فضل سورة النجم وأثرها

فضل سورة النجم

سورة النجم هي إحدى السور المكية التي نزلت قبل الهجرة، وتُعدّ من السور العظيمة التي تحمل في طياتها مضامين عقدية عظيمة، وشواهد إيمانية جليلة، وأسلوبًا بلاغيًا معجزًا يبعث في النفس المهابة والخشوع. تقع في الجزء السابع والعشرين من المصحف الشريف، وتحتل الترتيب الثالث والخمسين بين سور القرآن الكريم، ويبلغ عدد آياتها 62 آية. وتتميّز هذه السورة بافتتاحها بالقسم بالنجم، ثم تتوالى فيها الآيات التي تثبت صدق الوحي وصدق النبي محمد ﷺ، وتتناول جوانب من العقيدة الإسلامية، وتردّ على المشركين في ادعاءاتهم الباطلة.

تُعدّ سورة النجم من السور ذات الأثر العميق في نفوس المسلمين، سواء من جهة ما تحمله من بيان لعظمة الوحي، أو من خلال ما اشتملت عليه من مشاهد يوم القيامة، ووصف موقف السجود الذي ختمت به السورة، ما جعلها تحظى بفضل كبير ورد في الأحاديث النبوية، وأثر ملموس في السيرة.

أولًا: البنية الموضوعية لسورة النجم

تتميز سورة النجم بتماسكها الموضوعي، إذ تنتقل بشكل متناغم بين الموضوعات دون إخلال بالوحدة العضوية للنص القرآني. ويمكن تصنيف محتواها ضمن المحاور التالية:

ثانيًا: فضل سورة النجم في السنة والسيرة

أ- فضلها في السنة النبوية

ورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:

“أول سورة أعلن فيها النبي ﷺ بالقراءة سورة النجم، فسجد النبي ﷺ وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس.”

هذا الحديث يُظهر كيف كان وقع سورة النجم عظيمًا، حتى إن مشركي قريش لم يتمالكوا أنفسهم من هيبة ما سمعوا، فسجدوا مع المسلمين، رغم تكبرهم عن قبول الإسلام. وكان هذا الحدث لحظة فارقة في الدعوة المكية، وأبرز دليل على قوة تأثير السورة.

ب- أثرها في قلوب الصحابة

لقد كانت سورة النجم من السور التي تُتلى في بداية الدعوة، لما فيها من إثبات للنبوة والوحي، ورد على المشركين، وقدرتها على مخاطبة العقل والوجدان معًا. وكانت مما يُستخدم لإثبات صدق الرسول ﷺ، وإقناع المعارضين، وكشف تهافت الشرك.

ثالثًا: المقاصد العقدية في سورة النجم

1. إثبات صدق الرسالة والوحي

افتتحت السورة بالقسم بالنجم، لتأكيد أن النبي ﷺ لا ينطق عن الهوى، وإنما يتلقى الوحي من جبريل عليه السلام، حيث يقول الله تعالى:

﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾

وهذا يؤكد أن مصدر كلام النبي ليس ذاتيًا، بل هو من عند الله، وأن جبريل نزل عليه بالرسالة، وقد رآه النبي على صورته الحقيقية في الأفق الأعلى.

2. إثبات التوحيد ونفي الشرك

تتناول السورة نقدًا لاذعًا لعبادة الأصنام من دون الله، مثل اللات والعزى ومناة، حيث يقول الله:

﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ﴾

يُظهر هذا الاستنكار الساخر كيف أن عقيدة المشركين قائمة على التناقض والتمييز الجائر، إذ جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين، رغم أن اعتقادهم بوجود بنات لله باطل من أصله.

3. التنبيه إلى قدرة الله في الخلق والتدبير

تشير الآيات إلى قدرة الله في الخلق، وتصرفه في الكون، وأنه هو الذي يُضحك ويُبكي، ويميت ويُحيي، ويخلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تُمنى، كل ذلك يُؤسس لعقيدة التوحيد.

رابعًا: الجانب البلاغي والإعجاز البياني في السورة

تتميز سورة النجم بأسلوبها البياني المعجز، فهي تبدأ بالقسم، وهي صيغة ذات طابع جاذب يستحث الانتباه. ثم تنهمر الآيات بإيقاع قوي وصور بيانية متتابعة، ومشاهد كونية تتراصّ لتشدّ السامع.

وتمتاز السورة بكثرة استخدام الفعل الماضي في وصف مشاهد يوم القيامة، مما يُشعر القارئ كأن الحدث وقع فعلاً، ويُضفي على النص رهبة ومهابة. وتكرار الصيغ المؤكدة مثل ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ﴾ يعزز الإيقاع ويُرسخ المعنى.

ومن الصور البلاغية المؤثرة في السورة، قوله تعالى:

﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾

فيها مقابلة بين الضحك والبكاء، والموت والحياة، وهذه المقابلات تعكس قدرة الله التامة في خلق المتناقضات، وتوجيه الإنسان للتفكر في أسرار الحياة.

خامسًا: دلالات ختم السورة بالسجود

من أبرز ما يميّز سورة النجم أنها أول سورة يختمها الله بآية سجدة تُتلى جهارًا، مما أحدث تأثيرًا عميقًا في نفس السامعين. يقول الله:

﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾

هذه الآية تُمثّل ذروة التوجيه القرآني في السورة، فهي دعوة صريحة للسجود والعبودية، بعد أن تم بيان بطلان الشرك، وتفنيد حجج المشركين، وبيان قدرة الله.

وسجود النبي ﷺ عند هذه الآية، وسجود كل من سمعها من المسلمين والمشركين معًا، يدل على الهيبة التي بثتها السورة في قلوب الجميع، حتى عجزت الجوارح عن التمرد وانقادت للسجود رغم إنكار العقول.

سادسًا: أثر سورة النجم في الدعوة الإسلامية

لما نزلت هذه السورة، كانت الدعوة في بدايتها، وكان التحدي كبيرًا أمام الدعوة إلى التوحيد. ومع ذلك، استطاعت سورة النجم أن تُحدث أثرًا مزلزلًا في صفوف المشركين، بل وتسببت في لحظة فريدة حين سجد الجميع، مسلمهم وكافرهم، أمام الحق الإلهي.

وكان لهذه السورة الأثر في ترسيخ مبادئ العقيدة، وإظهار قوة القرآن في التأثير، وتثبيت النبي ﷺ في وجه تكذيب قريش. كما ساعدت على ترسيخ مفهوم السمع والطاعة، والسجود لله وحده، والتخلص من التقاليد الوثنية.

سابعًا: دروس مستفادة من سورة النجم

1. عظمة الوحي وصدقه: من خلال توثيق لقاء النبي ﷺ بجبريل على صورته الحقيقية، تظهر أمانة الرسول في تبليغ الوحي.

2. تفاهة عبادة الأصنام: عبر تفنيد عبادة اللات والعزى ومناة، تُظهر السورة أن هذه المعبودات أوهام لا تضر ولا تنفع.

3. الترغيب في التوبة والإنابة: إذ تُشير السورة إلى مغفرة الله للتائبين، ورحمته الواسعة لعباده.

4. التحذير من الغرور والكِبر: بنقل مشاهد يوم القيامة، وتذكير الإنسان بضعفه، يُعاد توجيه النفس نحو التواضع والخضوع لله.

5. دعوة للسجود الحقيقي: ليس فقط السجود الجسدي، بل سجود القلب والعقل والطاعة التامة لله.

ثامنًا: ارتباط سورة النجم بسياق السور المكية

تأتي سورة النجم في وسط متصل من السور المكية التي تتمحور حول العقيدة والتوحيد، مثل سورة القمر والرحمن والواقعة. ويُلاحظ أن هذه السور تشترك في إبراز أهوال يوم القيامة، والتذكير بآيات الله في الكون، والرد على المشركين.

ويمتد تأثير سورة النجم أيضًا إلى ما بعدها، إذ تُعتبر مقدمة لمرحلة جديدة في الجهر بالدعوة، واستخدام أسلوب المواجهة الحاسمة مع الباطل، بالمنطق والبرهان، لا بمجرد الموعظة.

تاسعًا: الاستفادة من سورة النجم في الحياة اليومية

من خلال التدبر في آيات سورة النجم، يمكن للمؤمن أن يستخلص منهجًا للتعامل مع الحياة، يتركز في:

• الثقة بصدق الرسالة وعدم الانجراف وراء الأهواء والشكوك.

• تقدير نعم الله الظاهرة والباطنة، كونه هو الذي يُضحك ويُبكي ويُحيي ويُميت.

• التفكر في قدرة الله على الخلق والإحياء، مما يُعزز الإيمان بالخالق.

• رفض التقاليد الجاهلية والعادات المتوارثة الباطلة، مهما كانت شائعة.

• تجديد العهد بالخضوع لله من خلال السجود، باعتباره رمزًا للعبودية.

المصادر والمراجع:

1. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار طيبة، الرياض.

2. الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق أحمد شاكر.