علاج السرقة عند الأطفال

تُعد السرقة عند الأطفال من السلوكيات المثيرة للقلق التي تثير حيرة الأهل والمربين، إذ يُنظر إليها عادةً كنوع من الانحراف الأخلاقي أو خلل في التربية. إلا أن هذا الفعل عند الطفل لا يمكن تقييمه بمقاييس البالغين، إذ تختلف الدوافع والمفاهيم في ذهن الطفل عنها عند الراشد. فالطفل في مراحل نموه الأولى لا يدرك تماماً مفاهيم الملكية الخاصة أو القيم الاجتماعية المرتبطة بها، ما قد يؤدي إلى ارتكابه أفعالاً تُصنَّف ضمن دائرة “السرقة” دون وعي حقيقي بخطورتها.

يتطلب علاج السرقة عند الأطفال فهماً عميقاً للجوانب النفسية والاجتماعية والتربوية التي تؤدي إلى هذا السلوك، ويستلزم معالجة شاملة تجمع بين التوجيه السلوكي والتصحيح التربوي والدعم النفسي، مع مراعاة عمر الطفل، وخلفيته الأسرية، والمواقف البيئية المحيطة به.

أولاً: فهم دوافع السرقة عند الأطفال

قبل البدء بأي تدخل علاجي، من الضروري أن نفهم الأسباب الحقيقية الكامنة وراء سلوك السرقة. هذه الدوافع قد تختلف باختلاف المرحلة العمرية والنشأة الاجتماعية والنفسية للطفل. ويمكن تصنيفها إلى الفئات التالية:

1. عدم فهم مفهوم الملكية

الأطفال الصغار، خصوصاً دون سن السابعة، غالباً لا يملكون مفهوماً واضحاً عن الملكية الشخصية. قد يأخذ الطفل شيئاً يعود لشخص آخر دون أن يدرك أنه يرتكب خطأ أخلاقياً أو قانونياً. في هذه الحالة، لا يُعد السلوك سرقة بالمعنى القانوني أو الأخلاقي، بل تعبيراً عن حاجة لإرشاد تربوي.

2. التقليد

قد يقوم الطفل بتقليد أفعال من حوله، سواء من أقرانه أو أفراد أسرته، خاصةً إذا رأى سلوكيات فيها استحواذ على ممتلكات الغير دون ردع. الأطفال يتعلمون من النماذج السلوكية المحيطة بهم، وبالتالي فإن الأسرة والمدرسة تلعبان دوراً محورياً في تشكيل سلوك الطفل.

3. الحرمان المادي أو العاطفي

قد تدفع الحاجة أو الحرمان بعض الأطفال إلى السرقة، سواء كان ذلك بدافع الرغبة في اقتناء أشياء لا يستطيع الأهل توفيرها، أو نتيجة لحرمان عاطفي يشعر فيه الطفل بالإهمال أو بعدم الاهتمام، فيلجأ للسرقة كوسيلة للفت الانتباه.

4. الغيرة أو الرغبة في المساواة

عندما يرى الطفل أن أقرانه يمتلكون ألعاباً أو أدوات مدرسية مميزة لا يمتلك مثلها، قد يشعر بالنقص أو الغيرة، ما يدفعه للسرقة بدافع الرغبة في المساواة.

5. التعبير عن الغضب أو التمرد

في بعض الحالات، يلجأ الطفل إلى السرقة كنوع من السلوك العدواني السلبي، كرد فعل على مواقف تسبب له الغضب أو الظلم، مثل التفرقة بينه وبين إخوته، أو فرض عقوبات صارمة من قبل الوالدين.

6. اضطرابات نفسية أو سلوكية

في حالات نادرة، قد يكون السلوك السرقي ناتجاً عن اضطرابات نفسية مثل اضطراب السلوك أو اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD) أو حتى الكليبتومانيا (هوس السرقة)، التي تتطلب تدخلاً علاجياً متخصصاً.

ثانياً: طرق علاج السرقة عند الأطفال

علاج السرقة لا يجب أن يتم بأساليب قسرية أو عقابية عنيفة، بل يتطلب مزيجاً من الفهم والتوجيه والاحتواء. فيما يلي أبرز الأساليب الفعالة في معالجة هذا السلوك:

1. التفاهم والحوار الهادئ

عند اكتشاف حالة سرقة، يجب أن يكون رد الفعل الأولي هادئاً وخالياً من الانفعالات. الصراخ أو التهديد لن يحقق نتيجة إيجابية، بل قد يدفع الطفل إلى تكرار السلوك خفية. من المهم التحدث إلى الطفل بلغة يفهمها، مع محاولة معرفة السبب الذي دفعه للسرقة.

2. تعزيز مفهوم الملكية والحقوق

ينبغي غرس مفهوم “الملكية” في ذهن الطفل منذ سن مبكرة، من خلال الأمثلة العملية والتجارب اليومية. كأن يُقال للطفل: “هذه اللعبة لك، وهذه اللعبة لأخيك، ولا يجوز أخذها دون إذنه”، مع تشجيعه على احترام ممتلكات الآخرين.

3. تصحيح السلوك دون إذلال

إذا قام الطفل بالسرقة، يجب إرشاده لإعادة ما أخذه إلى صاحبه والاعتذار له، لكن دون إحراجه أمام الآخرين. الهدف هنا هو تعليمه تحمل المسؤولية وتقديم نموذج للسلوك الأخلاقي، دون المساس بثقته بنفسه.

4. استخدام التعزيز الإيجابي

يمكن الاستفادة من التعزيز الإيجابي في غرس القيم الصحيحة، مثل مكافأة الطفل عند تصرفه بأمانة، أو مدحه عندما يعيد شيئاً ليس له. هذا يعزز تقديره لذاته ويدعم بناء سلوك إيجابي متكرر.

5. مراقبة البيئة المحيطة

من المهم مراقبة من يرافق الطفل، وما يشاهده على الشاشات، وكيف يتفاعل مع محيطه. في بعض الحالات، يكون السلوك السرقي نتيجة لتأثير سلبي من المحيطين، سواء في المدرسة أو الحي.

6. تقديم القدوة الصالحة

الأطفال يتعلمون بالسلوك أكثر من الكلام. لذا على الأهل أن يكونوا قدوة في احترام ممتلكات الغير، والحرص على الأمانة في التعاملات اليومية، كي يقتدي بهم الأبناء.

7. تجنب التوبيخ المستمر

الإفراط في التوبيخ واللوم يولد لدى الطفل مشاعر الإحباط والعدائية، وقد يؤدي إلى زيادة السلوك السلبي. من الأفضل التركيز على تصحيح السلوك أكثر من إدانته.

8. علاج الأسباب النفسية العميقة

في حال تكرار السلوك رغم المحاولات التربوية، يجب التفكير بوجود أسباب نفسية كامنة مثل الغيرة، أو القلق، أو اضطرابات سلوكية، تستدعي تدخلاً من أخصائي نفسي أو تربوي.

ثالثاً: دور الأسرة في الوقاية من السرقة

تبدأ الوقاية من السرقة عبر التربية السليمة في بيئة تتسم بالحب، والانضباط، والاحترام المتبادل. وتشمل الإجراءات الوقائية ما يلي:

• تعليم القيم الأخلاقية والدينية: مثل الصدق والأمانة والتكافل، من خلال القصص والسلوك اليومي.

• إشغال وقت الطفل: الأطفال الذين يعانون من فراغ كبير هم الأكثر عرضة للسلوكيات السلبية، لذلك يجب ملء وقتهم بأنشطة مفيدة كالرسم، والقراءة، والرياضة.

• العدل بين الأبناء: تجنب المقارنات والتفرقة بين الأبناء، لأنها تولد الغيرة وتدفع البعض لتعويض الشعور بالظلم من خلال السرقة أو غيرها من السلوكيات العدوانية.

• المتابعة والمراقبة غير المباشرة: دون أن يشعر الطفل بأنه تحت رقابة صارمة، فذلك يحافظ على ثقته ويمنح الأهل فرصة لاكتشاف التغيرات السلوكية في وقت مبكر.

رابعاً: التدخل النفسي المتخصص

في بعض الحالات، وخاصة عندما تتحول السرقة إلى سلوك متكرر يصعب السيطرة عليه رغم كل محاولات التوجيه، يصبح من الضروري التدخل عبر مختصين في علم النفس التربوي أو الإكلينيكي. وتتضمن طرق العلاج النفسي ما يلي:

– العلاج السلوكي المعرفي (CBT)

يركز هذا النوع من العلاج على تعديل أنماط التفكير غير السوية لدى الطفل، وتعليمه مهارات التحكم في الدوافع، والتعامل مع مشاعر الغضب أو الإحباط بطريقة سليمة.

– العلاج الأسري

يشمل الوالدين في خطة العلاج، لتصحيح أنماط التفاعل داخل الأسرة التي قد تسهم في تشكل السلوك السلبي، ويهدف إلى بناء تواصل أفضل بين الطفل ووالديه.

– العلاج باللعب

أسلوب يُستخدم كثيراً في علاج الأطفال، من خلال اللعب الرمزي الذي يسمح بالكشف عن المشاعر الدفينة أو التجارب السلبية التي قد تكون وراء السلوك السرقي.

خامساً: الحالات التي تستدعي الحذر

هناك إشارات تدل على أن سلوك السرقة لم يعد مجرد تجربة عابرة، بل بات علامة على مشكلة أعمق، ومنها:

• تكرار فعل السرقة مع الإنكار أو الكذب.

• وجود تخطيط مسبق للسرقة (كإخفاء الأشياء، أو سرقتها دون سبب واضح).

• غياب الإحساس بالذنب أو الندم بعد السرقة.

• سلوكيات عدوانية أخرى مرافقة (مثل الكذب، الكسل الدراسي، العصيان المتكرر).

في مثل هذه الحالات، لا يمكن الاكتفاء بالحلول التربوية، بل يجب التحرك العلاجي المتكامل.

سادساً: مقارنة بين السرقة العرضية والسرقة المرضية

المراجع

1. American Academy of Child and Adolescent Psychiatry. (2020). Children and Stealing. [aacap.org]

2. Berk, L. E. (2013). Child Development (9th ed.). Pearson Education.