ظهور دمامل عند الأطفال: الأسباب، الأعراض، طرق العلاج والوقاية

تُعد الدمامل من الحالات الجلدية الشائعة التي يمكن أن تصيب الأطفال في مختلف مراحل أعمارهم، وتشكّل مصدر قلق للآباء والأمهات نظرًا لما تسببه من ألم وعدم راحة للطفل، إضافةً إلى مخاوف العدوى وانتشار البكتيريا. وعلى الرغم من أن الدمامل قد تبدو في ظاهرها مشكلة بسيطة أو مؤقتة، إلا أنها قد تكون أحيانًا مؤشرًا على اضطرابات جلدية أعمق أو نقص في مناعة الجسم. يعود ظهور الدمامل إلى عدة عوامل مترابطة تتعلق بالبكتيريا، والنظافة الشخصية، والحالة الصحية العامة، والتغذية، وحتى العوامل الوراثية.

إن فهم أسباب ظهور الدمامل عند الأطفال، وأعراضها، ومضاعفاتها المحتملة، وطرق علاجها، بالإضافة إلى وسائل الوقاية منها، يشكّل أساسًا ضروريًا للتعامل معها بطريقة فعّالة وآمنة.

تعريف الدمل

الدمل (Boil) هو التهاب جلدي موضعي ناتج عن عدوى بكتيرية، غالبًا ما تسببها بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus)، والتي تؤدي إلى تجمع القيح (الصديد) داخل بصيلة الشعر أو الغدة العرقية. يظهر الدمل على شكل نتوء أحمر مؤلم يزداد حجمه تدريجيًا، ويكون مركزه مملوءًا بالصديد، ويمكن أن ينفجر بعد عدة أيام ليُفرِغ محتواه من السوائل والقيح.

الفرق بين الدمامل والخراجات

رغم أن الكثيرين يخلطون بين مصطلحي الدمل والخراج، فإنهما يختلفان من الناحية السريرية. الدمل عادة ما يكون سطحياً ويقتصر على الجلد وبصيلات الشعر، بينما الخراج (Abscess) أعمق ويتطلب تدخلًا طبيًا أكثر تعقيدًا. في حالة الأطفال، يجب الانتباه جيدًا إلى التمييز بين الحالتين لأن علاج كل منهما يختلف من حيث الأدوية وطرق التصريف.

الأسباب الرئيسية لظهور الدمامل عند الأطفال

1. العدوى البكتيرية

البكتيريا المسببة للدمامل، وخاصة المكورات العنقودية الذهبية، تعيش بصورة طبيعية على سطح الجلد دون أن تسبب أي مشاكل، إلا أنها في بعض الحالات، تدخل إلى داخل الجلد عبر شقوق صغيرة أو جروح غير مرئية، لتبدأ العدوى. يمكن أن تتفاقم هذه العدوى لدى الأطفال إذا لم يتم تنظيف الجلد جيدًا، أو عند ضعف المناعة.

2. ضعف جهاز المناعة

يُعد ضعف المناعة أحد الأسباب المهمة في تكرار الإصابة بالدمامل عند الأطفال. الأطفال الذين يعانون من أمراض مزمنة، مثل مرض السكري أو اضطرابات المناعة الخلقية، يكونون أكثر عرضة للإصابة بالدمامل ومضاعفاتها.

3. النظافة الشخصية السيئة

قلة النظافة تؤدي إلى تراكم البكتيريا والعرق، خاصة في المناطق المغطاة وغير المهواة من الجلد، مثل منطقة الإبطين، الفخذ، ومؤخرة الرقبة، وهي المناطق التي غالبًا ما تظهر فيها الدمامل عند الأطفال.

4. التعرق الزائد والاحتكاك

البيئة الرطبة الناتجة عن التعرق المفرط، خاصة أثناء فصل الصيف، تخلق بيئة مثالية لتكاثر البكتيريا. كذلك فإن احتكاك الجلد بالملابس الضيقة أو الحقائب قد يؤدي إلى تهتك في طبقة الجلد الخارجية، مما يسمح للبكتيريا بالتغلغل.

5. سوء التغذية

نقص بعض العناصر الغذائية الضرورية مثل الزنك، فيتامين A، وفيتامين C، قد يؤدي إلى ضعف دفاعات الجسم ضد العدوى، ويزيد من احتمال الإصابة المتكررة بالدمامل.

6. استخدام أدوات ملوثة

استخدام المناشف أو الملابس أو الأدوات الشخصية المشتركة مع أشخاص مصابين بالدمامل قد ينقل العدوى بسرعة.

أعراض الدمامل عند الأطفال

تتفاوت أعراض الدمامل بحسب شدة العدوى ومكان ظهورها، ولكن الأعراض الأكثر شيوعًا تشمل:

• ظهور نتوء أحمر مؤلم في الجلد

• ازدياد حجم التورم بمرور الوقت

• وجود رأس بيضاء أو صفراء في منتصف التورم (علامة وجود قيح)

• ارتفاع درجة الحرارة في الجلد المحيط بالدمل

• ألم عند لمس المنطقة المصابة

• في بعض الحالات، قد يعاني الطفل من حرارة عامة بالجسم وتضخم في الغدد اللمفاوية القريبة

المواقع الشائعة لظهور الدمامل عند الأطفال

• منطقة الأرداف: من أكثر المناطق عرضة للدمامل بسبب الجلوس الطويل والتعرق.

• الإبطين: نظرًا لاحتكاك الجلد وكثافة الغدد العرقية.

• الوجه والرقبة: خاصة حول الفم أو الأنف، وهي مناطق تحتوي على العديد من بصيلات الشعر.

• الفخذين: بسبب الاحتكاك والرطوبة العالية.

• فروة الرأس: خصوصًا عند الأطفال ذوي الشعر الكثيف أو المصابين بالحساسية الجلدية.

تشخيص الدمامل عند الأطفال

يتم التشخيص عادة من خلال الفحص السريري من قبل طبيب الجلد أو طبيب الأطفال. لا تتطلب معظم حالات الدمامل تحاليل مخبرية، إلا إذا تكررت بشكل مزمن أو كانت هناك مضاعفات. في هذه الحالات، قد يطلب الطبيب:

• مزرعة للقيح لتحديد نوع البكتيريا

• تحليل للدم للكشف عن وجود التهابات جهازية

• فحص مستوى السكر في الدم لاستبعاد مرض السكري

علاج الدمامل عند الأطفال

تختلف وسائل العلاج باختلاف حجم الدمامل، وعددها، وشدة الأعراض، وحالة الطفل الصحية.

1. العلاج المنزلي

في حال كانت الدمامل صغيرة ومفردة وغير مصحوبة بأعراض شديدة، يمكن استخدام الطرق التالية:

• الكمادات الدافئة: تساعد على تسريع نضج الدمل وتفريغ القيح.

• تنظيف المنطقة المصابة: باستخدام الماء الدافئ والصابون غير المعطر مرتين يوميًا.

• تجنب الضغط على الدمل: يمنع انتشار العدوى إلى مناطق أخرى.

2. العلاج الدوائي

قد يصف الطبيب مضادًا حيويًا موضعيًا أو فمويًا حسب شدة الحالة:

• مضادات حيوية موضعية مثل ميوبيروسين (Mupirocin).

• مضادات حيوية فموية في الحالات المصحوبة بالحمى أو انتشار العدوى، مثل كليندامايسين أو كلوكساسيلين.

3. تصريف الدمل

في حال كان الدمل كبيرًا أو لا يستجيب للعلاج، قد يضطر الطبيب لإجراء عملية تصريف جراحي بسيطة تحت التخدير الموضعي، لضمان إخراج القيح والتسريع في الشفاء.

مضاعفات محتملة

• انتشار العدوى إلى مناطق أخرى، مثل تطور الدمل إلى خراج.

• العدوى الجهازية، وهي حالة خطيرة تنتقل فيها البكتيريا إلى الدم.

• تكرار الدمامل، ما يُعرف بحالة الدمامل المزمنة.

• الندبات الجلدية، خصوصًا إذا تم العبث بالدمل أو تم علاجه بطريقة خاطئة.

الوقاية من ظهور الدمامل عند الأطفال

متى يجب مراجعة الطبيب؟

يُنصح بمراجعة الطبيب في الحالات التالية:

• إذا استمر الدمل لأكثر من 7 أيام دون تحسّن.

• إذا كان الطفل يعاني من الحمى أو التعب العام.

• إذا كان هناك تكرار متكرر للدمامل.

• إذا ظهرت الدمامل في مناطق حساسة مثل الوجه أو حول العينين.

• إذا كان الدمل يصاحب تضخم في الغدد اللمفاوية أو احمرار واسع النطاق.

الدمامل المزمنة عند الأطفال

تُعرف الدمامل المزمنة بأنها تلك التي تظهر بشكل متكرر خلال فترات متقاربة، وغالبًا ما ترتبط بمشاكل في الجهاز المناعي أو عدوى داخلية مستمرة بالبكتيريا العنقودية المقاومة. يتطلب علاج هذه الحالات فحوصات إضافية وتقييمًا من قبل طبيب متخصص في الأمراض الجلدية أو المناعة، وقد يشمل العلاج استخدام مضادات حيوية طويلة الأمد، وتبديل نمط الحياة والنظافة، وحتى اللجوء إلى علاجات مناعية.

دور التغذية في الوقاية والعلاج

الغذاء الصحي يلعب دورًا محوريًا في تعزيز مقاومة الجسم ضد العدوى الجلدية. من أبرز العناصر التي ينبغي التركيز عليها في غذاء الطفل:

• فيتامين A: يساهم في تجديد خلايا الجلد. يوجد في الجزر، البطاطا الحلوة، والكبد.

• الزنك: عنصر مضاد للبكتيريا ومهم للشفاء السريع. يتوفر في اللحوم والبقوليات والمكسرات.

• فيتامين C: يساعد في تقوية جهاز المناعة. متوفر في الحمضيات والفلفل والبروكلي.

• البروتينات: ضرورية لإصلاح الأنسجة. توجد في البيض، اللحوم، ومنتجات الألبان.

المصادر والمراجع

1. American Academy of Dermatology (AAD) – “Boils and carbuncles in children”

2. Mayo Clinic – “Boils and carbuncles: Symptoms and causes”

هذا المقال يوفر تغطية شاملة لظاهرة الدمامل عند الأطفال من الجوانب الطبية والوقائية والغذائية، ويعكس أهمية التدخل المبكر والفهم الواعي لطبيعة هذه العدوى الجلدية لتفادي مضاعفاتها.