نظرة هيكلية عامة لمنصة Cordova

تعد منصة Apache Cordova واحدة من أكثر التقنيات انتشاراً في عالم تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة الهجينة Hybrid Mobile Applications، حيث تتيح للمطورين إمكانية إنشاء تطبيقات تعمل على أنظمة تشغيل متعددة مثل أندرويد، وآي أو إس، وويندوز فون، وغيرها، باستخدام تقنيات الويب التقليدية مثل HTML، وCSS، وJavaScript. ما يميز Cordova هو قدرتها على جسر الفجوة بين تطبيقات الويب والتطبيقات الأصلية Native Apps، من خلال توفير بيئة تسمح بالوصول إلى مكونات الجهاز المادية والوظائف الخاصة بالنظام عبر واجهات برمجية API موحدة.

1. مقدمة عن منصة Cordova

تعود جذور منصة Cordova إلى مشروع يُدعى PhoneGap، الذي تم تطويره أصلاً بواسطة شركة Nitobi، قبل أن تستحوذ عليه شركة Adobe وتتبرع به لاحقاً لمؤسسة Apache التي أطلقت عليه اسم Apache Cordova. تتمثل الفكرة الأساسية وراء Cordova في السماح للمطورين باستخدام مهاراتهم في تطوير مواقع الويب لبناء تطبيقات هاتفية متعددة المنصات، بعيداً عن تعقيدات البرمجة الأصلية لكل نظام تشغيل.

Cordova يعتمد على مفهوم “تغليف” (Wrapping) تطبيق ويب داخل حاوية Native WebView، بحيث يتم تشغيل التطبيق كصفحة ويب محلية على الجهاز، لكن مع إمكانية استخدام واجهات API خاصة تسمح له بالتحكم في العتاد مثل الكاميرا، ومستشعرات الحركة، والذاكرة، والملفات، والاتصال بالشبكة، وغيرها.

2. الهيكل العام لمنصة Cordova

يُبنى مشروع Cordova بشكل أساسي على ثلاثة مكونات رئيسية:

2.1. واجهة التطبيقات (Application Layer)

تتمثل في كود التطبيق نفسه، والذي يُكتب باستخدام تقنيات الويب مثل HTML5 وCSS3 وJavaScript. في هذا المستوى، يركز المطور على بناء واجهة المستخدم وتجربة الاستخدام والتفاعل مع المستخدم، تماماً كما يتم بناء صفحة ويب تفاعلية.

2.2. حاوية Cordova (Cordova Container)

هي الطبقة الوسطى التي تعمل كجسر بين التطبيق الذي يعتمد على تقنيات الويب وبين نظام التشغيل الأساسي للجهاز. تتكون هذه الحاوية من إطار عمل Cordova الذي يتم تشغيله داخل WebView الخاص بالنظام. تقوم هذه الحاوية بتحميل تطبيق الويب وتوفير بيئة تنفيذ آمنة ومخصصة.

هذا المكون هو المسؤول عن استدعاء واجهات برمجة التطبيقات (APIs) الخاصة بالنظام مثل الكاميرا، والموقع الجغرافي، والملفات، وأجهزة الاستشعار المختلفة، مما يمنح التطبيق القدرة على التفاعل مع الجهاز نفسه.

2.3. واجهات برمجة التطبيقات الأصلية (Native APIs)

تمثل الطبقة التي توفرها أنظمة التشغيل والتي تسمح بالتعامل مع مكونات الجهاز المادية والوظائف الأساسية. Cordova يعيد تغليف هذه الواجهات من خلال ما يُعرف بـ “الإضافات” أو Plugins، والتي تسمح لكود JavaScript بطلب وظائف النظام عبر جسر التواصل بين WebView والكود الأصلي المكتوب بلغات النظام مثل Java (للأندرويد) أو Objective-C/Swift (لنظام iOS).

هذه الإضافات تضيف القدرة على التحكم في ميزات الجهاز غير المتاحة بشكل مباشر عبر متصفحات الويب العادية، وبالتالي توسيع قدرات التطبيق.

3. آلية عمل Cordova

عند بناء تطبيق باستخدام Cordova، يقوم المطور بكتابة التطبيق كما لو كان موقع ويب، ثم يتم تجميع هذا التطبيق داخل حاوية Cordova الخاصة بكل نظام تشغيل مستهدف. عند تشغيل التطبيق على الجهاز، يقوم WebView بتحميل ملفات التطبيق HTML وCSS وJavaScript محلياً، مما يعني أن التطبيق لا يعتمد على اتصال مستمر بالإنترنت ليعمل.

عندما يحتاج التطبيق إلى استخدام مكونات الجهاز، يقوم كود JavaScript داخل التطبيق باستدعاء وظائف الإضافات (Plugins) التي بدورها تقوم بتشغيل الأكواد الأصلية Native Code للتفاعل مع النظام، ثم تعيد النتائج مرة أخرى إلى كود JavaScript ليتم التعامل معها في واجهة المستخدم.

هذه العملية تتم بشكل شفاف وبسلاسة للمستخدم، مما يجعل التطبيقات التي يتم تطويرها عبر Cordova تبدو كأنها تطبيقات أصلية في الأداء والتفاعل، مع الفارق في طريقة التطوير والأدوات المستخدمة.

4. مكونات منصة Cordova التفصيلية

4.1. مشروع Cordova

يبدأ المطور بإنشاء مشروع جديد عبر أدوات Cordova الرسمية أو من خلال منصات تطوير مدمجة مثل Visual Studio Code مع إضافات خاصة. يحتوي المشروع على مجلد رئيسي يضم:

• www: مجلد يحتوي على ملفات التطبيق من HTML وCSS وجافاسكريبت.

• config.xml: ملف التكوين الرئيسي الذي يحدد إعدادات التطبيق مثل اسم التطبيق، إصدار، أذونات الأجهزة، الإضافات المستخدمة، وإعدادات المنصات.

• platforms: مجلد يتم فيه إنشاء الأكواد الأصلية الخاصة بكل نظام تشغيل مستهدف.

• plugins: مجلد يحتوي على الإضافات التي توفر الوصول إلى وظائف الجهاز.

4.2. ملف التكوين config.xml

يُعتبر من أهم مكونات Cordova، حيث يتحكم في إعدادات التطبيق العامة، وتحديد المنصات المستهدفة، وتسجيل الإضافات Plugins، وتحديد أذونات الاستخدام، وكذلك بعض الخيارات الخاصة بالأداء مثل تمكين الإشعارات أو التحكم في الإعدادات الأمنية.

يُعد هذا الملف مركزياً لتنظيم التطبيق وإدارة وظائفه الخارجية.

4.3. الإضافات (Plugins)

تعتمد قوة Cordova بشكل كبير على الإضافات التي توفر واجهات برمجية جاهزة للوصول إلى مكونات الجهاز. هناك مكتبة ضخمة من الإضافات الرسمية والمجتمعية، والتي تغطي أغلب متطلبات التطبيقات مثل:

• الكاميرا Camera

• جهات الاتصال Contacts

• نظام الملفات FileSystem

• تحديد الموقع الجغرافي Geolocation

• مستشعرات الحركة Accelerometer

• الإشعارات المحلية Local Notifications

• البلوتوث Bluetooth

• مشاركة المحتوى Social Sharing

يمكن تثبيت هذه الإضافات وإدارتها بسهولة باستخدام أدوات Cordova CLI، كما يمكن للمطورين إنشاء إضافات خاصة تلبي احتياجات محددة.

4.4. منصة التطوير والتجميع (Build Tools)

تقدم Cordova أدوات سطر أوامر (CLI) تمكن المطور من بناء، وتجميع، واختبار التطبيقات على مختلف الأنظمة. يقوم Cordova بترجمة ملفات التطبيق إلى مشروع أصلي Native Project، ثم استخدام أدوات النظام (مثل Android Studio أو Xcode) لإنتاج تطبيق قابل للتشغيل على الأجهزة.

5. مزايا منصة Cordova

• تعدد المنصات: يسمح بتطوير تطبيق واحد يعمل على أنظمة متعددة مثل Android وiOS وWindows Phone، ما يوفر الوقت والجهد.

• سهولة التطوير: يستخدم تقنيات الويب المعروفة، مما يجعل تعلمه سهلاً للمطورين القادمين من مجال الويب.

• مجتمع واسع: يتوفر عدد كبير من الإضافات المفتوحة المصدر التي تغطي أغلب احتياجات التطبيقات.

• تكامل مع تقنيات حديثة: يمكن دمج Cordova مع أطر عمل أخرى مثل Angular، React، Vue، مما يزيد من إمكانيات التطوير.

• مرونة عالية: إمكانية تطوير إضافات خاصة لتوفير وظائف مخصصة حسب حاجة التطبيق.

6. تحديات منصة Cordova

رغم مزاياها العديدة، تواجه Cordova بعض التحديات التي قد تؤثر على بعض المشاريع:

• أداء أقل من التطبيقات الأصلية: بسبب اعتمادها على WebView، قد تعاني التطبيقات الثقيلة التي تحتاج إلى رسوميات معقدة أو استجابة فورية من أداء أقل مقارنة بالتطبيقات الأصلية.

• قيود في الوصول إلى بعض الوظائف الحديثة: قد تتأخر تحديثات الإضافات أو توفرها لبعض الوظائف الجديدة التي تصدر مع تحديثات أنظمة التشغيل.

• حجم التطبيق: في بعض الأحيان تكون التطبيقات المنتجة أكبر حجماً بسبب الحاجة إلى تضمين حاوية WebView والإضافات.

7. Cordova مقارنةً مع تقنيات تطوير التطبيقات الأخرى

تتعدد التقنيات التي تتيح تطوير تطبيقات الهاتف المحمول، ويمكن مقارنتها مع Cordova من حيث الأداء، سهولة الاستخدام، والدعم المتوفر:

تجدر الإشارة إلى أن اختيار التقنية يعتمد بشكل كبير على متطلبات المشروع، الموارد المتاحة، وخبرة فريق التطوير.

8. الاستخدامات العملية لمنصة Cordova

تستخدم Cordova في مجموعة واسعة من التطبيقات التي لا تتطلب معالجة كثيفة للرسوميات أو أداءً فائقاً، ومنها:

• تطبيقات المؤسسات Enterprise Apps التي تعتمد على قواعد بيانات وخدمات ويب.

• تطبيقات المحتوى الإخباري والتثقيفي.

• تطبيقات الخدمات الحكومية والوزارات.

• تطبيقات المبيعات والتجارة الإلكترونية ذات الوظائف البسيطة.

• تطبيقات التعليم الإلكتروني والكتب الرقمية.

كما تستخدم بشكل متزايد مع أُطر عمل حديثة لتعزيز الأداء والوظائف.

9. مستقبل منصة Cordova

على الرغم من ظهور أُطر وتقنيات جديدة مثل React Native وFlutter، تظل Cordova خياراً قوياً بسبب بساطتها، وقوة مجتمعها، ودعمها المستمر. كما تعمل مشاريع مثل Capacitor، التي طورتها شركة Ionic، على تحسين نموذج تطوير التطبيقات الهجينة مع الاحتفاظ بفلسفة Cordova الأساسية مع تحديثات وتقنيات أحدث.

يتوقع أن تستمر Cordova في التطور وتوفير بيئة مناسبة لتطبيقات الويب التي ترغب في التوسع إلى الهواتف المحمولة مع أقل جهد ممكن.

المصادر والمراجع

• الموقع الرسمي لـ Apache Cordova: https://cordova.apache.org/

• كتاب “Building Mobile Applications with HTML5” من O’Reilly Media، 2013

• مقالات تقنية حديثة على منصة MDN Web Docs الخاصة بتقنيات الويب وأطر عمل تطوير التطبيقات الهجينة

هذا المقال يقدم نظرة شاملة ومفصلة على الهيكل العام لمنصة Cordova، مميزاتها، تحدياتها، وآلية عملها، وهو مرجع متكامل لأي مطور أو مهتم بتقنيات تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة الهجينة.