سواء كانت هذه الشرور من البشر أو الجن. في الحالتين، يحثنا القرآن الكريم على اللجوء إلى الله، الذي هو الحامي والملجأ من جميع أنواع الأذى، سواء كان محسوسًا أو معنويًا.

كما أن هذه السور تُعلم المسلم أن يستعين بالله في كل وقت، وأن يتذكر دائمًا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله. فحتى في الأوقات التي قد يتعرض فيها الإنسان للسحر أو العين، يجب أن يظل قلبه مطمئنًا بأن الله هو القادر على كشف كل أذى وحمايته.

الخاتمة:

سورتي الفلق والناس هما من أروع الأدعية القرآنية التي تُعلم المسلم كيفية اللجوء إلى الله للحماية من شرور متعددة قد تواجهه في الحياة اليومية. نزولهما كان في فترة كان فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعرض لأذى، سواء من السحر أو الحسد، ليكون ذلك درسًا للأمة في أهمية الاستعاذة بالله من جميع أنواع الشرور.