أضرار النوم على البطن للحامل

هل يضر النوم على البطن الحامل؟ دراسة شاملة لتأثير وضعية النوم على صحة الأم والجنين

منذ لحظة تأكيد الحمل، تتغير حياة المرأة بشكل جذري، ويصبح كل تفصيل في نمط حياتها محل اهتمام وحرص بالغين، بدءًا من التغذية، مرورًا بالنشاط البدني، وانتهاءً بأبسط العادات اليومية كالنوم. وتُعد وضعية النوم من بين أكثر الأمور التي تُثار حولها التساؤلات، لما لها من ارتباط مباشر بالراحة الجسدية والنفسية للأم، فضلاً عن سلامة الجنين. من بين هذه الوضعيات، يبرز النوم على البطن بوصفه موضوعًا شائكًا يثير الكثير من الجدل، ويستدعي تفنيدًا علميًا دقيقًا لتحديد مدى تأثيره السلبي أو الإيجابي، ومتى يصبح خطرًا حقيقيًا.

النوم على البطن خلال الحمل: منظور علمي وتشريحي

في المراحل الأولى من الحمل، غالبًا ما لا تلاحظ المرأة أي تغيير كبير في شكل أو حجم البطن، مما يجعل النوم على البطن ممكنًا بل وربما مريحًا لدى بعض النساء، وخاصة من اعتدن على هذه الوضعية مسبقًا. ومع ذلك، يبدأ التغيير التدريجي بالظهور في الثلث الثاني من الحمل، حيث ينمو الرحم ويبدأ في البروز خارج الحوض، ويصبح النوم على البطن تدريجيًا غير مريح، بل وقد يُصنف كمضر في مراحل لاحقة.

تشير البحوث إلى أن النوم على البطن في الأشهر الثلاثة الأولى لا يُسبب ضررًا مباشرًا للجنين، لأن الرحم في تلك الفترة يكون محميًا خلف عظام الحوض. غير أن الاستمرار في هذه الوضعية مع تقدم الحمل يفرض ضغطًا على الرحم المتنامي، ويُسبب انزعاجًا في العمود الفقري، العضلات، والأعضاء الداخلية، مما يؤدي إلى مجموعة من الأعراض والمخاطر التي ينبغي تجنبها.

المخاطر المحتملة للنوم على البطن للحامل

رغم أنه لا توجد دراسة واحدة تؤكد بشكل قاطع أن النوم على البطن يسبب ضررًا مباشرًا للجنين في كل الحالات، فإن معظم الهيئات الطبية العالمية، بما في ذلك الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد (ACOG)، تحذر من اعتماد هذه الوضعية في الثلث الثاني والثالث من الحمل. من أبرز هذه المخاطر:

1. ضغط على الرحم والمشيمة

مع ازدياد حجم الجنين، يصبح الرحم عرضة للضغط عند النوم على البطن. هذا الضغط يمكن أن يؤثر على تدفق الدم إلى المشيمة، ما يُحتمل أن يُقلل من كمية الأكسجين والعناصر الغذائية التي تصل إلى الجنين.

2. آلام في الظهر والعنق

النوم على البطن يُسبب التواءً في العمود الفقري، خصوصًا عند وجود بطن بارزة. هذا الوضع يؤدي إلى إجهاد عضلات الظهر والرقبة، ما يُسبب آلامًا مزمنة ويُعيق النوم المريح.

3. اختلال التنفس

مع كبر حجم البطن، يؤدي النوم على البطن إلى ضغط على الحجاب الحاجز والرئتين، مما يُعيق التنفس الطبيعي، وخاصة في حالة وجود زيادة وزن الحمل أو الحمل بتوأم.

4. زيادة خطر الارتجاع المريئي

تؤدي وضعية النوم على البطن إلى زيادة احتمالية حدوث ارتجاع الحمض المعدي، بسبب الضغط الواقع على المعدة، وهو ما يُفاقم من حرقة المعدة وهي مشكلة شائعة في الحمل.

5. خلل في الدورة الدموية

الوضعيات التي تُعرض البطن لضغط مباشر قد تُعيق تدفق الدم في الأوردة الرئيسية مثل الوريد الأجوف السفلي، وهو ما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم لدى الأم، والشعور بالدوخة أو الإغماء.

الجدول التالي يوضح المقارنة بين تأثير وضعيات النوم المختلفة خلال الحمل:

متى يُصبح النوم على البطن خطرًا حقيقيًا؟

يشير الأطباء إلى أن نقطة التحول تحدث عادة بعد نهاية الثلث الأول (الأسبوع 13 من الحمل)، حيث يبدأ الرحم في البروز، ويتجاوز حدود الحوض العظمي. من هذه المرحلة، يُصبح النوم على البطن غير مريح وغالبًا غير آمن. وفي بعض الحالات، قد يكون الضغط الناتج عن هذه الوضعية كافيًا للتسبب في تباطؤ نمو الجنين أو ظهور مؤشرات نقص أكسجة مزمن. كما أن النوم في وضعية تضغط على البطن قد يزيد من احتمالات إصابة المرأة بالتهابات بولية متكررة، أو تورم الأطراف السفلية.

البدائل الآمنة والمريحة للنوم أثناء الحمل

يُجمع الأطباء وأخصائيو النوم على أن النوم على الجانب الأيسر هو الأفضل للحامل. فهذه الوضعية تُحسن تدفق الدم إلى القلب، الكليتين، والرحم، وتُسهل عملية الإخراج، وتُقلل من التورم. كما يُوصى باستخدام وسادة حمل لدعم البطن وأسفل الظهر والفخذين. بعض النساء يجدن الراحة في وضعية نصف جلوس، خاصة في حال المعاناة من حرقة المعدة أو ضيق التنفس.

نصائح إضافية للحصول على نوم مريح وآمن خلال الحمل

• استخدام وسائد دعم للظهر، وبين الركبتين، وتحت البطن.

• ارتداء ملابس نوم فضفاضة وقطنية.

• المحافظة على روتين نوم منتظم.

• تجنب تناول الكافيين في المساء.

• الحفاظ على حرارة الغرفة معتدلة.

• ممارسة تمارين التنفس العميق أو اليوغا المخصصة للحامل قبل النوم.

• تجنب الوجبات الثقيلة قبل موعد النوم.

الرأي الطبي: ما الذي تقوله الدراسات والمراجع؟

وفقًا لتقرير صادر عن “National Sleep Foundation” في الولايات المتحدة، فإن أكثر من 78% من النساء الحوامل يُعانين من اضطرابات النوم، وتُعتبر وضعية النوم عاملاً أساسيًا في تحديد جودة النوم. كما تؤكد دراسة منشورة في مجلة “BMJ Open” البريطانية عام 2017 أن النساء اللواتي ينمن على جانبهن الأيسر في الثلث الأخير من الحمل يكنّ أقل عرضة للإملاص (وفاة الجنين في الرحم) مقارنة بمن ينمن على ظهرهن أو بطونهن.

خلاصة علمية

النوم على البطن في بداية الحمل قد لا يشكل خطرًا مباشرًا، لكنه سرعان ما يصبح غير آمن مع تقدم الحمل. تتراكم الأدلة الطبية التي تؤكد أن وضعية النوم تؤثر على كل من صحة الأم وتغذية الجنين وسلامته، ما يجعل اختيار الوضعية المناسبة ضرورة طبية وليست مسألة راحة شخصية فحسب. التوصيات العالمية تُجمع على أن النوم على الجانب الأيسر هو الأفضل، وأن الابتعاد عن النوم على البطن هو الخيار الأسلم بعد الثلث الأول من الحمل.

المصادر والمراجع

1. American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG). “Sleep During Pregnancy.” www.acog.org

2. Gordon A. Smith et al. “Going to sleep in the supine position is a modifiable risk factor for late stillbirth.” BMJ Open. 2017.