صالح المغامسي: دعوة ورؤية إسلامية

الشيخ صالح المغامسي: العالم والداعية وأثره في الدعوة المعاصرة

يُعد الشيخ صالح بن عواد المغامسي واحداً من أبرز الدعاة والعلماء في المملكة العربية السعودية في العصر الحديث، وقد تميز بمزجه بين خطاب الوعظ الشرعي والتأملات العقلية والفكرية العميقة في القرآن الكريم والسنة النبوية. ينتمي إلى الجيل الذي أُوكلت إليه مسؤولية بث الخطاب الإسلامي الوسطي المتزن، في وقت تشهد فيه الأمة الإسلامية تحديات فكرية واجتماعية متباينة. وقد شكلت تجربته الدعوية والعلمية مصدر إلهام لكثير من الشباب والباحثين في علوم الدين، نظراً لأسلوبه المتميز وفهمه العميق لمقاصد الشريعة.

النشأة والتكوين العلمي

ولد الشيخ صالح المغامسي في مدينة المدينة المنورة، وقد نشأ في بيئة إسلامية تقليدية محبة للعلم والدين. تأثر منذ نعومة أظفاره بالجو الديني المحيط بالحرم النبوي الشريف، ما أسهم في تشكيل وعيه الديني مبكراً. أتم دراسته النظامية في مدارس المدينة، ثم التحق بكلية الشريعة التابعة للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتخرج منها متخصصاً في الدراسات الشرعية.

تتلمذ المغامسي على أيدي عدد من كبار العلماء والدعاة في المملكة، منهم الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ صالح الفوزان وغيرهم، وقد استفاد من مجالسهم العلمية والشرعية استفادة عظيمة، أثرت بشكل مباشر على تكوينه الفقهي والأصولي والتفسيري.

المهام العلمية والدعوية

شغل الشيخ المغامسي عدداً من المناصب العلمية والإدارية، كان أبرزها:

• إمام وخطيب مسجد قباء بالمدينة المنورة، وهو من أعرق وأقدم المساجد في الإسلام.

• عمل مستشاراً في عدد من اللجان الشرعية في وزارة الشؤون الإسلامية.

• تولى سابقًا إدارة مركز البحوث والدراسات الإسلامية، حيث أشرف على مشاريع بحثية مهمة في مجال الفكر الإسلامي وتفسير القرآن.

• له مشاركات إعلامية منتظمة عبر القنوات التلفزيونية والمحاضرات العامة، خاصة برنامجه المعروف “مع القرآن” الذي يحلل فيه آيات القرآن الكريم بأسلوب تأملي وعلمي رصين.

تميز خطابه الدعوي بطابع هادئ، غير تصادمي، مع التركيز على الجوانب الروحية والوجدانية للنصوص الدينية، مما جعله قريباً من قلوب الناس على اختلاف مستوياتهم العلمية والاجتماعية.

المنهج الفكري والدعوي

يُعرف عن الشيخ صالح المغامسي التزامه بالمنهج السلفي المعتدل، وقد حرص في دروسه ومحاضراته على التأكيد على أهمية العودة إلى الكتاب والسنة، مع مراعاة مقاصد الشريعة وفهم السلف الصالح. ومع ذلك، فقد عُرف عنه أيضاً انفتاحه النسبي في مقاربة بعض القضايا الفكرية والفلسفية التي تمس الواقع المعاصر.

من أبرز ما يميز منهجه:

• التأمل القرآني العميق: حيث يرى أن القرآن هو كتاب الهداية الأول، ويدعو إلى تدبره وعدم الاقتصار على الحفظ أو التلاوة فقط. كثيراً ما يعرض في دروسه جوانب بلاغية ومعنوية للآيات، ويجمع بين الفهم التفسيري التقليدي والتحليل البياني.

• التوازن بين العقل والنقل: يؤمن بأن النقل الموثوق لا يتعارض مع العقل الصريح، وأن فهم الشريعة يجب أن يكون محاطاً بسياج من التأمل العقلي والتدبر الواقعي.

• الخطاب المتزن البعيد عن الغلو: فقد وقف في وجه بعض التيارات المتشددة التي تستعمل النصوص الشرعية لتبرير العنف أو التكفير، وركز على أهمية الأخلاق الإسلامية والحكمة في الدعوة.

• البعد الوجداني والروحاني: يولي اهتماماً بالغاً بتزكية النفس والارتقاء بها، ويرى أن من مهام العالم والداعية إعادة الروح إلى العلاقة بين العبد وربه، بعيداً عن التجريد الفقهي الجامد.

إسهاماته في تفسير القرآن الكريم

يُعد تفسير الشيخ صالح المغامسي للقرآن من أبرز أعماله، حيث يتمتع بأسلوب مميز يجمع بين التأمل العقلي والإشارات الروحية واللغوية. وقد قدم عدداً كبيراً من الحلقات التلفزيونية التي تناولت سوراً وآيات من القرآن بتفسير عميق غير تقليدي. في هذه التفسيرات، يركز على الربط بين الآيات والسياق العام للسورة، وكذلك إبراز الجوانب التربوية والروحية التي تخاطب القلوب.

يُنظر إلى تفسيره على أنه جسر يربط بين التفسير الكلاسيكي والتفسير المعاصر، دون أن يغفل عن المرويات والتفاسير المأثورة عن الصحابة والتابعين.

خطبه ودروسه العلمية

للشيخ المغامسي عدد كبير من الخطب والدروس التي ألقاها في المسجد النبوي سابقاً، وفي مسجد قباء، وفي العديد من المحافل الدعوية. وتتميز خطبه بطول النفس، واستحضار السياق التاريخي واللغوي، مع ربط ذلك بالواقع المعاصر.

من الموضوعات التي يركز عليها:

• السيرة النبوية وما تحمله من دروس وعبر.

• القضايا الاجتماعية مثل بر الوالدين وصلة الرحم والعدل في التعامل.

• القيم الروحية مثل الصبر، والتوكل، والخشوع، والتوبة.

• قضايا العقيدة والعبادة بأسلوب سهل بعيد عن الجدل الكلامي.

إنتاجه العلمي والإعلامي

أصدر الشيخ صالح المغامسي عدداً من الكتب والبرامج العلمية، وإن كان اعتماده الأكبر على الوسائط المرئية والمسموعة، نظراً لتأثيرها الكبير في الجماهير. من أبرز أعماله:

• برنامج “مع القرآن” الذي يُعرض على عدد من القنوات الفضائية، ويعد من أنجح البرامج التفسيرية في العالم العربي.

• محاضرات مرئية ومسموعة متوفرة على مواقع التواصل والمنصات الدعوية الرسمية.

• مجموعة من الكتيبات الدعوية والتربوية التي تتناول مواضيع في التزكية والإيمان والفقه المعاصر.

الجدول الزمني لمناصب ومساهمات الشيخ

أثره في الدعوة الإسلامية المعاصرة

أثر الشيخ صالح المغامسي في الساحة الدعوية يظهر جلياً من خلال جمهوره الواسع داخل المملكة العربية السعودية وخارجها. لقد ساهم في خلق توازن دعوي بين التيارات التقليدية والتيارات التجديدية، من خلال الحفاظ على مرجعية الكتاب والسنة، مع استحضار الواقع ومتغيراته.

كما أن تأثيره برز بشكل خاص في:

• تهذيب الخطاب الديني وتقديمه بصورة أخلاقية راقية، بعيداً عن التصادم أو التكفير أو الغلو.

• دفع الشباب نحو فهم القرآن الكريم بطريقة تأملية، جعلت كثيراً منهم يقبلون على مجالس العلم الشرعي.

• ترسيخ مفاهيم مثل الرحمة، والتسامح، والعدالة، بوصفها جوهراً أصيلاً في الإسلام، وليست مجرد شعارات دعوية.

ختام المسيرة الدعوية المتواصلة

لا تزال مسيرة الشيخ صالح المغامسي مستمرة في العطاء الفكري والدعوي، رغم تقلب الأحوال واختلاف توجهات الساحة الدينية والإعلامية. وقد حافظ على موقعه كرمز من رموز الدعوة الإسلامية المتزنة، المتصالحة مع الواقع دون أن تفرط في الثوابت.

وتبقى دروسه ومحاضراته مصدر إلهام دائم للباحثين والمهتمين بالخطاب الإسلامي المعاصر، خاصة في زمن يكثر فيه الجدل ويتضاءل فيه اليقين.

المصادر:

1. موقع الشيخ الرسمي: https://www.alssadig.com

2. قناة الشيخ صالح المغامسي على يوتيوب: مجموعة محاضرات وخطب ولقاءات متنوعة.