دراسة حديثة: الشتائم مفيدة لصحتك!
الشتائم، تلك الكلمات التي لطالما اعتُبرت سلوكًا غير لائق، محطّ انتقادات اجتماعية، وغالبًا ما تكون مدانة في العديد من الثقافات، بدأت في السنوات الأخيرة تشهد إعادة تقييم من قبل الباحثين في مجال الصحة النفسية والعصبية. حيث أظهرت بعض الدراسات الحديثة أن الشتائم قد تحمل فوائد صحية غير متوقعة، على الرغم من كونها في نظر الكثيرين مدخلًا إلى الانحراف الأخلاقي والسلوكي.
الفهم العصبي لظاهرة الشتائم
في البداية، لفهم الفوائد المحتملة للشتائم، من المهم أن نُعَرِّف طبيعة العلاقة بين اللغة والعقل البشري. يُظهر علم الأعصاب أن الكلمات التي نستخدمها تؤثر بشكل عميق على الدماغ، سواء كانت إيجابية أو سلبية. يتم تحفيز مراكز مختلفة في الدماغ عند التحدث أو سماع كلمات الشتائم مقارنة بالكلمات العادية.
في دراسة نُشرت في مجلة NeuroReport، استعرض الباحثون تأثير الشتائم على الدماغ باستخدام تقنيات التصوير العصبي. أظهرت النتائج أن الشتائم تُنَشِّط بشكل رئيسي مناطق الدماغ المرتبطة بالإحساس بالألم والعواطف المكثفة. لكن المثير للاهتمام هو أن الأشخاص الذين استخدموا الشتائم في تجارب معينة أظهروا قدرة أعلى على تحمل الألم مقارنة بأولئك الذين تجنبوا استخدامها.
الشتائم كوسيلة لتخفيف الألم
تُعد القدرة على تحمل الألم أحد أبرز الفوائد التي أُثبتت علميًا للشتائم. فعلى الرغم من أن الشتائم قد تكون محطًّا للجدل من الناحية الاجتماعية، إلا أنها في العديد من الحالات تُستخدم كأداة لتخفيف الألم الجسدي. في دراسة شهيرة أُجريت في جامعة كينت البريطانية، قام المشاركون بإمساك يدهم في ماء مثلج لمدة طويلة بينما كانوا يُطلب منهم تكرار كلمات مؤلمة مثل “ألم” أو كلمات شتائم. أظهرت النتائج أن المشاركين الذين استخدموا الشتائم كانوا قادرين على تحمل البرودة لفترة أطول، مما يُشير إلى أن الشتائم قد تُحفِّز استجابة فسيولوجية تخفِّف الألم.
يعتقد الباحثون أن استخدام الشتائم يؤدي إلى تفعيل استجابة “القتال أو الهروب”، مما يزيد من إفراز الأدرينالين في الجسم، ويعزز القدرة على التحمُّل في مواقف مرهقة، مثل الألم الجسدي. لذلك، يمكن اعتبار الشتائم بمثابة أداة نفسية للتأقلم، تساعد الأشخاص على مواجهة المواقف الصعبة بطريقة أكثر فعالية.
الشتائم لتقليل التوتر والقلق
إلى جانب تأثيرها على تحمل الألم، أشارت بعض الدراسات إلى أن الشتائم يمكن أن تقلل من مستويات التوتر والقلق. في دراسة أخرى أُجريت في جامعة سكوتلندا، تم اختبار تأثير الشتائم على استجابة الجسم للتوتر. أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين استخدموا الشتائم في مواجهة مواقف ضغط (مثل مقابلات العمل أو تقديم العروض) أبدوا استجابة أقل توترًا مقارنةً بمن تجنبوا الشتائم.
يعتقد العلماء أن الشتائم تساعد في تحرير المشاعر المكبوتة، مما يُخفف من حدة الشعور بالضغط النفسي. يساعد هذا التفاعل العصبي في إطلاق التوترات، ويُتيح للدماغ تكيُّفًا أفضل مع المواقف المحفوفة بالتوتر. في الواقع، يمكن اعتبار الشتائم بمثابة “تنفيس” عن المشاعر السلبية، مما يقلل من تأثيرها على الصحة النفسية.
الشتائم كمؤشر للصحة النفسية
في دراسة شملت 3000 شخص، وجد الباحثون في جامعة نورث كارولاينا الأمريكية أن الأشخاص الذين يستخدمون الشتائم بشكل منتظم يعانون من مستويات أقل من الاكتئاب والقلق، مقارنة بمن لا يستخدمونها أو يحدون من استخدامها. يعتقد بعض العلماء أن الشتائم قد تكون بمثابة أداة للتعبير عن مشاعر الغضب والإحباط التي يصعب التعبير عنها بطرق أخرى.
وتُظهر بعض الأدلة أن الأشخاص الذين يبدون ردود فعل عاطفية قوية عند استخدام الشتائم قد يكونون أكثر قدرة على التكيف مع التحديات الحياتية. في حالات معينة، قد تُعتبر الشتائم وسيلة صحية لإطلاق العواطف، خاصة عندما يكون الشخص محاطًا بمواقف تثير شعورًا بالظلم أو الغضب. من خلال السماح للفرد بالتعبير عن مشاعره بطريقة غير مقيدة، يمكن أن تؤدي الشتائم إلى تحسين المزاج، وبالتالي تحسين الصحة النفسية بشكل عام.
هل الشتائم مفيدة اجتماعيًا؟
إلى جانب الفوائد الفردية التي قد تنجم عن استخدام الشتائم، تشير بعض الأبحاث إلى أن الشتائم قد تلعب دورًا في تحسين العلاقات الاجتماعية في بعض الحالات. على سبيل المثال، في بيئات العمل أو المجموعات الاجتماعية حيث يُسمح باستخدام لغة غير رسمية، قد تساعد الشتائم في تقوية الروابط بين الأفراد. فالشتائم، عندما يتم استخدامها في إطار فكاهي أو في سياقات غير رسمية، يمكن أن تؤدي إلى فك الحواجز بين الأشخاص، وتخفف من التوترات.
الباحثون في جامعة كولورادو اكتشفوا أن الأشخاص الذين استخدموا الشتائم بشكل معتدل في تفاعلاتهم الاجتماعية أبدوا علاقات أكثر سلاسة وأكثر انفتاحًا. كانت الشتائم أداة غير لفظية لبناء الثقة بين الأفراد، ما يعكس الجانب الإيجابي لاستخدام الشتائم في تفاعلات اجتماعية معينة.
الشتائم كمحفز للذات
بعيدًا عن التأثيرات الجسدية والنفسية، يمكن للشتائم أن تعمل كتحفيز داخلي للعديد من الأشخاص. عندما يُستخدم الشخص الشتائم في مواقف معينة، قد يشعر بنوع من القوة أو الثقة في النفس. فالبعض يرى في الشتائم وسيلة لاستعادة السيطرة على المواقف التي لا يستطيع فيها تغيير مجريات الأمور.
مفهوم “التحفيز الذاتي” من خلال الشتائم يمكن أن يساعد الشخص في التغلب على مشاعر العجز أو الضعف. وهذا يرتبط بالأبحاث التي تظهر أن استخدام كلمات قوية أو “قاسية” في لحظات التحدي يمكن أن يعزز من شعور الشخص بالثقة والقدرة على التحمل.
متى يصبح استخدام الشتائم ضارًا؟
على الرغم من أن الشتائم قد تحمل فوائد صحية في بعض السياقات، فإن استخدامها المفرط قد يصبح ضارًا إذا خرج عن نطاق السيطرة أو تحول إلى عادة سلبية. فإدمان الشتائم يمكن أن يعكس حالة نفسية غير مستقرة أو صعوبة في التعبير عن المشاعر بطريقة بنّاءة. في بعض الحالات، قد يؤدي الإفراط في استخدام الشتائم إلى زيادة التوتر والعنف في البيئة المحيطة، مما يساهم في خلق صراعات اجتماعية غير ضرورية.
الأطباء النفسيون يحذرون من أن استخدام الشتائم بشكل مفرط قد يكون مؤشرًا على اضطرابات مثل القلق المزمن أو الاكتئاب، ولذلك يجب التعامل مع الشتائم بحذر. من المهم أن يميز الشخص بين استخدام الشتائم كأداة للتنفيس عن مشاعر سلبية واستخدامها كوسيلة مستمرة للهروب من مواجهة مشاعر أعمق تحتاج إلى معالجة.
الخلاصة
قد تبدو الشتائم في نظر الكثيرين أداة سلبية أو غير لائقة، لكن الأدلة العلمية تشير إلى أنها قد تحمل بعض الفوائد الصحية المدهشة. من تخفيف الألم إلى تقليل التوتر، مرورًا بتحفيز الذات، يمكن للشتائم أن تكون بمثابة أداة مفيدة عندما تُستخدم بشكل مدروس ومناسب. ومع ذلك، يجب على الأفراد أن يكونوا حذرين في استخدامها وأن يفهموا السياقات التي قد تكون فيها هذه الكلمات ضارة أو غير مناسبة، خاصة إذا تحولت إلى سلوك مفرط أو مؤذي.
