طرق حتّى لا يبكي طفلك عند خروجك

إن ترك الطفل لفترة قصيرة دون وجود أحد من الوالدين أو الأشخاص المألوفين له يعدّ من التجارب الصعبة، خاصة في المراحل العمرية الأولى من حياته. غالبًا ما يواجه الأهل مشكلة بكاء الطفل عند مغادرتهم الغرفة أو المنزل، وهو ما يسبب لهم القلق والتوتر. يبكي الطفل تعبيرًا عن شعوره بالانفصال والقلق، ويعدّ هذا السلوك طبيعيًا إلى حد كبير في مراحل النمو الأولى، خصوصًا بين عمر 6 أشهر إلى 3 سنوات، حيث يزداد ارتباط الطفل بالأشخاص الذين يعتنون به، ويصعب عليه تحمل فكرة الغياب.

في هذا المقال، سيتم استعراض طرق عملية ونفسية وعلمية تساهم في تقليل بكاء الطفل عند خروج الوالدين أو مقدمي الرعاية، مع التركيز على بناء علاقة ثقة وأمان نفسية للطفل تضمن شعوره بالطمأنينة، إضافة إلى تقديم نصائح متخصصة لدعم الأهل في التعامل مع هذه المرحلة الحساسة.

أسباب بكاء الطفل عند مغادرة الوالدين

لفهم كيفية تجنب بكاء الطفل، يجب أولاً التعرف على الأسباب النفسية والعاطفية التي تدفعه لذلك، ومن أهم هذه الأسباب:

1. الارتباط القوي بالأهل: الطفل يشعر بالأمان والراحة في وجود والديه أو الأشخاص الذين يعتنون به، وعندما يرحلون يشعر بالخوف والقلق من المجهول.

2. الخوف من الانفصال (Separation Anxiety): هذه ظاهرة شائعة عند الأطفال في مرحلة معينة من النمو، حيث يشعر الطفل بأن غياب الوالدين قد يعني فقدانهما.

3. عدم وجود روتين واضح: الأطفال يحبون الروتين ويشعرون بالأمان عندما يعرفون ما الذي سيحدث بعد ذلك.

4. الشعور بالوحدة: عند مغادرة أحد الوالدين، قد يشعر الطفل بأنه وحيد ولا يعرف من سيهتم به أو يلعب معه.

5. عدم فهم الطفل لسبب المغادرة: لأن الطفل لا يستطيع فهم المفاهيم الزمنية والمكانية كما الكبار، فقد يشعر أن مغادرة الأهل دائمة وليست مؤقتة.

خطوات وأدوات للحد من بكاء الطفل عند مغادرة الأهل

1. بناء روتين وداعي ثابت

الروتين يخلق شعورًا بالأمان والاستقرار عند الطفل، فعندما يعرف الطفل أن هناك عادة معينة تتم عند خروج الوالدين، يقل شعوره بالخوف والقلق. من الأمثلة على ذلك:

• قضاء دقائق قليلة في الحديث أو العناق قبل الخروج.

• توديع الطفل بلطف وبصوت هادئ.

• تقديم لعبة مفضلة للطفل أثناء غياب الوالد.

• تعويد الطفل على سماع عبارة ثابتة مثل “سأعود بعد قليل”.

هذا الروتين يبعث الطمأنينة ويعلم الطفل أن الغياب مؤقت وليس دائمًا.

2. تجنب مغادرة الطفل فجأة

الخروج المفاجئ دون إنذار مسبق يزيد من شعور الطفل بالخوف والقلق. من الأفضل إعلام الطفل بوقت المغادرة قبل حدوثها، مثل قول:

• “سأذهب الآن، ولكنني سأعود بعد غد.”

• “بعد أن تنتهي من اللعب، سأعود.”

التحدث مع الطفل عن ما سيحدث يخفف من رهبة الموقف ويجعله أكثر تقبلاً.

3. تعويد الطفل تدريجياً على الانفصال

يمكن البدء بفترات انفصال قصيرة جدًا ثم زيادتها تدريجيًا مع مرور الوقت، بحيث لا يشعر الطفل بالصدمة أو الفزع. مثلاً:

• البداية بخروج الوالدين لمدة دقيقتين فقط في الغرفة المجاورة.

• ثم التدرج إلى الخروج خارج المنزل لفترة قصيرة.

• مع الوقت، يستطيع الطفل التعود على الغياب والعودة بثقة.

4. حضور شخص موثوق أثناء غياب الوالدين

عندما يبتعد أحد الوالدين، يجب وجود شخص آخر يعتني بالطفل ويشعره بالأمان، مثل الأب أو أحد الأقارب المقربين. وجود شخص مألوف يقلل من شعور الوحدة ويخفف من القلق.

5. استخدام الألعاب والأنشطة الترفيهية

توفير ألعاب مفضلة أو نشاطات مسلية خلال فترة غياب الوالدين يشتت انتباه الطفل عن فكرة الانفصال ويقلل من توتره. الألعاب التي تتطلب تفاعلًا حركيًا أو ذهنيًا تساعد على توجيه طاقته بطريقة إيجابية.

6. تعزيز الثقة بالنفس عند الطفل

الطفل يحتاج إلى الشعور بأنه قوي ويمكنه الاعتماد على نفسه لفترة قصيرة. تحفيزه ومدحه عند هدوئه أثناء غياب الوالدين يعزز ثقته بنفسه ويقلل من سلوكيات البكاء.

7. الحفاظ على هدوء الوالدين

إن شعور الطفل بحالة القلق والتوتر من الوالدين يزيد من حالة الانزعاج لديه، لذا يجب أن يكون الوالدان هادئين ومطمئنين قبل المغادرة. يمكن الاستعانة بأساليب التنفس العميق والهدوء النفسي لضبط الحالة العاطفية.

8. عدم الاستسلام للبكاء الزائد

عند استمرار الطفل في البكاء، يجب أن يتجنب الوالدان العودة فجأة أو تغيير الخطة باستمرار لأن ذلك قد يعزز البكاء ويجعله سلوكًا مكتسبًا. يجب الحزم والتمسك بالخطة المتبعة دون توتر.

9. استخدام ألعاب التعرف على الوقت

من الأدوات الحديثة المفيدة هي استخدام الألعاب التي تشرح للطفل مفهوم الوقت، مثل الساعات الملونة التي تُظهر متى يعود الوالد أو متى تنتهي فترة الانفصال، مما يساعد الطفل على الاستعداد نفسياً.

عوامل مساعدة أخرى تقلل من بكاء الطفل عند الانفصال

1. خلق بيئة مألوفة وآمنة

البيئة المحيطة بالطفل يجب أن تكون مريحة ومألوفة له، مع وجود أشياء يحبها مثل دمى أو بطانيات، وذلك لتساعده على الشعور بالأمان.

2. الحفاظ على نوم الطفل وانتظامه

الطفل النائم بشكل جيد يكون أكثر قدرة على تحمل الانفصال والتكيف مع تغييرات الروتين، لذا يجب المحافظة على نوم منتظم وصحي.

3. الاهتمام بالتغذية الجيدة

الطفل الذي يتناول وجبات متوازنة يشعر بصحة جيدة، مما ينعكس إيجابيًا على حالته النفسية وسلوكه.

4. الاستماع إلى احتياجات الطفل

قد يكون البكاء ناتجًا عن ألم أو تعب أو مرض، لذلك يجب على الوالدين الانتباه إلى صحة الطفل وراحته الجسدية قبل مغادرة المكان.

تأثيرات إيجابية لتقليل بكاء الطفل عند مغادرة الأهل

• تعزيز الثقة بالنفس لدى الطفل.

• تطوير الاستقلالية بشكل تدريجي.

• بناء علاقة صحية قائمة على الثقة والاطمئنان.

• تقليل توتر الوالدين وتحسين تجربتهم مع تربية الطفل.

• توفير بيئة نفسية مستقرة تسهم في النمو السليم للطفل.

جدول مقارنة بين طرق تقليل بكاء الطفل عند الانفصال

مصادر ومراجع

• American Academy of Pediatrics (AAP). (2022). Separation Anxiety in Children: What Parents Need to Know.

• Bowlby, J. (1988). A Secure Base: Parent-Child Attachment and Healthy Human Development. Basic Books.

بهذه الطرق العلمية والنفسية والعملية، يمكن للأهل تخفيف ألم الانفصال عند الطفل والتقليل من نوبات البكاء التي تصاحب خروجهم. كل خطوة تتطلب صبرًا، تدرجًا، والتزامًا بروتين ثابت لتعزيز ثقة الطفل بنفسه وبالبيئة المحيطة به، مما يؤدي إلى تجربة أفضل لجميع أفراد الأسرة.