النجم: دورة الحياة والنهاية المحتومة
يُعد النجم واحدًا من أعظم الظواهر الكونية التي تشد انتباه البشر وتثير فضولهم. منذ العصور القديمة، اعتبر الإنسان النجوم بمثابة علامات أو رموز للمصير والمستقبل، وارتبطت في العديد من الثقافات بالآلهة والمعتقدات العميقة. إلا أن النجم، رغم سحره، ليس أبديًا. بل يتبع دورة حياة طبيعية حتمية، مثل أي كائن حي أو ظاهرة فلكية، تبدأ من الولادة، تمر بمرحلة النضوج، وتنتهي بالنهاية. هذه الدورة التي يمر بها النجم هي نموذج حقيقي للطبيعة الكونية التي لا بد أن تؤول في النهاية إلى التحلل والموت.
الولادة: مرحلة النشوء والتكوين
يبدأ النجم حياته في سحابة ضخمة من الغاز والغبار الكوني، تعرف بالسديم. في هذه المرحلة، تكون الجزيئات الدقيقة داخل السديم غير مستقرة، وتحاول الجاذبية تجميعها في كتل أكبر وأكبر. مع مرور الوقت، يتزايد الضغط داخل هذه الكتل الناتجة عن تراكم الغازات، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير. في مرحلة معينة، تصل الحرارة إلى مستويات كافية لحدوث تفاعلات نووية، ويبدأ النجم في إشعاع الضوء والحرارة. وُلد النجم الآن.
العملية الأساسية التي تحدد مصير النجم وتحديد خصائصه الفيزيائية هي تفاعلات الاندماج النووي. في قلب النجم، تندمج الذرات الصغيرة مثل الهيدروجين لتكوين الهيليوم، مما يُنتج طاقة هائلة. تستمر هذه العملية على مدار ملايين أو حتى مليارات السنين، وتحدد الطاقة الناتجة عن الاندماج النووي استقرار النجم في هذه المرحلة من حياته.
النضوج: مرحلة الاستقرار
خلال مرحلة النضوج، يظل النجم مستقرًا بسبب توازن دقيق بين قوى متعارضة. من ناحية، يحاول الانكماش بسبب الجاذبية أن يضغط النجم إلى الداخل، بينما من ناحية أخرى، يتسبب التفاعل النووي في انفجار الطاقة إلى الخارج. هذا التوازن يبقي النجم في حالة من الاستقرار لفترة طويلة. بالنسبة للنجوم التي تشبه شمسنا، فإن هذه المرحلة قد تستمر لعدة مليارات من السنين.
خلال هذه الفترة، يمر النجم بعدة تغييرات. يبدأ في تحويل الهيدروجين إلى هيليوم، وعندما ينفد الهيدروجين في قلبه، يبدأ النجم في تحويل الهيليوم إلى عناصر أثقل مثل الكربون والأوكسجين. تظهر هذه التفاعلات نتيجة لانخفاض مستوى الطاقة النووية في النجم، مما يؤدي إلى تضخم النجم وزيادة حجمه بشكل هائل. هذا الانتفاخ يؤدي إلى تحول النجم إلى “عملاق أحمر”.
الشيخوخة: مرحلة التحول والتضخم
عندما ينضب الهيدروجين في قلب النجم، يبدأ في المرور بتغيرات كبيرة. في النجوم الأقل كتلة مثل شمسنا، يبدأ النجم في تحول قلبه من الهيدروجين إلى الهيليوم، ومع نفاد الهيدروجين، يمر النجم بمراحل متسارعة من التحول.
في هذه المرحلة، تتوسع الطبقات الخارجية للنجم بشكل هائل. يصبح النجم عملاقًا أحمر، والسطح الخارجي له يصبح أكثر برودة وأقل سطوعًا. قد يمتد حجم النجم ليشمل الكواكب المجاورة له، مثل الأرض. كما أن عمليات الاندماج النووي في الطبقات العليا للنجم تتسبب في إشعاع كميات ضخمة من الطاقة.
ورغم أن النجم يظل يملك بعض القدرة على تحويل العناصر الأثقل داخل نواته، فإن هذا الأمر لا يستمر إلى الأبد. مع مرور الوقت، تقل الطاقة النووية في النجم، وتبدأ جاذبيته في الضغط على النجم بقوة أكبر، مما يسبب تضخم النجم إلى حجم عملاق. هذه العملية تزداد حدة في النجوم الأكبر حجمًا.
الموت: مرحلة النهاية المحتومة
في النهاية، عندما تتوقف التفاعلات النووية داخل النجم، لا يمكنه المحافظة على التوازن الذي كان قد حققه سابقًا بين الجاذبية والطاقة. يدخل النجم في مرحلة الانهيار، حيث يحدث انهيار هائل للكتلة في مركزه نتيجة للجاذبية الهائلة. بالنسبة للنجوم الأكبر من الشمس، قد يؤدي هذا إلى انفجار هائل يسمى “السوبرنوفا”.
السوبرنوفا هي حدث فلكي ضخم، يشمل انفجارًا ضارمًا ينشر غبار النجم الميت إلى الفضاء. من هذا الحدث، يمكن أن تتشكل عناصر ثقيلة جديدة، تُعد نواة لكواكب جديدة أو حتى نجوم أخرى. أما في النجوم الصغيرة والمتوسطة الحجم، فإن الانهيار يؤدي إلى تكوّن “قزم أبيض” — وهو نجم ميت صلب جدًا وبارد بعد أن فشل في دعم تفاعلات نووية.
المرحلة النهائية: القزم الأسود
بعد مرور مليارات السنين على تكون القزم الأبيض، يبرد النجم تمامًا ويصبح “قزمًا أسود”. في هذه المرحلة، يكون النجم قد استنفد كل طاقته النووية، وأصبح مجرد كتلة صغيرة كثيفة لا تصدر أي إشعاع. على الرغم من أن هذه المرحلة تعد من النهاية الحتمية للنجوم، إلا أن النجوم الكبيرة، التي تتعرض لانفجارات هائلة وتتحول إلى ثقوب سوداء، ستترك وراءها آثارًا أكبر من مجرد قزم أبيض.
الخاتمة: دورة الحياة الكونية
إن موت النجم، مهما طال عمره، يعد جزءًا من دورة حياة كونية أوسع وأكثر تعقيدًا. من ولادته في السدم إلى شيخوخته وانتفاخه وتحوله إلى عملاق أحمر، مرورًا بتفجره في السوبرنوفا، وصولاً إلى نهايته المحتومة في شكل قزم أبيض أو ثقب أسود، يعكس هذا المسار الكوني صيرورة الحياة والموت في الكون. يظل النجم هو العامل الرئيسي في إنتاج العناصر التي تُبني منها النجوم والكواكب والحياة نفسها. ولكن حتى النجم، بأشعته الساطعة، لا يستطيع الهروب من نهايته.
