أحمد فؤاد نجم: شاعر الغلابة وصوت الثورة المصرية

يُعد أحمد فؤاد نجم أحد أبرز الأصوات الشعرية التي عرفتها مصر والعالم العربي في القرن العشرين، ليس فقط لبلاغة لغته وقوة صوره الشعرية، وإنما أيضًا لموقفه السياسي الجريء، وانحيازه الكامل للطبقات الشعبية، وقدرته الفائقة على التعبير عن آلامهم وآمالهم. سُمي بـ”شاعر الغلابة”، وارتبط اسمه باسم الشيخ إمام عيسى في ثنائية فنية ألهبت مشاعر الملايين، وظلت رمزا للمقاومة الثقافية والسياسية ضد الظلم والاستبداد.

النشأة والتكوين

ولد أحمد فؤاد نجم في 23 مايو 1929 في قرية كفر أبو نجم، التابعة لمركز أبو حماد بمحافظة الشرقية. نشأ نجم في بيئة ريفية بسيطة، وكان أحد أبناء عائلة ريفية فقيرة، مما أتاح له معايشة الواقع الشعبي منذ طفولته، وانعكس ذلك لاحقًا في لغته الشعرية القريبة من الناس ومفرداته المستمدة من وجدان الشارع المصري.

توفي والده وهو في السادسة من عمره، ليبدأ بعد ذلك رحلة من التنقل بين الملاجئ ودور الأيتام، قبل أن يعمل في عدة مهن متواضعة كعامل زراعي وعامل بناء، وهو ما ساهم في تكوين شخصيته الثورية الصلبة، وزاده قربًا من معاناة المواطن البسيط.

التجربة الشعرية المبكرة

بدأ نجم كتابة الشعر مبكرًا، لكنه لم يجد منصة حقيقية لعرض أعماله حتى بداية الستينيات، حين التقى بالشيخ إمام عيسى، الملحن الكفيف والمطرب الشعبي. شكل هذا اللقاء نقطة تحول كبيرة في حياة نجم، حيث بدأت شراكتهما الفنية التي أثمرت عن مئات الأغاني السياسية والاجتماعية التي أصبحت جزءًا من الذاكرة الجمعية للشعب المصري.

كان شعر أحمد فؤاد نجم في البداية متأثرًا بالزجل الشعبي، لكنه سرعان ما طور أسلوبه ليتحول إلى نموذج شعري فريد، يمزج بين العامية المصرية والإيقاع الموسيقي العذب والنقد السياسي والاجتماعي اللاذع.

الشراكة مع الشيخ إمام

شكل أحمد فؤاد نجم مع الشيخ إمام ثنائيًا فنيا لا يُنسى، حيث كتب نجم كلمات الأغاني التي لحنها وغناها إمام بصوته العذب والمؤثر. وقد تميزت هذه الأغاني بالجرأة في تناول القضايا السياسية، ومهاجمة السلطات والأنظمة القمعية، سواء داخل مصر أو في العالم العربي.

من أبرز أعمالهما المشتركة:

• “مصر ياما يا بهية”

• “أنا اتوب عن حبك أنا؟”

• “شيد قصورك”

• “جيفارا مات”

• “سايس حصانك”

تميزت هذه الأغاني بالبساطة في التعبير، والعمق في المضمون، كما أن استخدام اللهجة العامية جعلها أكثر قربًا من الجمهور، وساهم في انتشارها بين الطبقات الشعبية.

السجن والشعر

كان أحمد فؤاد نجم من أكثر الشعراء العرب الذين تعرضوا للاعتقال بسبب مواقفهم السياسية، حيث قضى ما يزيد عن 18 عامًا في السجون المصرية في عهد كل من جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك. لم يكن السجن حاجزًا أمام إبداعه، بل كان محفزًا له، إذ كتب العديد من قصائده داخل الزنازين، وتحول إلى صوت يمثل الضمير الجمعي لشعب يعاني من القهر والظلم.

من أشهر القصائد التي كتبها في السجن:

• “البتاع”

• “كلب الست”

• “بيان هام”

• “صباح الخير على الورد اللي فتح في جناين مصر”

ورغم محاولات القمع والملاحقة، ظل نجم متمسكًا بمواقفه ومبادئه، ولم يتنازل عنها في أي وقت، مؤمنًا بأن الكلمة الصادقة يمكن أن تكون سلاحًا في وجه الطغيان.

مواقف سياسية بارزة

كان أحمد فؤاد نجم ناقدًا لاذعًا لكل من حاول تزييف وعي الشعب، سواء كانوا حكامًا أو رجال دين أو إعلاميين. لم يتردد في مهاجمة عبد الناصر عندما رأى استبداده، وانتقد السادات بشدة خلال فترة الانفتاح، وسخر من حسني مبارك الذي وصفه بـ”المومياء الحاكمة”.

شارك نجم بصوته وكلماته في العديد من الانتفاضات الشعبية، وكان حاضرًا بقوة خلال ثورة 25 يناير 2011، حيث كانت قصائده تردد في ميادين الاعتصام، مثل ميدان التحرير، ليؤكد أن الكلمة الحرة لا تموت وأن الشعر المقاوم يبقى خالدًا في الوجدان الجمعي.

اللغة والأسلوب

تميزت قصائد أحمد فؤاد نجم باستخدامه للغة العامية المصرية بطريقة فنية راقية، بعيدًا عن الابتذال أو السطحية. لم تكن العامية في قصائده مجرد لغة تداول يومي، بل كانت وسيلة فنية ذات قدرة تعبيرية عالية، حملت في طياتها أبعادًا سياسية واجتماعية وإنسانية.

وكان نجم قادرًا على المزج بين السخرية المريرة والنقد الحاد، بحيث تتحول قصائده إلى مرايا صادقة تعكس واقعًا مليئًا بالتناقضات. كما تميزت أعماله بالإيقاع الموسيقي القوي الذي سهل تلحينها وغنائها.

إسهاماته الأدبية

لم تقتصر إسهامات أحمد فؤاد نجم على الشعر الغنائي والسياسي، بل صدرت له عدة دواوين شعرية ومؤلفات أدبية، من بينها:

• “صور من الحياة والسجن”

• “بيان هام”

• “شاعر تكدير الأمن العام”

• “أحمد فؤاد نجم: الأعمال الكاملة”

وقد تم تكريمه في مناسبات دولية عديدة، وحصل على لقب “سفير الفقراء”، وأدرج اسمه ضمن قائمة أهم شعراء المقاومة في العالم العربي.

شخصية أحمد فؤاد نجم

اشتهر أحمد فؤاد نجم بشخصيته القوية والجريئة، وسخريته اللاذعة التي لم تسلم منها أي سلطة. كان ساخرًا بالفطرة، لكن هذه السخرية لم تكن سطحية، بل كانت تعبيرًا عن وعي نقدي عميق بالواقع، وقدرته على فضح التناقضات الاجتماعية والسياسية.

ورغم حياته القاسية، لم يعرف نجم طريقًا للانكسار، وظل صوته عاليًا في وجه الظلم حتى وفاته. وقد كانت حياته سلسلة من الصراعات مع السلطة، لكنه خرج منها منتصرًا كرمز للحرية والثقافة الشعبية المقاومة.

وفاته وإرثه الثقافي

توفي أحمد فؤاد نجم في 3 ديسمبر 2013، عن عمر ناهز 84 عامًا. شكلت وفاته لحظة حزن كبيرة للمثقفين والمواطنين على حد سواء، إذ فقدوا صوتًا نادرًا في الشعر العربي، وصاحب قلم حمل هموم الناس وقضاياهم على مدى عقود.

لكن نجم لم يمت فعليًا، فقد ترك إرثًا شعريًا ضخمًا لا يزال يتردد صداه في أغاني الشيخ إمام، وفي قصائد لا تزال تُدرس وتُقرأ في الجامعات والمنتديات الثقافية، وفي كل لحظة احتجاج شعبية أو انتفاضة على الظلم.

التأثير الثقافي والسياسي

أحمد فؤاد نجم هو أحد أعمدة الثقافة المقاومة في العالم العربي. لعب دورًا هامًا في تأريخ الحراك السياسي والاجتماعي من خلال الشعر، وتمكن من بناء لغة شعرية جديدة تعبر عن طبقات كانت مغيبة أدبيًا وإعلاميًا. لذلك، يعد نجم من القلائل الذين استطاعوا الدمج بين الالتزام السياسي والجمال الشعري.

كما أصبح نموذجًا يُحتذى به في مواجهة السلطة بالكلمة، وقد ألهمت قصائده جيلًا كاملًا من الشعراء والمغنين والمثقفين في مصر والعالم العربي، وساهم في تجديد الخطاب الثقافي الوطني بعيدًا عن النخبوية.

أحمد فؤاد نجم في الدراسات الأكاديمية

نظرًا لقيمة أعماله وارتباطها بالتحولات السياسية والاجتماعية، أصبحت أعمال أحمد فؤاد نجم موضوعًا للعديد من الدراسات الأكاديمية التي تناولت:

• البنية الشعرية في شعر العامية.

• دور الثقافة الشعبية في المقاومة.

• تحليل خطاب السخرية السياسية.

• الأدب والفن بوصفهما أداة للنضال الجماهيري.

وتُعد جامعة القاهرة والأزهر وبعض الجامعات الأوروبية من الجهات التي اهتمت بتحليل إنتاجه، خصوصًا ضمن السياقات الأدبية لما بعد الاستعمار، وأدب السجون والمقاومة الثقافية.

مقارنة بأدباء عصره

برز نجم في وقت كان فيه العديد من الأدباء الكبار أمثال صلاح عبد الصبور، وأمل دنقل، وعبد الرحمن الأبنودي، وفؤاد حداد. لكن ما ميّز نجم هو صدقه الثوري وانحيازه الكامل للشارع. بينما اختار بعض الشعراء استخدام الرمزية أو التغني بالجماليات المجردة، ظل نجم يكتب عن الجوع، القهر، البوليس، والمخبر، والكهرباء المنقطعة، والسجن، والانقلاب، والبرلمان، والمواطن.

جدول: مقارنة بين نجم وبعض شعراء العامية

الخلاصة

أحمد فؤاد نجم هو تجسيد حي لما يمكن أن تفعله الكلمة في وجه الاستبداد. كان شعره سلاحًا فتاكًا في معركة طويلة ضد الظلم والقهر، وقد تمكن بموهبته الكبيرة وشجاعته الفذة من أن يترك بصمة لا تمحى في الوجدان المصري والعربي. لم يكن شاعرًا تقليديًا بل كان شاهدًا على عصره، ومؤرخًا لأحداثه من قلب الشارع، بصوت الشعب، ومن أجل الشعب.

المصادر

• أحمد فؤاد نجم، “الأعمال الكاملة”، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

• زينب حسن، شعر العامية والثورة: دراسة في تجربة أحمد فؤاد نجم، المركز القومي للترجمة.