صلاة العيد في البيوت

حُكم صلاة العيد في البيوت دون خُطبة: دراسة فقهية تفصيلية

تمثل صلاة العيد مظهراً من أعظم مظاهر الشعائر الإسلامية التي تتجلى فيها فرحة المسلمين بإتمام عباداتهم، سواء تعلق الأمر بصيام رمضان وانقضائه في عيد الفطر، أو إتمام فريضة الحج واستقبال عيد الأضحى. وتُعد صلاة العيد من أبرز الشعائر الجماعية التي يتعين فيها الاجتماع وإظهار البهجة والسرور. غير أن الظروف قد تطرأ، كالأعذار الشرعية، أو الأوبئة، أو العجز، أو السفر، مما يفرض أداء هذه الصلاة خارج المساجد أو المُصليات، وأحياناً في البيوت دون خطبة، وهو ما يدفع للتساؤل الفقهي حول جواز هذه الممارسة، وما إذا كانت تصح شرعاً.

يتناول هذا المقال دراسة مفصلة لحُكم أداء صلاة العيد في البيوت دون خطبة، مع استعراض لأقوال أهل العلم ومذاهبهم، وتحليل للأدلة الشرعية ومقاصد الشريعة.

أولاً: مشروعية صلاة العيد وأصلها في الشريعة

اتفق الفقهاء على أن صلاة العيد مشروعة، ووردت النصوص في الكتاب والسنة تؤكدها، ومن ذلك قول الله تعالى:

﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]، وهو ما فُسر عند طائفة من السلف بأنه إشارة إلى صلاة العيد والنحر.

كما ورد في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما:

“شهدتُ العيد مع رسول الله ﷺ، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة”.

وقد اختلف العلماء في حُكمها الأصلي على أقوال:

ثانياً: صفة صلاة العيد وخطبتها

تُصلى صلاة العيد ركعتين، يُكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام ستاً، وفي الثانية خمساً بعد تكبيرة القيام، ويقرأ فيها الإمام بسورة الأعلى والغاشية أو ق والقدر، ويرفع صوته بالتكبير، ثم يُلقي خطبة بعد الصلاة، وهي سنة لا تبطل الصلاة بتركها.

وبالتالي، فإن الخطبة ليست ركناً في صحة الصلاة، بل سنة تابعة، ومن تركها فصلاته صحيحة باتفاق المذاهب.

ثالثاً: الظروف المبيحة لأداء صلاة العيد في البيت

قد تطرأ على المسلمين ظروف تحول بينهم وبين الخروج إلى المصلى أو المسجد، مثل:

• الجوائح والأوبئة المعدية.

• القيد الأمني أو الحصار أو الحرب.

• العذر الشخصي كالمرض أو الشيخوخة أو الإعاقة.

• السفر الطويل الذي يصعب معه الاجتماع.

• انعدام أماكن صلاة العيد في بعض البلدان غير الإسلامية.

وفي مثل هذه الحالات، هل تُشرع صلاة العيد في البيوت؟

رابعاً: أقوال الفقهاء في حكم صلاة العيد في البيت

1. المالكية:

قالوا إن صلاة العيد لا تُصلى فرادى، بل لا بد فيها من جماعة ومن خطبة. فإن فاتت الإنسان جماعة العيد فلا يقضيها، وإنما يشتغل بالتكبير والذكر.

2. الحنفية:

يرون أن صلاة العيد لا تُقضى إذا فاتت، لأنها صلاة مؤقتة بشعيرة لا تتكرر، ولأنها لا تشرع إلا في جماعة بموضع مخصص، فهي لا تُصلى في البيوت.

3. الشافعية:

أجازوا للمنفرد أن يصليها في بيته إذا فاتته مع الجماعة، ولكن بغير خطبة، وهذا يُعد مخرجاً فقهياً لمن تعذر عليه الذهاب للمصلى.

4. الحنابلة:

ذهبوا إلى أنه إن فاتت الجماعة جاز للمنفرد أو أهل البيت أن يصلوها في البيوت، ركعتين كما تصلى في المسجد، لكن بلا خطبة، وهذا القول يُعتبر من أكثر الأقوال تيسيراً وواقعية في حال العذر العام.

خامساً: تفصيل القول في صلاة العيد في البيوت دون خطبة

من خلال النظر في مجمل أقوال الفقهاء والمقاصد الشرعية، يتبين أن:

• في حال العذر العام (كالوباء أو الحجر أو إغلاق المساجد)، فإن القول بجواز صلاة العيد في البيوت دون خطبة هو الأرجح، وبه قال عدد من علماء العصر استناداً إلى قاعدة: “المشقة تجلب التيسير”.

• إن تعذر الاجتماع في مصلى أو مسجد، فلا يُشترط للعيد شرط الجماعة، بل تُصلى فرادى أو في جماعة ضيقة داخل البيوت.

• الخطبة ليست ركناً في الصلاة، وبالتالي تركها لا يبطل الصلاة، بل الصلاة صحيحة إن أُديت ركعتين فقط.

وقد نقل عدد من العلماء المعاصرين هذا الحكم، مثل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، ودار الإفتاء المصرية، وأجمعوا على صحة صلاة العيد في البيوت دون خطبة عند تعذر أدائها جماعة.

سادساً: كيفية أداء صلاة العيد في المنزل

لمن أراد أداء صلاة العيد في البيت دون خطبة، فإن الهيئة الشرعية تكون على النحو التالي:

1. يُصلي ركعتين، كما في صلاة العيد المعتادة.

2. يُكبر في الركعة الأولى تكبيرة الإحرام، ثم ست تكبيرات.

3. يقرأ بعد الفاتحة بسورة الأعلى أو ق.

4. في الركعة الثانية، يكبر خمس تكبيرات بعد تكبيرة القيام.

5. يقرأ بعد الفاتحة بسورة الغاشية أو القدر.

6. يُتم الصلاة بالتشهد والسلام، ولا يلقي خطبة بعدها.

سابعاً: الفرق بين صلاة العيد في البيت وخارج البيت

ثامناً: الضوابط الشرعية لأداء صلاة العيد في البيوت

عند أداء صلاة العيد في البيت ينبغي مراعاة ما يلي:

• نية الصلاة يجب أن تُعقد بأنها “صلاة عيد”، لا نافلة مطلقة.

• أداؤها بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، أي بعد نحو 15-20 دقيقة من شروق الشمس.

• عدم إحداث خطبة بعد الصلاة، لأن الخطبة مرتبطة بالجماعة في المساجد.

• اجتماع الأسرة على صلاتها جماعة أفضل من الانفراد بها، إن أمكن.

تاسعاً: الراجح من أقوال العلماء المعاصرين

بسبب الظروف الطارئة التي مرت بها الأمة الإسلامية في السنوات الأخيرة، وخاصة مع تفشي فيروس كورونا، تصدرت فتوى جواز صلاة العيد في البيوت بدون خطبة كثيراً من المواقع الرسمية والهيئات الدينية، ومنها:

• اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية: أقرت بجواز صلاة العيد في المنازل في حال تعذر أدائها في المساجد، ودون خطبة.

• دار الإفتاء المصرية: أكدت أنه لا مانع شرعاً من صلاة العيد في المنزل، في حال تعذر أدائها جماعة في المسجد، مع الالتزام بالصفة الشرعية وترك الخطبة.

عاشراً: خلاصة الحكم الفقهي

• الأصل في صلاة العيد أن تُصلى جماعة في المساجد أو المصليات مع خطبة بعدها.

• في حال وجود عذر شرعي عام أو شخصي، يُشرع للمسلم أن يصليها في بيته منفرداً أو مع أهل بيته.

• الخطبة ليست شرطاً لصحة الصلاة، ولذلك لا يُؤتى بها في البيت.

• تُصلى ركعتين بتكبيراتها، وقراءتها الجهرية، دون أن تتبعها خطبة.

• هذا القول هو الأيسر والأرجح، ويُراعي مقاصد الشريعة في رفع الحرج وحفظ النفس.

المصادر:

1. الموسوعة الفقهية الكويتية، المجلد 27، باب “العيد”.

2. فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (المملكة العربية السعودية)، المجموعة الثانية، الفتوى رقم: 5061.