ارتفاع وانخفاض درجة حرارة الجسم

تُعد درجة حرارة الجسم من أهم المؤشرات الحيوية التي تعكس حالة الإنسان الصحية، فهي تعبر عن التوازن الداخلي بين إنتاج الحرارة وفقدانها، وما يحدث من تغيرات في هذه الحرارة قد يكون دلالة على وجود خلل أو استجابة فسيولوجية لمؤثرات خارجية أو داخلية. يتناول هذا المقال شرحًا وافيًا وموسعًا لمفهومي ارتفاع وانخفاض درجة حرارة الجسم، أسبابهما، آليات تنظيم الحرارة، التأثيرات الصحية المترتبة عليهما، وطرق الوقاية والعلاج، مع التركيز على التفاصيل العلمية والطبية التي تساعد في فهم هذه الظواهر بدقة.

مفهوم درجة حرارة الجسم الطبيعية

درجة حرارة الجسم الطبيعية تتراوح عادة بين 36.1 و37.2 درجة مئوية عند معظم الأشخاص، وتتأثر بعوامل متعددة مثل الوقت من اليوم، النشاط البدني، الحالة العاطفية، ودرجة حرارة البيئة المحيطة. تتركز حرارة الجسم في الأعضاء الداخلية، خاصة الدماغ والكبد والقلب، في حين تكون الأطراف أقل حرارة.

يرتبط تنظيم درجة حرارة الجسم بشكل أساسي بمنطقة تحت المهاد في الدماغ، التي تعمل كمركز تحكم حراري لضبط التوازن بين توليد الحرارة وفقدانها، حيث يستقبل تحت المهاد إشارات من مستقبلات حرارية في الجلد والدم، ويصدر أوامر للجهاز العصبي وأجهزة الجسم الأخرى للحفاظ على درجة حرارة ثابتة.

ارتفاع درجة حرارة الجسم (الحمى)

تعريف الحمى

الحمى هي زيادة غير طبيعية في درجة حرارة الجسم فوق المعدل الطبيعي نتيجة ارتفاع نقطة الضبط الحرارية في تحت المهاد، وليس مجرد ارتفاع مؤقت في درجة الحرارة. وتعد الحمى رد فعل طبيعي للجسم عند مواجهة العدوى أو الالتهابات.

أسباب الحمى

ترتبط الحمى بمجموعة واسعة من الأسباب، منها:

• العدوى البكتيرية والفيروسية: مثل الإنفلونزا، الالتهاب الرئوي، التهابات الجهاز البولي، وغيرها.

• الأمراض الالتهابية: مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، الذئبة الحمراء.

• السرطان: بعض أنواع السرطان تسبب ارتفاعًا في درجة الحرارة كعرض مصاحب.

• الأدوية والتفاعلات الدوائية: قد تسبب بعض الأدوية الحمى كأثر جانبي.

• الإصابات والرضوض: التهابات الجروح أو الحروق.

• أسباب أخرى: مثل ضربة الشمس أو التسمم.

آلية ارتفاع درجة الحرارة

عندما يهاجم الجسم مسبب مرضي (ميكروب أو فيروس)، تُطلق خلايا الجهاز المناعي مواد كيميائية مثل البروستاجلاندينات التي تؤثر على مركز تنظيم الحرارة في تحت المهاد لترفع “نقطة الضبط” إلى درجة أعلى، مما يؤدي إلى إحساس الجسم بالبرد ويحاول إنتاج المزيد من الحرارة عبر اهتزاز العضلات (القشعريرة) وزيادة الأيض.

أعراض الحمى

تتراوح أعراض الحمى بين الارتفاع في درجة الحرارة مع القشعريرة والتعرق، الصداع، آلام العضلات، فقدان الشهية، التعب العام، وقد تترافق مع تسارع في ضربات القلب والتنفس.

مضاعفات الحمى

قد تؤدي الحمى الشديدة، خاصة عند الأطفال الصغار، إلى نوبات حموية أو اختلاجات، كما أن ارتفاع الحرارة لفترات طويلة قد يؤثر على أداء الأعضاء الحيوية. لذا تتطلب الحمى مراقبة دقيقة وعلاجًا مناسبًا عند الحاجة.

انخفاض درجة حرارة الجسم (الهبوط الحراري)

تعريف انخفاض درجة حرارة الجسم

انخفاض درجة حرارة الجسم أو “هبوط حرارة الجسم” (Hypothermia) هو حالة طبية تحدث عندما تنخفض درجة حرارة الجسم إلى أقل من 35 درجة مئوية، مما يعيق وظائف الأعضاء الحيوية ويهدد الحياة.

أسباب انخفاض حرارة الجسم

تنجم حالة انخفاض حرارة الجسم عن عدة أسباب منها:

• التعرض للبرد الشديد: كالتعرض الطويل للطقس البارد، الغرق في مياه باردة.

• أمراض مزمنة: مثل اضطرابات الغدة الدرقية (قصور الدرقية)، اضطرابات الغدة الكظرية، وأمراض نقص الوزن الشديد.

• الإصابات والصدمة: كالصدمات الجسدية أو حالات الصرع.

• تناول بعض الأدوية والكحول: التي تؤثر على تنظيم الحرارة.

• تدهور حالة الجسم العامة: كضعف التغذية أو التقدم في السن.

آلية انخفاض درجة الحرارة

في حالات التعرض للبرد الشديد، تفشل آليات الجسم في توليد حرارة كافية للحفاظ على درجة حرارة ثابتة، أو أن فقدان الحرارة يكون أسرع من إنتاجها. كما تؤدي بعض الحالات المرضية إلى ضعف استجابة الجسم الحرارية.

أعراض انخفاض درجة الحرارة

تبدأ أعراض انخفاض حرارة الجسم بالشعور بالبرد الشديد، الارتجاف، بطء ضربات القلب والتنفس، الارتباك العقلي، فقدان التنسيق الحركي، وفي الحالات الشديدة قد يتعرض المصاب لفقدان الوعي والغيبوبة.

آليات تنظيم حرارة الجسم

يلعب الجهاز العصبي المركزي، خصوصًا تحت المهاد، دورًا محوريًا في الحفاظ على درجة حرارة الجسم ضمن النطاق الطبيعي من خلال:

• توليد الحرارة: عبر عمليات الأيض، القشعريرة، والتمارين.

• فقدان الحرارة: عن طريق التعرق، توسع الأوعية الدموية السطحية، والتنفس.

هناك عدة طرق لفقدان الحرارة تشمل:

• الإشعاع: فقدان الحرارة إلى البيئة المحيطة.

• التوصيل: انتقال الحرارة عبر التلامس المباشر.

• الحمل: فقدان الحرارة عبر حركة الهواء أو الماء.

• التبخر: فقدان الحرارة عبر تبخر العرق من الجلد.

العوامل المؤثرة في درجة حرارة الجسم

تتأثر درجة حرارة الجسم بالعديد من العوامل:

• العمر: الأطفال والرضع أكثر عرضة لتغيرات الحرارة، وكذلك كبار السن.

• الجنس: النساء قد يعانين من تقلبات حرارية أكثر بسبب التغيرات الهرمونية.

• النشاط البدني: يرفع النشاط البدني من درجة حرارة الجسم.

• الحالة النفسية: القلق والتوتر قد تؤثر على تنظيم الحرارة.

• البيئة المحيطة: درجة حرارة الهواء والرطوبة تلعب دورًا هامًا.

التشخيص الطبي لاضطرابات الحرارة

يتم تشخيص ارتفاع أو انخفاض حرارة الجسم عبر قياس دقيق ومراقبة متكررة للحرارة باستخدام أجهزة موثوقة، مع فحص تاريخ المريض وأعراضه السريرية، وقد تتطلب الحالة إجراء تحاليل دم، فحوصات التصوير، وزراعة عينات لتحديد سبب التغير في درجة الحرارة.

طرق علاج ارتفاع وانخفاض درجة حرارة الجسم

علاج الحمى

• استخدام خافضات الحرارة مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين.

• معالجة السبب الأساسي (عدوى، التهاب، غيرها).

• الراحة التامة وشرب السوائل بكثرة لتعويض الفقد.

• في حالات الحمى الشديدة أو المستمرة يجب استشارة الطبيب.

علاج انخفاض حرارة الجسم

• تدفئة الجسم تدريجيًا باستخدام الأغطية الحرارية والملابس الدافئة.

• نقل المصاب إلى مكان دافئ.

• إعطاء سوائل دافئة عن طريق الفم أو الوريد.

• مراقبة الوظائف الحيوية بدقة وإجراء تدخلات طبية عاجلة حسب الحالة.

الوقاية من اضطرابات حرارة الجسم

الوقاية تعتمد على:

• ارتداء ملابس مناسبة للطقس.

• تجنب التعرض الطويل للبرد أو الحرارة الشديدة.

• الحفاظ على ترطيب الجسم.

• معالجة الأمراض المزمنة التي تؤثر على تنظيم الحرارة.

• الانتباه لأعراض تغير الحرارة واتخاذ التدابير المبكرة.

مقارنة بين ارتفاع وانخفاض حرارة الجسم

أهمية متابعة درجة حرارة الجسم

تعتبر مراقبة درجة حرارة الجسم أمرًا أساسيًا في تقييم الحالة الصحية، خاصة في حالات الأمراض الحادة والمزمنة، والرضع وكبار السن، ومن يعانون من ضعف مناعي. التغيرات المفاجئة أو المستمرة في درجة الحرارة قد تكون مؤشراً على تطور حالات صحية تستدعي التدخل الطبي.

الخلاصة

ارتفاع وانخفاض درجة حرارة الجسم يمثلان ظاهرتين طبيتين مختلفتين تعبران عن توازن معقد في وظائف الجسم واستجابته للبيئة والمسببات المرضية. فهم آليات تنظيم الحرارة، أسباب التغيرات، وأعراضها، بالإضافة إلى طرق الوقاية والعلاج، يمكّن الأفراد من التعامل مع هذه الحالات بشكل فعال والحفاظ على صحتهم. الرعاية الدقيقة والمتابعة الطبية المناسبة تبقى الأساس في تفادي المضاعفات وتحقيق التعافي السريع.

المصادر

1. Kumar, Abbas, Aster. Robbins Basic Pathology. 10th Edition. Elsevier, 2017.

2. Hall, John E. Guyton and Hall Textbook of Medical Physiology. 14th Edition. Elsevier, 2020.