8 أمور يجب أن تستغني عنها حتى تعيش حياة مستقرة

الاستقرار في الحياة ليس هدفاً ثانوياً، بل هو أحد الأسس التي تُبنى عليها الصحة النفسية، والقدرة على الإنتاج، وإقامة العلاقات السليمة، وتحقيق النجاح العملي والمعنوي. غير أن تحقيق هذا الاستقرار لا يتطلب إضافة المزيد من الأمور إلى حياتنا بقدر ما يتطلب التخلص من أعباء معينة، ومواقف ذهنية، وسلوكيات وعادات قد تبدو للوهلة الأولى غير ضارة، لكنها في الحقيقة تشكّل جذورًا للفوضى الداخلية والقلق المزمن والاضطراب العاطفي.

إن الاستغناء ليس ضعفا، بل هو فعل نضج ووعي. الحياة المستقرة لا تعني حياة خالية من المشاكل، بل حياة يكون فيها المرء قادراً على التعامل مع تحدياته بهدوء واتزان. ولكي نصل إلى هذه الحالة من الصفاء والاتزان الداخلي، لا بد من إجراء مراجعة دقيقة لأنماط تفكيرنا وسلوكنا، والتخلص مما يعرقل طريقنا نحو السلام الداخلي. في هذا المقال، نعرض بإسهاب وتحليل 8 أمور أساسية ينبغي الاستغناء عنها لتحقيق حياة أكثر استقراراً، مبنية على أسس واقعية وهادفة، ومدعومة برؤى من علم النفس والسلوك الإنساني.

1. التعلق المفرط بالماضي

العيش في الماضي، سواءً بلحظاته المؤلمة أو الجميلة، يشكل أحد أكبر العوائق أمام الاستقرار النفسي. فالأشخاص الذين يظلون أسرى لما حدث، سواء كان ذلك خسارة، خيانة، فشلاً، أو حتى نجاحاً سابقاً، غالباً ما يفقدون قدرتهم على التفاعل مع الحاضر وتشكيل المستقبل.

علم النفس يُجمع على أن استحضار الماضي بشكل دائم يسبب أعراضًا قريبة من اضطرابات القلق والاكتئاب. فالحنين المفرط، والندم المزمن، وتكرار سيناريوهات “ماذا لو”، يربط الإنسان في دائرة مغلقة من التفكير تؤدي إلى الشلل الذهني والعاطفي.

الاستغناء عن التعلق بالماضي لا يعني إنكاره أو نسيانه، بل يعني قبوله، واستخلاص دروسه، ثم المضي قدماً. فالماضي وُجد ليُفهم لا ليُسكن فيه. فقط من يضع الماضي في حجمه الطبيعي، يستطيع أن يحيا حاضره بوعي ويصنع مستقبله بثقة.

2. مقارنة نفسك بالآخرين

في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت المقارنة عادة يومية تقريباً، وهي عادة سامة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. النظر لحياة الآخرين على أنها أفضل، سواء من حيث الجمال، المال، العلاقات أو النجاح، يُنتج شعوراً دائماً بالنقص، ويزرع بذور الحسد والضغينة، ويدمر الثقة بالنفس.

من منظور علم النفس التطوري، المقارنة كانت مفيدة في المجتمعات القديمة لمراقبة وضع الفرد ضمن الجماعة، لكنها اليوم أداة تدمير ذاتي لأن معاييرها أصبحت مبنية على صور معدلة ومحتوى مُنتقى بعناية، وليس على واقع حقيقي.

الاستغناء عن هذه العادة يعني التحرر من الحاجة المستمرة لتقييم الذات خارجياً. إن المقارنة الوحيدة الصحية هي مقارنة المرء بنفسه: أين كنت؟ أين أصبحت؟ ما الذي تطورت فيه؟ تلك هي المقارنة التي تبني ولا تهدم.

3. محاولة إرضاء الجميع

من المستحيل أن تُرضي كل الناس، لأن لكل إنسان منظومة قيم وتوقعات مختلفة، وقد تكون متناقضة أحياناً. السعي المفرط لنيل القبول من الجميع يؤدي إلى استنزاف نفسي كبير، ويجعل الشخص يتخلى عن احتياجاته وقيمه الخاصة، مما يخلق نوعاً من الاغتراب الذاتي.

في علم النفس السلوكي، يرتبط هذا السلوك بمفهوم “التوافق الزائف”، حيث يقوم الفرد بتعديل مواقفه وسلوكياته ليتماشى مع الآخرين، خوفاً من الرفض أو الانتقاد. ومع الوقت، يفقد الشخص إحساسه بهويته الأصلية.

التحرر من هذه الحاجة يبدأ بفهم أن رضا الآخرين ليس دليلاً على الصواب، وأن من يسعى لإرضاء الجميع، يخسر نفسه أولاً. الحياة المستقرة تُبنى على الصدق مع الذات، وليس على التصنع والتمثيل الدائم.

4. الخوف من التغيير

التغيير جزء طبيعي من الحياة، بل هو أحد أهم قوانينها. غير أن الخوف منه يشلّ القدرة على التقدم، ويجعل الإنسان يتمسك بما هو مألوف حتى لو كان ضاراً أو لا يخدم مصالحه. هذا الخوف ينبع غالباً من عدم اليقين، ومن التعلق الزائد بمنطقة الراحة.

وفقاً للبحوث النفسية، الدماغ البشري مبرمج لتجنّب المخاطر، ولهذا فإن التغيير يُفسر في الغالب كتهديد وليس كفرصة. لكن الحقيقة أن معظم النمو يحدث خارج منطقة الأمان.

الاستغناء عن هذا الخوف يتطلب إعادة تشكيل العلاقة مع المجهول، والتعامل مع التغيير كوسيلة للنمو وليس كخطر يجب تجنبه. كل خطوة باتجاه التغيير الواعي، حتى وإن كانت مؤلمة، تقرّب الإنسان من تحقيق ذاته الحقيقية.

5. اللوم المستمر للآخرين

إلقاء اللوم على الآخرين قد يُشعر الفرد براحة مؤقتة، لكنه يمنعه من تحمل المسؤولية الحقيقية عن حياته. حين نُحمّل العالم الخارجي مسؤولية تعاستنا أو فشلنا، فإننا نقوم فعلياً بتفويض قدرتنا على التغيير للظروف أو الأشخاص، مما يعزز شعور العجز.

الاستغناء عن اللوم لا يعني تجاهل الأخطاء التي ارتكبها الآخرون، بل يعني التركيز على ما يمكن تغييره داخل الذات. ففي كل تجربة مؤلمة، هناك جزء من المسؤولية الذاتية يمكن اكتشافه، والعمل عليه.

من خلال هذا النمط من التفكير، يتحول الإنسان من ضحية للظروف إلى صانع لها، ويصبح أكثر قدرة على بناء حياة مستقرة قائمة على التحكم الفعلي بمسار الأمور، لا على الانفعال العاطفي والتبرير.

6. السلبية والشكوى المستمرة

التذمر المستمر يولّد ما يُعرف في علم الأعصاب بـ”مسارات التفكير السلبية”، وهي طرق تفكير تتقوّى مع الزمن حتى تصبح رد فعل تلقائي لأي موقف. من يعيش ضمن هذه الدوامة يرى العالم من خلال عدسة تشاؤمية تجعله يفسر كل شيء بسوداوية، مما يؤثر على علاقاته وصحته وحتى مناعته النفسية.

من جانب آخر، الشكوى المزمنة تضعف التعاطف الذي يتلقاه الشخص من محيطه، وتجعله في عزلة شعورية. لذلك فإن الاستغناء عنها يُعتبر تحوّلاً جذرياً نحو الحياة الإيجابية.

بدلاً من الشكوى، يُنصح بممارسة الامتنان، حتى في أبسط صوره. الامتنان يعيد برمجة الدماغ ليركّز على الإيجابيات، مما يُسهم في تحسين المزاج وتعزيز الاستقرار العاطفي والنفسي.

7. العلاقات السامة

العلاقات التي تقوم على التلاعب، السيطرة، الاستغلال أو التقليل من الذات، هي قنابل موقوتة تُفجّر الاستقرار النفسي مع الوقت. التعلق بالعلاقات السامة، سواء بسبب الخوف من الوحدة أو الاعتياد، يجعل الشخص يعيش في بيئة مستمرة من التوتر.

الاستغناء عن هذا النوع من العلاقات لا يكون سهلاً دائماً، خصوصاً إذا كانت ضمن الأسرة أو العمل، لكن يجب على الأقل وضع حدود واضحة، وفصل الذات عن تأثيرها المدمر.

العلاقات الصحية تُبنى على التفاهم، الدعم، والاحترام المتبادل. أما العلاقات التي تُشعرك بأنك أقل قيمة، أو أنك غير كافٍ، فهي لا تستحق الاستمرار، حتى وإن بدت أحياناً حتمية.

8. التحكم الزائد في كل شيء

الرغبة في السيطرة على كل جوانب الحياة، من الناس إلى التفاصيل الصغيرة، تخلق ضغطاً هائلاً على الفرد، وتُشعره بالقلق المستمر من فقدان السيطرة. هذا النمط من التفكير يُصنَّف كأحد مسببات التوتر المزمن في علم النفس المعرفي.

الحياة بطبيعتها غير قابلة للسيطرة الكاملة، وبعض جوانبها تخضع للحظ، أو لقرارات الآخرين، أو لظروف لا يمكن التنبؤ بها. لذا فإن الاستغناء عن هذا النمط هو تحرر فعلي من عبء ثقيل.

تعلم المرونة، والقدرة على التكيف، وتقبّل أن بعض الأمور ستجري كما تشاء، وأخرى لا، هو من مفاتيح الاستقرار الذهني والعاطفي. إن الشخص الذي يتقن فن “الترك”، يصبح أهدأ، وأقوى، وأكثر اتزاناً.

جدول ملخّص: الأمور الثمانية التي يجب الاستغناء عنها

المراجع:

• Brown, B. (2018). Dare to Lead. Random House.

• Seligman, M. E. P. (2011). Flourish: A Visionary New Understanding of Happiness and Well-being. Free Press.